كل هذه الهجمة الشرسة على كل ما هو يمني لا يعني أن اليمن ستختفي من الخارطة، ولا يعني بحال من الأحوال أن اسقاط الدولة سينهي وجودها، ومن غير شك لن يقبلوا بغياب دولتهم ولا بتمزقها كما يأمل الحاقدون، وفي هذا الظرف الذي تمر به البلاد ندرك أنه مثلما فشلت الخطة الإيرانية (أ) والتي تقضي بسيطرة عصابتها على حكم اليمن كاملا، حيث سطرت المقاومة والجيش الوطني ملاحم بطولية في دحر النكف الطائفي المناطقي -والذي يقابل الحشد الشعبي في العراق- فتحررت المناطق الشرقية والجنوبية ومعظم أجزاء محافظة تعز فعليا تحت سيطرة الشرعية، وبقية مناطق اليمن منتظرة لساعة الصفر للخروج من عباءة إيران وعصابتها الحوثية، وكذلك ستفشل الخطة (ب) والتي تقضي بإعادة خارطة بريطانيا التي وضعتها في الثلاثينات من القرن الماضي والتي شطرت اليمن إلى شطرين شمالي وجنوبي، وفشل هذه الخطة واضح للعيان من خلال أداء الشرعية سياسيا، والجيش الوطني والمقاومة ميدانيا، والأهم من كل ما سبق ستفشل الخطة الإيرانية (ج) وهي تمزيق اليمن وتشظيه إلى كانتونات صغيرة متحاربة على الثروة والسلطة لأسباب مناطقية وثارات وعصبويات متناحرة. هذه الحرب مع كل فضاعتها إلا أنها أعادت القضية اليمنية إلى السطح، وأصبح "داعي اليمن" مرتفعا في كل قرية ومنطقة ومدينة وإقليم، حتى النخب المتهالكة على السلطة والمناصب عادت لتقول في بعض خطب الهرمين المنتسبين إليها أن "الدولة اليمنية هي الحل الأمثل"، ومن خرجوا في 2011 مطالبين بالدولة وازاحة "الرجل المريض" عن السلطة هم في الأصل قد ايقظوا بحركتهم تلك أو بحركاتهم في الأصح الذات اليمانية التي غُيبت قرونا طويلة، لأسباب يطول شرحها ونذكر منها: انخراط اليمنيين في صناعة الامبراطوريات والدول التي تلت العهدين النبوي والمدني، وتركت اليمن لقدرها ظنا أن العدو سيكون أبعد عن غزوها -لكنه تسرب إليها عبر الحيلة ووصل النقيلة الرسي في مطلع القرن الثالث الهجري الى صعدة-، بالإضافة إلى اعتبار اليمنيين الفتوحات في تلك العصور هي امتدادا لغزوات التبابعة، لكل تلك الأراضي التي فتحوها بسيوفهم، واعتبارهم ذلك مجرد إعادة انتشار في أراضي قد وطأتها حوافر خيولهم في السابق، مع الملك ناشر النعم وابنه شمريهرعش، بالإضافة إلى سكوتهم عن تمرير بعض النصوص التي لا علاقة لها بالدين الجديد، ولا بالفقه والتي خلطت بين الرسول والسلالة القبلية، ولخوفهم من "شق الصف" -وهذه الفكرة مازالت معششة في أذهانهم إلى اليوم-، ولظنهم -أو هكذا شبه لهم- أن الهوية الجديدة ومفهوم الأمة الجديد قد لا يتعارض مع مفهومهم لهوية الأمة اليمنية والشعب والتي وجدت في نقوشهم قبل آلاف السنين من ظهور الإسلام، بينما كانت الهويات التي أخذت من الإسلام ما تيسر لها -من الدولة الاموية الى الدولة العثمانية-، هي في الأساس هويات قبلية أسست دولا عائلية. هذه الحرب أيقظت الشعور القومي لدى "اليمنيون الجدد"، وبعثت الروح فيهم من جديد، تماما كما يفعل حرق الغابات من تجديد للتربة والزرع وجودة المنتج، هذا الانبعاث لا يخفى على أحد، لكن هناك من يريد أن يتعامى خوفا من الجديد القادم. كنا نقول في 2011 إن هذا الذي يحدث هو صراع أجيال طبيعي، لكن البعض فهمها بطريقته، وهي أن يتم تحويل السلطة من جزء من الجيل القديم إلى الجزء الآخر، وفي اعتقادي هذا هو ما أطال الصراع إلى يومنا هذا، بالإضافة إلى التدجين الممنهج الذي مورس ضد المكونات الثورية الجديدة في 2011 من قبل الأحزاب العتيقة، والتي لم تكن تملك شيئا تقدمه للناس سوى كرهها للمخلوع وتقاسمها للحصص، وهذه هي الكارثة التي عملت على تنميط الثورة، ونتيجة لخوف الشباب من المستقبل ومن المجهول سلموا أمرهم للمكونات القديمة، مع أنهم كانوا يمتلكون الأدوات اللازمة للتغير. وحدهم اتباع المشروع الإيراني كانوا يتربصون بالدولة للقضاء عليها وإعادة الإمام على ظهور "العكفة" تحت داعي القبيلة والمنطقة والمذهب، لكنهم