إن المتأمل لحال حضرموت وأهلها، يلحظ هيمنة وطغيان الكثير من الكلمات المستفزة التي صارت نافذة في حياة المجتمع وتحدد مساره وتجس نبضه وتحبس أنفاسه، فهناك الفساد والمفسدون وحمى الضنك وغياب التطبيب والسرطنة في الأطعمة دون حسيب أو رقيب والايدز والمخدرات والقات والقاذورات والعشوائيات وعضات الكلاب والقتل والاغتيال على قارعة الطرقات. وأكثر المصطلحات حضوراً في الراهن اليومي التقطّع والسلب والنهب بتهديد السلاح على خط المسافر المكلا – عدن، والعكس، هيمنة هذه المصطلحات القاتلة تجعل الحياة في حضرموت قابعة في دوامتها، منشغلة بمواجهتها والبحث عن ملاذ آمن تأوي إليه من غدرها وخساستها ودناءة أفعالها، حتى أصبح المواطن محشوراً في أزمات خانقة ومتعددة ومتناوبة، هذه الدوامة التي أدخلت إليها حضرموت تضع الجميع في دائرة الاتهام والمسؤولية. إذ إن محاولة السلطة السياسية والأمنية في حضرموت التهرّب من تحمل تبعات هذه النكبات اليومية التي يتعرّض لها الرائح والغادي في طريق المكلا – عدن والعكس بوضع مبررات واهية كأن تدعي أن التقطع ليس في نطاقها الجغرافي ولا يعنيها أمر مواطنيها تدينها أكثر وتظهرها عاجزة عن القيام بما هو أهم دور لها في حياة المجتمع المفضي إلى توفير الأمن والأمان، ليس ذلك فحسب بل هو الدور الذي يعطيها شرعية البقاء في هذه المواضع القيادية ويمكّنها من الامتيازات التي تحصدها في القعود وفي الحركة عند الصحو ووقت المنام، مع غيرها من القيادات المحلية والنيابية والمركزية، فمن غير المقبول أن يتحرك هذا المسئول أو ذاك وخلفه ومعه حراساته الأمنية ويعدّ ذلك المشهد دليلاً على الأمن والأمان الذي ترفل فيه حضرموت ويتنفسه أهلها. لقد ضج المجتمع من حوادث التقطّع والقتل والاغتيال في مؤشر خطير على تدهور الحالة الأمنية في حضرموت ولم يستقل أحد ولن يستقيل، ولا تلويح ولا إشارة غضب من ممثلي المواطنين في المجالس المحلية واستدعاء القيادات الأمنية ومساءلتها !، وهو ما ينبئ بغياب الإستراتيجية الأمنية وخطط الانتشار السريع بين محافظات الوطن، فمثل هذه العمليات والتقطعات التي يمارسها أيٌّ كان ومن أي كوكب أتى لا يعني المواطن من قريب أو بعيد ولا يدخله في مواجهة مع هذه الأدوات التي تعيث قتلاً ونهباً وسلباً على مرأى ومشاهدة من السلطة، فالمواطن لا ينحي باللائمة ويوسم بالاتهام إلا المنظومة الأمنية والسياسية ويضعها أمام محك أحقيتها في البقاء وأهمية دورها الفاعل وجوداً وعدماً. إذ لم يعد الوطن بقادر على تحمل اختلالات أمنية وهزّات اقتصادية وتداعيات نفسية وتراجعات أخلاقية وسلوكية، وعلى الجميع تحمل المسئولية وتبعاتها بشهدها ومرّها بمغانمها ومراميها، فالتاريخ لا يرحم ولن يرحم!. والأكثر غرابة في مشكلات الوطن وتداعياتها على المواطن أن تتداعي عناصر المجتمع المؤثرة والضاغطة على السلطة لكي تعمد إلى خلط الأوراق والذهاب إلى التحليلات والاجتهاد في رمي الاتهامات وتوصي بضرورة ممارسة ما يفعله المتقطعون بشكل حضاري ووفق الخصوصية الحضرمية، وما حد أحسن من حد، وتبتعد بذلك عن تحديد أس المشكلة ووصف المعني بحلها بحكم دوره ومكانته وشرعيته المجتمعية، ولا يليق بأي مجموعة أو تكتل أو تجمعات مدنية أن تلتقي لكي تتخبط في: (الملاوي وهي قدامها الجادة)، ولا يعفى من المشاركة بالصمت حملة الأقلام (الأشاوس) والصحف المستقلة أو التي تدعي الاستقلالية التي لا تعرض لهذه القضايا إلا من باب ذر الرماد على العيون، فما يحدث اليوم غريب وخطير ودخيل ولم تشهده حضرموت في الخمسين السنة الماضية، وإذا لم تقف السلطة السياسية والقيادات الأمنية أمامه واجتثاثه فالمآل ذاهب إلى اتساع ظاهرة القرصنة البرية، وهي الكارثة القاصمة لظهر المجتمع، فسلطة لا تحمي طريق عليها الرحيل عن سدّة القرار ولن يتأسف مواطن على رحيلها وغيابها عن الواجهة المجتمعية. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد. وكفى!.