بينما أنا غارق في أحلام الثورة المصرية إذ رن الجوال قاطعا حبل أفكاري وكنت حينها استمع للشاعر المبدع هشام الجخ والذي يقول: كانت تداعبنا الشوارع بالبرودة و والصقيع و لم نفسر وقتها كنا ندفيء بعضنا في بعضنا , و نراك تبتسمين ننسى بردها و اذا غضبت كشفت عن وجهها , و حيائنا يأبى يدنس وجهها لا تتركيهم يخبروك بأنني متمرد خان الامانة او سها لا تتركيهم يخبروك بأنني اصبحت شيئا تافها و موجها فانا ابن بطنك و ابن بطنك من اراد و من اقال و من اقر و من نهى صمتت فلول الخائفين بجبنهم , و جموع من عشقوك قالت قولها جاوبت ومازلت مخدرا بتلك الأبيات وإذا بصديقي الذي لم أقابله منذ ما يزيد عن السنتين يحدثني قائلا لي وبدون مقدمات أو سلام, ايش فيكم يا حضارم "رغم انه حضرمي" ايش فيكم ساكتين الناس تنزل بالملايين وانتم لاحس ولأخبر ,الناس يثورون وانتم ما ادري فين انتم,....صمت وعدت بذاكرتي إلى أيام الطفولة و المراحل الابتدائية و تذكرت حديث أستاذي الفاضل عندما كان يلقي على مسامعنا كنت ادري ما على (( ردفان )) يجري كنت ادري إن أخواني وأهلي أذرع تحتضن النور وأرواح تصلي ...
وتذكرت كيف حفظنا "كنت ادري ما على ردفان يجري" حفظا فقهيا , فعرفنا ما الذي فعل غالب بن راجح لبوزه , وحفظنا ماذا قال لميلان عن ظهر قلب ,وأخذنا الحماس ,وتهنا في ملكوت الخيال الثوري, وأخذنا ننسج الأقاصيص التي لا تخلوا من تساؤلات حول الطريقة التي عبر بها جيش ردفان الوديان والفيافي للوصول إلى حضرموت لكي يحررها من دنس المستعمر البغيض , اعذروني لحمقي وجهلي وخيالي الواسع فكل ما تسألنا عن ما كان يجري في حضرموت... يعجز مدرسنا الفاضل عن أخبارنا به , لأنه لا يعلم مثلنا كيف كان ذلك , فنحن حضارم ولا ندري ما الذي كان يجري على ارضنا وفوق تربتنا ,ولكننا ندري ما على ردفان يجري !! مفارقة عجيبة لفصول مرت من تاريخنا المرير ونحن نعلم كل شبرفي ردفان ولكننا لا ندري أين كانت المكلا وسيئون وشبام , هكذا يفعل الحمقاء بوطنهم , وهذا ما يحدث عندما يختصر الوطن والتاريخ في جبال صماء وقراء متناثرة ,بالرغم إن بعض ما كان يجري على ردفان مازال موضع نقاش والقول لنجيب قحطان الشعبي ابن لحج الخضيره . ثم تذكرت عندما باغتتنا الوحدة وتهنا في تفاصيلها وغرقنا في وحلها وتخضبت أجسادنا بدماء السبعات ,غنينا لسبعة عدن الجميلة رغم انه كانت لنا سبعة تسبقها بعشر سنين ,لكنها عدن .... !!! فما أحلاك يا عدن ومن أجلك سأنسى تاريخنا وشهيد المكلا والجنوب الأول !!.... اعذرني يا(( بارجاش)) ليتك ذهبت إلى عدن لكي نتغنى بمجدك ونتذكر وننشد "" كنت ادري ما في عدن يجري "". وعندما جاءت ثوره التغيير واتحفنا الشيوخ بفتاويهم الثورية, أصبحنا ندري ما صار يجري في ساحة التغيير وخليج سرت الذي تحول بين عشيه وضحاها إلى خليج الحرية ,اعذروني إنها الحالمة التي تحلم بان يكون لها بعضا من المجد , ورغم انه لنا ساحات ودماء من قبل ,إلا إننا لم نكن ندري ما الذي كان يجري . لقد تذكرت كيف أعمتنا المسيرات المليونية الشبيهة بحفلات الماراكانا ,وعجزنا عن مشاهدات فوهات البنادق التي تضمن للثوار الخروج الأمن, نسينا كيف أجبرت تلك الفوهات البلطجيه على الاعتذار لهم في كل ساحة تغيير,ولقد أعمانا كل هذا عن إدراك الحقيقة المرة إننا في حضرموت لا نزيد عن مليون حسب ما يقولون ,بمعنى أخر قربنا على الانقراض . بالفعل انه التاريخ الذي غالبا ما يكتبه المنتصرون ,وعندما يعصف الحمق ونكران الذات بناء ونمجد ما كان يجري عندهم وننسى شهدائنا ودمائنا تواضعا وحمقا وعزوفا عن شهوات المجد الفاني كما قال لي بعضهم ,وتآمر وكيد كما قال البعض الأخر ,ولكنه حدث ومازال يحدث إلى اليوم . لا ادري من المسئول عن كل هذا هل نلوم الغير أم أنفسنا عن الفشل الذريع في تربية و تعليم أنفسنا و أبنائنا التاريخ وحب الوطن أم ماذا نفعل ؟,حقيقة لم أكن ادري ماذا أقول ,وبينما كنت احاول أن ارتب أفكاري لكي أرد على صديقي قاطعني ليحدثني عن مباراة الكلاسكو الاسباني وكيف انه يحاول حجز مكان في المقهى لكي يتمكن من مشاهدة تلك المباراة الرائعة ,فقلت له اسمح لي اشرح لك ما كان يجري ,ولكنه قال خلاص نكلمك مره ثانية انا مستعجل الآن ... الزحام شديد والرصيد قرب يخلص ...الو ....الو...وانقطع الخط ..... حاولت إن اتصل علية لكن مع الأسف لقد كان الخط مشغولا, وفشلت كل محاولاتي لكي أتحدث مع احدهم ,كنت أريد أن احذرهم من يختصر تاريخنا في خليج سرت إن استمرت يمانيتنا أو يتكرر التاريخ ويختصر في قرى جبيلة قريبة منها لو أصبحنا جنوبيون ,ويضيع تاريخنا ودماء شهدائنا بين هذا وذاك .....!!!