فقدت حضرموت خاصة والمكلا على وجه أخص ظهر الثلاثاء 3/صفر/1436ه الموافق 25/11/2014م رجلاً من خيرة رجالاتها وهامةً من أجل وأرفع هاماتها، قضى نحبه رحمة الله عليه بعد مسيرة حافلة بالدعوة إلى الله، والإصلاح، والأعمال الخيريَّة، وترك إرثاً مباركاً ورصيداً وافراً من الانجازات لن ينسى, رأيته في صغري فأجللته وأعجبتُ به، ثم هيأ الله لي فرصة للتعرف عليه أكثر وتوثَّقت صلتي به من خلال عملنا في مؤسسة الفجر الخيرية التي كان يرأس فيها مجلس الأمناء منذ عام: 2005م فوجدته أمةً في رجل ووجدت فيه من الصفات الكريمة والسجايا الشريفة، ما أوجب علي أن أحدّث عنها في هذا المقال بعد تقديم العزاء لأبنائه وذويه ورجال الدعوة والبر، سائلاً الله الكريم أن يجعله في روضة من رياض الجنة ويخلفه علينا خلفاً صالحاً. وهذه عشر صفات ظاهرات في الشيخ سالم بن عبدالله بن جنيد باوزير رأيتها فيه كما رآها من جالسه، ليست بالطبع كل صفاته، ولكن ماظهر لي وكانت ميزةً فيه، وهي: الأولى: حب الدعوة إلى الله والاشتغال بها حتى وهبها عمره ونشّأً عليها أبنائه وسخر لها ماله وإمكاناته، وشرّق لأجلها وغرّب، وكم انتفع به أناس وكم فتح من حلق الذكر والتلاوة والتعليم، حتى غدا رحمه الله عنواناً للتدين والدعوة إلى الله. الثانية: القيام على مصالح الناس وقضاء حوائجهم، فلم تقصر همته رحمه الله في الإحسان إلى الخلق بمجرد إسداء النصح لهم ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، بل رافقها تقديم الخدمات العامة والخاصة، وقد أجرى الله على يديه الكريمتين تنفيذ ثلاث عِقاب أشهرها عقبة عجزر وبناء سبعة مساجد وحفر العشرات من خزانات الماء و الآبار والكرفان...وأما كفالة اليتيم والسعي على الأرملة والفقير والمسكين وبذل الفضل والمعروف للمستحقين فذلك ميدانه الفسيح ومجاله الرحب، والمقام لا يتسع للتفصيل، والذي يخفى عني الكثير، فما قدمه فقيدنا من أعمال خيرية تعجز عنها بعض الدول، وهاهي مقبرة امبيخة شاهدة له بالإحسان فطوبى له. الثالثة: كريم الطبع هنيء النفس جواد مفضال، يبذل نفسه وماله لكل سائل وقاصد، وتلك سجية فيه لا يتكلفها رحمة الله عليه، وربما لا يكاد منزله يخلو من الأضياف وذوي الحاجة، فتح داره قبل عقود من الزمن وجعل الدور الأول والثاني منها للضيوف الوافدين على المكلا من أهل الوديان والقرى، وسُفرته عامرة بالإفطار في كل اثنين وخميس والأيام البيض، يلح على الضيف ويترجاه أن ينزل عنده، وكم مرة سمعته يقول لغير واحد: تفضل عندي طالبك طلاب، بافرح بك فرح..ونحو ذلك من الكلمات التي تشعر الضيف بالتقدير والحفاوة. الرابعة: الصدق والإخلاص تجدهما ظاهرة عليه، وتدرك من كلامه وفعاله ذلك، مع بعده رحمه الله عن الدنيا وزهده فيها وعزوفه عما في أيدي الناس وعن المناصب، قد قنع بما آتاه الله من فضله. الخامسة: رجل بكّاء صاحب دمعة عرف بها واشتهر، تهطل عينه فلا يكاد يملكها، وأحسب أنها ترجمة عما في ضميره الحي من المشاعر الصادقة وما في نفسه العظيمة من الخشية لله تعالى، وأنها دليل رقته ورحمته وعطفه، وكم أثرت تلك القطرات الصامتة على نفس من يحدثه وأحدثت استجابة فيه.