لعل ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع تحديدا؛ هو طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المخططات الأمريكية- الغربية التي تحاك ضد المنطقة العربية منذ عقدين من الزمن على أقل تقدير، والتي وصلت حد الذروة عندما انتقلت من تبني سياسية إسقاط أو إزاحة كلي للأنظمة المتعارضة مع سياساتها، إلى محاولة الاكتفاء بإحداث تغييرات (جذرية/شكلية) في قمة الهرم السياسي لهذا البلد أو ذاك للوصول إلى أهدافها المرسومة نفسها، باعتبارها الوسيلة الرئيسة المناسبة لها والأكثر فعالية ضمن سيناريو معد مسبقا لهذا الغرض، لإعادة فرض هيمنتها على مجريات خط سير الأحداث الرئيسة فيها، من خلال السعي وراء إزاحة " تبديل" أو تصفية أركان النظام القائم (جزئيا/كليا)، تمهيدا لإنهاء مرحلة متشابكة ومعقدة بكل إرهاصاتها، والدخول إلى مرحلة جديدة تم الإعداد لها مسبقا، سيما في ضوء ما أصبحت تمثله هذه التقنية من أهمية متعاظمة لا تضاهى في الشكل والمضمون ضمن إطار الاستراتيجية الأمريكية- الغربية وحلفائها للوصول إلى أهدافها المبتغاة بأقصر طريقة وأسرع وقت وأقل التكاليف. ومن هنا تبرز أهمية تناول هذا الموضوع كنوع من البداية بشيء من التفصيل عند إعادة تشريح المشهد اليمني بكل إرهاصاته، والذي بلغ حد الذروة في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس على عبدالله صالح وأركان حكمة مرة واحدة في سابقة خطيرة إن لم تكن هي الأولى من نوعها في المنطقة منذ مطلع القرن الحالي فإنها تعد الأكثر خطورة وكارثية ليس على المستقبل السياسي للبلاد، بل- أيضا- على حاضر ومستقبل اليمن معا، في ضوء ما كان سيترتب عليها؛ سواء من طي كامل وفوري لصفحة الرئيس ونظامه مرة واحدة، سيما بعدما وصلت جميع الأطراف الداخلية المتورطة من مكونات التيار الانفصالي الخمسة طوال الفترة الواقعة بين عامي (2004-2010م) والأشهر الخمسة الأولى من عام 2011م منها- بوجه خاص- إلى حد العجز شبه التام عن استكمال فصول الحلقة الأخيرة لإسقاط وتصفية النظام اليمني وصولا إلى التيار والمشروع الوحدوي، على الرغم من توفر المعطيات الظرفية لمثل هكذا سيناريو على المسرح السياسي- الأمني طوال هذه الفترة ومنذ 11-2-2011م على وجه الخصوص، بصورة لم يشهد لها مثيل من قبل. أو من تداعيات وآثار سلبية منظورة وغير منظورة في حال نجاحها من عدمه، نظرا لما كان سيترتب عليها من انفراط (كلي/ نسبي) لعقد البلاد؛ جراء قوة ردة الفعل المتوقعة، التي يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة في اتجاهين رئيسين متلازمين- على أقل تقدير- الأول تمثله مكونات التيار الوحدوي، من خلال بروز فوري لسيناريو الانتقام السريع والتصفية الجسدية للخصوم السياسيين من مكونات التيار الانفصالي، والتي يتوقع أن تكون قاصمة- استنادا- لطبيعة المقومات التي يمتلكها والمزايا التي توفرها الضربة الأولى، والاتجاه الثاني تمثله مكونات التيار الانفصالي الخمسة؛ من خلال الظهور الفعلي والتدريجي لكافة أشكال المشاريع المحلية المعدة مسبقا لتمزيق أواصر الوطن وكيانه القومي إلى أشلاء صغيرة متناثرة، وهنا يبرز تساؤل مهم هو بيت القصيد في مقالنا هذا؛ يتمحور حول ماهية الجهة المستفيدة سواء من تصفية الرئيس وأركان نظامه في هذا التوقيت تحديدا، التي كانت معظم أحداثة الرئيسة تسير في اتجاه إنهاء نسبي ومؤقت لإرهاصات الأزمة السياسية- الحزبية القاتمة السواد- وفقا- للمبادرة الخليجية ولغير صالح التيار الانفصالي، سيما بعد استعادة الرئيس والتيار الوحدوي لتوازنه النسبي في الساحة اليمنية عقب الانقلاب الجذري الحاصل في المعادلة الداخلية وكذا الخارجية لصالحه منذ 25-3-2011م؟ أو من تفشي حالات الفوضى العارمة وانفراط عقد البلاد ؟ من نافلة القول أن سيناريو استهداف الرؤساء وأركان أنظمتهم، قد أصبح محور ارتكاز رئيس في منظومة شبه متكاملة من التقنيات والآليات المتبعة إزاء المنطقة العربية وما يجاورها ضمن سياسة إزاحة أو إسقاط (كلي/جزئي) ومن ثم إعادة ترويض لهذا النظام أو ذاك منذ عقود ماضية بما يتماشى مع متطلبات المصلحة الأمريكية- الغربية في كل مرحلة، إلا أنها بلغت حد الذروة منذ مطلع العقد الأول من القرن الحالي في ضوء استمرار تنامي طبيعة ومستوى ومن ثم حجم حالات التغيير الحاصلة في نطاق حدود المنطقة، لدرجة أصبحت قدرة الفعل الأمريكي- الغربي- في هذا الشأن- تسير بكفاءة وتقنية عالية جدا ومن ثم بهدوء وانسيابية قل نظيرها، بحيث تتساقط الأنظمة ورموزها الوطنية كأوراق الأشجار دون وجود أية ردود أفعال تذكر، وهو الأمر الذي يدلل على تلك القدرة التي أصبح يتحلى بها الطرف الأمريكي- الغربي في هذا الشأن. فمنذ مطلع العقد الماضي تعرضت المنطقة لعواصف هائلة من التغييرات المتباينة التي استهدفت أجزاء محددة من المنطقة، تراوحت بين إسقاط كلي لنظام حكم طالبان الأفغاني والبعث العراقي في الأعوام 2001م و2003م، مضافا إلى دوره المحوري في استمرار حالات اللا استقرار واللا أمن في الساحة الصومالية والفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر، وبين استمرار تنامي عمليات التغيير الجذرية للعديد من الأنظمة من خلال إزاحة أو تصفية رموزها الوطنية فقط والحرص على تلك الأنظمة ومنع سقوطها خوفا من انفراط عقدة البلاد ورائها التي تعد خطوة باهظة الثمن ولا مجال للسير فيها، تمهيدا لتغييرها تدريجيا ضمن سلسلة من السيناريوهات المعدة بكفاءة وتقنية عالية، ابتداء سواء بتفعيل سيناريو التصفيات الجسدية بكل صورها ك(الاغتيال، الإعدام، التسمم، الموت ألسريري البطيء،...) التي تعرض العديد القيادات العليا في الدولة؛ ممثلة برؤساء الدول والوزارات أو بعض الرموز التاريخية لهذه الحركة أو تلك؛ (باستثناء قيادات النظام الوطني العراقي السابق التي تم تصفيتها قاطبة أو إصدار حكم المؤبد عليها من خلال محاكمات صورية كحالة وحيدة)؛ نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ( لوران كابيلا رئيس زائير السابق، ياسر عرفات رئيس فلسطين السابق، أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي... القيادة التاريخية لحركة حماس، رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق، بنازير بوتو رئيسة وزراء باكستان الأسبق، جون جرنج نائب الرئيس السوداني السابق، أسامة بن لادن الزعيم السابق للتنظيم العالمي للقاعدة، زين العابدين بن علي رئيس تونس السابق،....)