وصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عصر امس الاربعاء الى دمشق في زيارة تستمر يومين هي الاولى لرئيس غربي الى سورية منذ خمس سنوات. ونقلت الفضائية العربية السورية مباشرة من ارض مطار دمشق الدولي صور الطائرة الرئاسية الفرنسية وهي تحط عند الساعة 15:17 بالتوقيت المحلي (05:17غ). واستقبل وزير الخارجية وليد المعلم الرئيس الفرنسي في مطار دمشق الدولي الذي يقع على بعد نحو 26 كلم جنوب العاصمة السورية حيث ارتفعت اعلام الدولتين. وانتقل ساركوزي الذي رافقه وزير خارجيته برنار كوشنير ووفد اقتصادي رفيع الى قصر الشعب في دمشق حيث اقام له نظيره السوري بشار الاسد استقبالا رسميا. ووصف قصر الاليزيه هذه الزيارة بأنها 'سياسية'، فيما صرح ساركوزي امس الاربعاء لصحيفة 'الوطن' السورية ان 'البلدين يفتحان صفحة جديدة في علاقتهما'. وتختتم الزيارة بقمة رباعية ظهر اليوم الخميس تضم اضافة الى فرنسا وسورية كلا من قطر وتركيا وتتناول المفاوضات غير المباشرة الجارية بين اسرائيل وسورية. ويجري البلدان منذ اشهر مفاوضات غير مباشرة بوساطة تركية وقال قصر الاليزيه ان 'الجولة الخامسة من هذه المفاوضات المقررة في السابع من ايلول (سبتمبر) ستكون مهمة لانها ستتطرق الى اصعب مسألة بين اسرائيل وسورية هي ترسيم الحدود على طول بحيرة طبريا'. ويحضر ساركوزي القمة ايضا بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي ساعيا الى فرض فرنسا واوروبا في اللعبة الدبلوماسية الشرق اوسطية التي تسيطر عليها واشنطن بشكل طاغ. وكانت فرنسا جمدت الاتصالات مع سورية بدفع من الرئيس السابق جاك شيراك بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005 في عملية تفجير وجهت فيها اصابع الاتهام الى سورية فيما نفت دمشق اي ضلوع لها. غير ان ساركوزي قرر اثر انتخاب الرئيس ميشال سليمان في ايار (مايو) مد اليد الى سورية مجددا، بعد ان كانت متهمة بعرقلة انتخاب رئيس جديد في لبنان. وقال ل'الوطن' مبررا عزم فرنسا على اخراج دمشق من 'عزلتها' ان 'سورية دولة كبيرة بامكانها تقديم مساهمة لا يستعاض عنها في حل قضايا الشرق الاوسط'. من جهته، اثنى الرئيس السوري بشار الاسد الثلاثاء متحدثا لمحطة 'فرنسا الثالثة' التلفزيونية على 'السياسة الواقعية' و'البراغماتية' التي تنتهجها فرنسا. وكان ساركوزي استقبل في 12 تموز (يوليو) الرئيس السوري الذي شارك في اليوم التالي في قمة الاتحاد من اجل المتوسط ثم حضر في 14 تموز (يوليو) الاستعراض العسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، ما اثار انتقادات حادة من المعارضة. وطلب الاسد عندها من فرنسا ان تساهم الى جانب الولاياتالمتحدة في الوقت المناسب في رعاية مفاوضات مباشرة مستقبلا بين سورية واسرائيل. وعقد ساركوزي امس الاربعاء لقاء مع الاسد بحث فيه بصورة خاصة علاقات سورية مع لبنان وتأمل فرنسا ان تتحقق 'على ارضية الواقع' وعود دمشق باقامة علاقات دبلوماسية للمرة الاولى مع لبنان الذي هيمنت عليه سياسيا وعسكريا لمدة ثلاثين سنة. كما بحث الرئيسان مسألة الجندي الفرنسي الاسرائيلي جلعاد شليط المحتجز منذ اكثر من سنتين لدى حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في قطاع غزة. ومن المواضيع التي تمت مناقشتها ايضا مسألة ايران اذ تدفع فرنسا سورية الى 'نقل رسالة' الى الايرانيين لحملهم على التخلي عن اي مساع