بصراحة قد لن تجد تفسيرا كافيا يشخص لك بدقة حالة التيه والبؤس التي وصلنا اليها اليوم حتى أصبح الكثيرون منا يمجدون طربا لماض الاحتلال البريطاني دونما أدنى معرفة لمعنى بقاء بلد حر تحت وطأة سلطة أجنبية، ويشعلون غداة كل ذكرى اكتوبرية نار الحنين لحقبة الاستعمار البائدة وأيضا بغير كامل فهم لدوافع الثورة عليها . ومع أن الأمر هذا قد يقرأ تارة كتعبير عن كرههم وإمتعاضهم الشديد إزاء الاوضاع المزرية التي نعيشها اليوم والتي تمثل بطبيعتها إمتدادا عضويا مماثلا للاوضاع التي أعقبت رحيل المستعمر البريطاني عن عدن وسائر الجنوب آنذاك، وتارة أخرى كرغبة قاصرة منهم في التندر وبث روح الدعابة هربا من منغصات العيش الرتيب . غير أن الشيء المؤكد هنا والذي قد يعد تفسيرا أقرب لحالة السادية الموسمية تلك هو أننا فعلا قد أصبحنا نخشى كثيرا مواجهة الواقع كما هو ونعجز غالبا عن تجاوز الاخطاء التي صنعتها صبيانية الرفاق وجهلهم وجرتنا اليها يومئذ الانظمة السياسية المراهقة التي حكمت بعيد مغادرة الانجليز البلد . ذلك فضلا عن إفتقارنا كليا للشجاعة الكافية وجرأة الحديث بشفافية مطلقة عن مجمل المخاوف والتوجسات التي لم تزل تخالج أذهاننا حتى اليوم تجاه بعضنا كفرقاء سياسيين مزقتهم شهوة السلطة ونشوة الإستئثار بالحكم، حتى صار البعض اليوم وعلى إثر ذلك الواقع يلجىء دون حرج نحو خيار الهروب من حاضره المليىء بالخيبات والنكسات ولو كان ذلك عبر بوابة العودة إلى ماضي الاستعمار بكاء ولوعة ومهما بدا أن في إستدعاء ذلك العهد وخيار التمسح به ثمة تجاوزا سافرا لثمن التخلص منه لاينبغي إغفاله، وتعديا صارخا على معنى الجلاء في أدبيات الثوار لايجب حدوثه .