شاهدته قبل عام في طابور طويل قبالة مكتب إغاثي، يتوارى خلف من يتقدمه ويحاول إخفاء ملامح الخجل والأسى البادية على وجهه، كي لا تلتقط عدسات الإعلام وجعه وكبريائه المنكسر. إنه "ماجد".. أحد المعلمين المعروفين في صنعاء، ومن كان يحظى بتقدير عال بين أقرانه، ويتفوق عليهم إنسانياً بتقديم المساعدات للآخرين، قبل أن تختلط حياته بالحرب، وينقطع راتبه ويسوء وضعه المعيشي بشكل لا يحتمل، في ظل انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة. التقيته بعدها مرات، وفي كل مرة ألقاه يكون شارد الذهن لا يفكر بغير تأمين معيشة أسرته وأطفاله، ولا يمل من السؤال والبحث عن فرصة عمل. ما يبعث على الأسى والقلق أن تلحظ في حديثه كم هو مفزوع من المستقبل المجهول، وكيف تتدفق أمام وجهه مشاهد الخوف من الجوع والحرب، ولحظات القهر والذل أثناء البحث عن لقمة العيش، ومواقف الانكسار أمام أطفاله الستة وأسرته، ووجع ساعات التردد القاسية في اتخاذ قرار بامتهان التسول من عدمه حين تُغلق جميع الأبواب في وجهه. لقد احترقت حياته ونفسه بنار الانقلاب الحوثي، كما احترقت مكانته كمعلم ناجح ومرموق، وحين توقف تسليم مرتبات المعلمين في سبتمبر 2016م غادر ماجد منزله للبحث عن عمل خارج المدرسة للمرة الأولى منذ 17 عاماً، لكنه طالما عاد خالي اليدين منكسراً إلى أطفاله ومنزله الذي قد يغادره مجبراً حال لم يدفع إيجاره المتراكم منذ شهور. ومنذ ذلك التاريخ، زمن إيقاف المرتبات، وما تبعها من انخفاض حاد في القيمة الشرائية للعملة اليمنية وارتفاع جنوني في الأسعار وكلفة الخدمات، وماجد يعيش وسط حرب أخرى، ويخوض معركة توفير لقمة العيش لأطفاله والمستلزمات الأساسية للحياة في حدها الأدنى. المؤلم فعلاً أنه ليس وحده، فهناك آلاف المعلمين مثله يعيشون حياة أشبه بالجحيم، وينتظرون لحظة الخلاص كما لو أنهم في انتظار أبدي.