لحيازة السلاح النووي. وقالت اوساط الاليزيه ان 'سورية في موقع يخولها القيام بذلك، وهي تعرف عواقب هذا الامر'، في اشارة الى الغارة الاسرائيلية التي دمرت في ايلول (سبتمبر) 2007 موقعا في شرق سورية يشتبه بأنه كان مفاعلا نوويا شيد بمساعدة كوريا الشمالية ويخضع حاليا لعملية تحقق تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول طبيعة عمله. وعلى الصعيد الاقتصادي، ستتيح هذه الزيارة لمجموعة 'توتال' النفطية التي تتولى استغلال حقول نفطية في شرق سورية، توقيع عقود لتوسيع رقعة عمليات التنقيب والاستغلال، بحسب ما افيد في الاليزيه. ومن جهتها ركزت الصحف السورية على اهمية القمة الفرنسية السورية التي تعقد الاربعاء والقمة الرباعية التي تنضم اليها اليوم الخميس قطر وتركيا في دفع المفاوضات غير المباشرة الجارية حاليا بين سورية واسرائيل. وكتبت صحيفة 'البعث' الناطقة باسم الحزب الحاكم 'امام قمة دمشق الاربعاء الكثير مما تبحث فيه عدا العلاقات الثنائية (...) في المقدمة هو ذلك الدور الذي يمكن ان تساهم به فرنسا في اتفاق مستقبلي للسلام بين سورية واسرائيل'. وكتبت صحيفة 'تشرين' الحكومية 'نعلق آمالا كبيرة على الاتحاد اوروبي وفي مقدمته فرنسا للعب دور فاعل في دفع العملية السلمية المجمدة منذ سنوات والعمل على تذليل العقبات التي تحول دون الوصول الى هذا السلام'. واضافت في افتتاحية كتبها رئيس تحريرها عصام داري 'النتائج ستكون ممتازة وايجابية تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات العربية-الاوروبية بشكل عام' ورأت بان القمة الرباعية 'ستضفي اهمية اضافية على التوجه السلمي الذي يمثله العرب وفرنسا والجيران التواقين للسلام'. وركزت صحيفة 'الثورة' على القمة الرباعية وكتبت في افتتاحية رئيس تحريرها اسعد عبود انها 'ستكون القمة السياسية الأهم في هذه المرحلة'. ومن بيروت اعربت صحف لبنانية امس الاربعاء عن خشيتها من انعكاس نتائج القمة السورية الفرنسية سلبا على الملف اللبناني واعتبرت انها لن تؤدي الى تقدم فعلي في المفاوضات الجارية بين دمشق وتل ابيب بانتظار مشاركة الولاياتالمتحدة فيها. وكتبت صحيفة 'النهار' في مقالتها الرئيسية 'تطرح الزيارة اكثر من تساؤل عن نتائجها المحتملة فيما يتعلق بالملف اللبناني' وابرز هذه التساؤلات 'هل تنتهي بصفقة على لبنان ام ان لها اهدافا اقتصادية تحت غطاء الاهداف السياسية التي اعلن الجانبان انها محور البحث'. ومن جهتها دعت اسرائيل اوروبا الى 'توخي الحذر الشديد في علاقاتها مع سورية'، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ييغال بالمور لوكالة فرانس برس 'على اوروبا ان تتوخى الحذر الشديد في علاقاتها مع سورية في وقت ينفتح هذا البلد' عليها. وتابع المتحدث انه 'باستثناء تبدل طفيف في النبرة، فان السياسة السورية لم تتبدل'، مشيرا الى انه لا يتحدث تحديدا على زيارة الرئيس الفرنسي. واتهم 'سورية بالاستمرار في خط متصلب يقوم بصورة خاصة على تخويف عناصر في لبنان' تعارض نفوذها. كما اتهم النظام السوري بالاستمرار في 'دعم منظمات ارهابية' في اشارة الى حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الفلسطينية وحزب الله الشيعي اللبناني، وبالسعي الى 'زيادة حدة التوتر الدبلوماسي بين روسيا واوروبا' في اشارة الى زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الاخيرة الى موسكو