وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    عصابة حوثية تعتدي على مواطن في إب بوحشية مفرطة    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاربون من الجحيم.. إلى الجحيم!
مواطنون ذاقوا الأمرين البقاء في بلد مُنهك على الدوام.. أو «الهروب إلى المجهول..» خياران أحلاهما مُر..
نشر في الجمهورية يوم 19 - 04 - 2012

منذ الأزل ونحن اليمنيين نجيد فن «الرحيل و الترحال» بلا توقف.. وما من مكان حل فيه الأجداد إلا وتركوا أثراً خالداً يحكي للأجيال المتلاحقة براعة ما صنعوا.. ظلت تلك الصفة لصيقة «بنا» كابراً عن كابر حتى وقتنا الراهن؛ لتأتي «الحدود المصطنعة والجدران الفاصلة» لتحُد منها.. «أنى لها ذلك؟» هذا ما تؤكده الأحداث والوقائع المتتابعة، فقد أثقلت الظروف القاهرة كاهل كثيرين، ورفع الجميع شعار «غُربة.. غُربة.. ولو تهريب»
ظُلم القلاع
أن تُهرب السلع من مكان لآخر بدواعي الخوف من الضرائب أو القوانين المعقدة أو لأي سبب آخر، شيء بديهي ومُعتاد وينتشر في كل بلدان الله، كما أن المتاجرة بأجساد بشرية «الرقيق» هو الآخر أقل حضوراً وينتشر في بعض البلدان؛ لكن أن يهرب الإنسان نفسه وبمحض إرادته فهذا «أمر عجيب!!» لا يحدث إلا في «اليمن»!.
- إنها بلادي المسحوقة.. حيث يزداد الغني غنى والفقير فقراً، وهكذا دواليك.. ففي الوقت الذي نرى فيه قصوراً واسعة وبروجاً شاهقة، وقلاعاً متكئة على قمم الجبال، تتعالى وتتسع مطامع أصحابها في سبيل الحصول على وادي الذهب الآخر، نجد في الجانب الثاني أصحاب الأكواخ البسطاء قد هدهم الفقر، ينكمشون وتختنق أمانيهم، وتتراجع أحلامهم، ف «من ينصف الأكواخ من ظُلم القلاع».
تراكمات..
كنتاج فعلي لهذا التباين المقيت وعدم تحقق الإنصاف المأمول، ولدت ظاهرة التهريب «الآدمي» وتكاثرت بتوسع مُلفت، وغدت فكراً وثقافة رائجة لجميع أعضاء هذه الفئة المسحوقة.. التي استضعفها التسلط ودفع بها الاستبداد قسراُ بعيداً عن الدار والأهل والوطن.. إنهم مواطنون ذاقوا الأمرين البقاء في بلد مُنهك على الدوام، أو الهروب إلى المجهول «خياران أحلاهما مُر..».
- حسب توصيف كثير من المُهتمين فإن هذه الظاهرة ما هي إلا مُحصلة لتراكمات نفسية واجتماعية واقتصادية خلفتها أوضاعنا المتدهورة.. وأن ذات المعاناة مازالت تتجسد بين ألاف مؤلفة من أبناء جلدتنا، أدركوا أن كل شيء في هذا الوطن في ارتفاع إلا قيمة المواطن، فاستجاروا بالرمضاء من النار، وفضلوا بذلك العيش في وضع «لا قانوني» مطارد وراء الحدود، على العودة إلى وضع «لا إنساني» لا يطاق في أرض الجدود.. {لا تنسوا.. أن هذه الأرض.. لن تنفصل عنكم مهما هربتم.. إنها جزء منكم تطاردكم.. ولا تستطيعون منها فكاكا.. أنتم يمنيون.. في كل أرض.. وتحت كل سماء..}.
ليالي الطوال
تشترك السعودية في حدودها مع اليمن بنحو «1470» كيلومترا، وخلافاً لعلامات الترسيم الحدودية التي قامت إثر اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، هناك حدود قبلية تمتد ما بعد علامات الترسيم داخل أراضي الدولتين، وهناك أكثر من منفذ حدودي منتعش على مدار العام.
- من بين كل ذلك، يبقى منفذ «الطوال» هو الأشهر على الإطلاق.. ك «بوابة رئيسية» تحتشد إليها قلوب كل العاطلين، فمن خلاله يحاول هؤلاء التعساء التوغل في الأراضي السعودية، مُستغلين التضاريس الجبلية الوعرة، والقرى الحدودية المتداخلة، والليالي الأشد قسوة، يعبرون بعد أن يدفع كل واحد منهم «200» ريال يمني لعساكر النقطة «اليمنية» مقابل السماح بالعبور إلى «الزبير» - وهو خط رملي مرتفع حوالي «30» متراً ويعتبر آخر نقطة في الأراضي اليمنية- كما يُعد منفذ «الطوال» محطة فاصلة لانطفاء أحلام الغربة والمستقبل المنشود.. ف «تسفير» غالبية المتسللين يتم أيضاً من خلاله.