، أو في محاولة التصفية الجسدية للبعض منهم ك(معمر ألقذافي زعيم ليبيا، علي عبدالله صالح رئيس اليمن،..) "هنا- أيضا- تتكرر محاولة تصفية الرئيس وأهم أركان حكمة مرة واحدة، ومرورا بالتدخل مباشرة وغير مباشرة في إزاحة البعض منهم من على سدة السلطة دون تصفيتهم، نذكر منهم ك(ولي العهد الأردني الحسن بن طلال، سيدي ولد الشيخ عبدالله رئيس موريتانيا السابق، لوران جباجبو رئيس ساحل العاج السابق، حسني مبارك رئيس مصر السابق،..)، وانتهاء بمحاولة إزاحة أو تصفيته بعض الرؤساء وأركان الحكم، تمهيدا لإزالة هذه الأنظمة واستبدالها بأنظمة جديدة تدين لها بالولاء الكامل؛ لكن من خلال تقنيات جديدة تقوم على إثارة الفوضى العارمة وتفجير ودعم أعمال العنف الحادة في بعض البلدان المختارة- مستخدمة في ذلك- فئات من الشعب في مواجهة الشعب ومؤسساته الدستورية؛ إلى جانب تقنيات أخرى كالتدخل المباشر وغير المباشر الإعلامي والمالي والسياسي والعسكري نذكر منها في الوقت الحالي (النظام الليبي سيما في ضوء "حادثة مقتل نجل الرئيس معمر ألقذافي وأحفاده في عملية استهداف الزعيم نفسه في مقر سكنه ببيت العزيزية"، النظام السوري)، مضافا إليه النظام اليمني كحالة خاصة).(#) ومن هذا المنطلق تتضح لنا أن سيناريو استهداف الرؤساء وقيادات الدولة ليست سوى تقنية متقدمة جدا تقوم عليها إستراتيجية المحور الأمريكي- الغربي في اتجاه فرض مضامين سياساتها المتبعة إزاء المنطقة على أكمل وجه، وهو الأمر الذي يؤشر بروز أهم الملامح الرئيسة حول تورط شبه كلي ومحوري لبعض دول المحور في سيناريو استهداف الرئيس على عبدالله صالح وأركان حكمه في جريمة جامع النهدين- وفقا- لذلك، سيما في ضوء ما تؤشره معظم الدلائل الأولية للتحقيقات الجنائية الجارية التي يشارك فريق أمريكي متخصص بهذا النوع من الجرائم؛ سواء أكان ذلك متعلقا بتفاصيل الجريمة من الناحية الشكلية، من حيث توقيت العملية ومداها المرسوم ودقة المعلومات ونوعية السلاح المستخدم وخصائصه، العنصر المنفذ، الأطراف المتورطة داخليا وخارجيا...، أو كان له علاقة بطبيعة المضمون الذي تتضح معالمه الرئيسة من خلال استنطاق ماهية الجهة المستفيدة من وراء عملية بهذا الحجم، بالاستناد على إعادة قراءة طبيعة خط سير مجريات الأحداث الرئيسة السابقة لها، وصولا إلى طبيعة إرهاصات يوم تنفيذ العملية نفسها، كي تتضح أبرز الخيوط عن ماهية الجهة المعنية بها. وعودا إلى بدء تجدر الإشارة إلى أن قرار هذه الجهة أو تلك باستخدام تقنية التصفية الجسدية في هذا التوقيت تحديدا، قد بني- وفقا- لمعطيات ظرفية دقيقة جاءت بناء على اختلال جوهري حاد لكفة الميزان لصالح الرئيس ومكونات التيار الوحدوي، سيما في ضوء بروز ومن ثم وضوح الموقف الدولي والإقليمي الرسمي لجانبه، على خلفية استعادة النظام لتوازنه النسبي، وبدء استعداداته في تهيئة المسرح ألعملياتي لفرض مفردات أجندته على الأرض-وفقا- لما أصبح يمتلكه من مقومات متعاظمة في اتجاه الإمساك بزمام الأمور، وخاصة تلك التي لها علاقة وثيقة بالتزاماته الدولية ذات الطابع الأمني، وهو الأمر الذي أشر بروز متغيرات جديدة وسريعة لن تقوى مكونات التيار الانفصالي على استيعابها ومواجهتها، بصورة أفضت إلى الانتقال إلى السيناريو البديل والوحيد الذي في حال نجاحه سيوقف تنامي قدرة الفعل الاستراتيجي للتيار الوحدوي نهائيا، وسينقل اللاعبين إلى مرحلة جديدة تختلف بكل مفرداتها عن المرحلة الحالية والتي تليها. باحث في العلاقات الدولية "كاتب ومحلل سياسي "الحدث اليمنية"