لم يكونوا مدركين لا هم ولا إيران، ولا كل من دعمهم أنهم سيوقظون "اليمنيون الجدد "، وهم قطاع واسع من ثوار 2011 وفيهم بعض معارضي ثورة 11 فبراير، فعندما مست الهاشمية السياسية بانقلابها في 21 سبتمبر 2014 الذات اليمنية عاد الكثير من الناس لرشدهم، مدركين أن الانقلاب ضد اليمن، وليس ضد "سوق علي محسن" كما يدعي مزوري الثقافة من عيال الإماميين الجدد. أظهرت المقاومة، والتي تأسست في 2011 في تعزوماربوالجوف قدرة "اليمنيون الجدد" على مواجهة المشاريع الصغيرة، وصدت قطعان الهمج في تعز، وقطعان الهاشمية السياسية في الجوف وأطراف مارب، وانتكست هذه المقاومة في دماج وعمران، بسبب الحساسيات الحزبية الغبية، وللحسابات الإقليمية الضيقة، والتي اربكت المشهد وطعنت نفسها واعادت بعد اشهر حساباتها، ونتيجة لسقوط قرية دماج ومحافظة عمران سقطت صنعاء العاصمة واليمن عامة، لكن المقاومة التي أبداها الجدد في قيفة وخبزة، وتعز وعدن والضالع والجوفومارب وشبوة وميدي غيرت قواعد اللعبة، ولذا ظهرت محاولات أممية وتحت غطاء يدعي الإنسانية لتجريم المقاومة، وإيقاف انتصاراتها، كدليل قاطع على تواطؤ القوى الدولية في اسقاط الدولة اليمنية وتسليمها لإيران، لكن التحالف العربي يبدو أنه هو الآخر قد أدرك أهمية هذه المقاومة ميدانيا، بالإضافة إلى أن الشرعية منحت "اليمنيون الجدد" الغطاء السياسي والعسكري المطلوب. بينما تفكر قطعان الاماميين بهدم الدولة يفكر "اليمنيون الجدد" بإعادة بنائها. ويتوزع "اليمنيون الجدد" في مختلف الميادين اليوم، في الجبهات يحملون السلاح ، وفي ميدان السياسة يصارعون المكر الفارسي المدعوم دوليا، وفي مختلف وسائل الاعلام ينقشون الوعي في العقل اليمني، ويذودون عن الدولة والشرعية والمقاومة، ويتصدون لحملات الحياد المزعوم، يبشرون باليمن في الداخل والخارج، يحملون على اعناقهم هم استعادة وبناء الدولة، بدءا من الفكرة ونشرا للثقافة اليمنية وتوطيدا للهوية اليمنية الجامعة. ينقد "اليمنيون الجدد" أداء الحكومة والشرعية للتقييم والتقويم لا للهدم، على اعتبار أن عيش الرخاوة لا يصلح مع هذه المرحلة، ولا ينام الا من عمل فوق طاقته اضعافا مضاعفة، هم ينظرون إلى دعة الحكومة فيصيبهم الحزن ويتذكرون الزعيم السلال الذي كان يسهر لأداء العمل حتى ساعات متأخرة من الليل، وطول اليوم كان يبقى منهكا في العمل لتأسيس ورسم ملامح الجمهورية الفتية. يقال أن القائد الفرنسي نابليون بونابرت كان يبقى قلقا ولم يشعر بالرضى عن أدائه ولم يشعر بالاكتفاء وهو يحقق انتصاراته في إيطاليا عام 1796، وهو القائل : "أحيانا الموت يأتي فقط بسبب نقص الطاقة"، لقد كان نابليون يعمل في اليوم ما بين 18 – 20 ساعة، وتمر الأيام عليه وهو بدون نوم ، فمن يسعى إلى المجد لا ينام ولا يدع أحدا ينام، في هذا الإطار يأتي نقد الجدد لحكومتهم الشرعية، كما ينقدون الأحزاب المتعلقة بعفن الأيدلوجيا، ويدعونها كلها إلى النهوض "ويمننة" مناهجها الحزبية والثقافية ورواؤها التنظيمية، والسياسية، والخروج من وهم المثاليات والأحلام العريضة التي لا وقت ولا مكان ولا زمان لها الآن، وإلى الاقتراب من هموم وتطلعات الشعب. هذه الحرب كانت ومازالت الفرصة الأكبر لمعرفة الشعب اليمني لذاته ومراجعة أهدافه وألوياته ومعرفة عدوه التاريخي، المتمثل في الهاشمية السياسية، والتي انتجت الحوثي والانقلاب وامتطت العكفة واستخدمتهم لحرب الشعب. حتما ستنتهي هذه الحرب لصالح "اليمنون الجدد"، لكنها ليست المعركة الأخيرة، فمعارك تأسيس الدولة وإعادة بناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية وفقا لرؤى عصرية ستحتاج إلى الجهد المضاعف في البناء، وفي الفصل بين عمل هذه المؤسسات والتي ستشرف الدولة عليها جميعا، حتى لا يتكرر اختراق مؤسسات الدولة والمجتمع ويعود الأعداء من الباب الخلفي كما فعلوا في 1974 وفي 2011، وعلى امتداد التاريخ الطويل لأمتنا اليمنية.