ترحيل يومي
تُفيد تقارير أمنية يمنية عن تسلل أكثر من «600,000» مواطن يمني تقريبا خلال العام الواحد.. وبالمقابل تُرحل السلطات السعودية عبر منفذ «الطوال» الأنف الذكر وبشكل يومي ما بين «1500 2500»، ويزداد العدد ليصل يومي الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع إلى «2500 4000»، وخلال العام الهجري الفائت مثلاً تم ترحيل نحو «180,000» شخص من ذات المنفذ، وكانت إحصائية شاملة لسلاح الحدود السعودي أكدت ضبط نحو «300,000» متسلل خلال نفس العام جلهم من الجنسيات اليمنية والأفريقية.
- وقال متحدث باسم قوات حرس الحدود السعودية إن القوات اعتقلت أكثر من «19,145» متسلل خلال شهر يونيو 2011م، وهو ما يقارب ضعف العدد الذى اعتقل في الشهر الذي سبقه، وهو الأمر الذي يؤكد أن أحداث «الثورة الأخيرة» التي شهدتها بلادنا ساهمت برفع وتيرة عمليات التسلل تلك.. خاصة وأن تلك الأحداث لازمها انهيار حاد للاقتصاد الهش، وتفكك فضيع للمنظومة الأمنية المخترقة.. والتي لا زالت معالمها - وإن بصورة أقل- قائمة حتى اللحظة.. وعلى النقيض من ذلك أفاد مصدر أمني آخر أن الاجراءات الاحترازية التي يقومون بها ساهمت في خفض نسبة المتسللين إلى 75%.
فتاوى رخيصة
صورة اليمني في الصحافة السعودية تُختزل بذلك المُتسلل مجهول الهوية، والخطر الداهم المُراد كبح جماحه؛ وتُحشر قضاياه بسطور مُستفزة و«مانشتات» باهتة.. لتأتي التفاصيل بقصص بعيدة عن الواقع لممارسات وسلوكيات مُخلة بالأمن العام، مثل السرقة والقتل وتشكيل عصابات، وغير ذلك كثير.. بل وصل الأمر عند تجار الفتاوى الدينية أن تجرأ أحدهم على الله ومبادئ الإنسانية المُثلى، وأفتى بجواز قتل المُتسللين على الحدود، ولا ندري من أي شريعة استنبط ما يرجح فتواه!
- وأمام هذه الفتوى أجدني مُلزماً بالعودة إلى «صحاح السنة» التي يؤمن بها هذا المفتي أكثر من القرآن نفسه، فحدود اليمن التاريخية حددها ووضع علاماتها رسول الله «ص» قبل أكثر من «14» قرناً، حدث حينها خلاف بين قبيلة «ثقيف» الحجازية و«مُراد» اليمنية، لم يُنكر الرسول مِلكية مراد للطائف, لكنه وجد ثقيف مُقيمة بها بعد أن تزحزحت عنها مراد فحكم بها للأولى وما دونها للأخيرة، مرسيا سياسة الأمر الواقع، ومهد لذلك بحديث طويل أشار فيه أن نعيم الدنيا أقل وأصغر من خربصيصة, حتى قال: «فمن أدركه الإسلام وفي يده خراب أو عمران فهو له».
الأجنبي أرحم
وأنا من خلال هذا الاستدلال لا أود تَعكير صفو الاتفاقيات الأخيرة المُلزمة، ولكني أحبذ إحياء اتفاقيات سابقة غُيبت بعد طمرها نخاسوا الأرض وباعة الأوطان، ف «اتفاقية الطائف» المغيبة فيها تركيز على الجوانب الإنسانية أكثر، وهناك ما يشبهها على الأرض تطبيقاً، فالمكسيكيون جيران أمريكا - مثلاً- لهم الحق بالعمل في هذه الأخيرة قبل أي جنسية أخرى لسبب وحيد فقط هو «الجيرة»، ونتمنى من هؤلاء أن يحثوا على مثل ذلك، بدلاً من التوهان في فتاوى جانبية تصور الإسلام دين الأخوة والتسامح، بأنه دين غير أممي لا يحض على مكارم الأخلاق.
- كما أذكر هؤلاء أن بلادهم العربية السعودية كانت قد اتفقت خلال الفترة الماضية مع شركة ألمانية تسمى «إيدس» على إقامة كاميرات مراقبة و أجهزة مراقبة على امتداد الحدود اليمنية، إلا أن تلك الشركة انسحبت من هذا المشروع لأسباب إنسانية بحتة، منها أن بلادي اليمن تُعاني البطالة المقنعة ودخل الفرد اليمني منخفض جداً إذا ما قورن بدول الجوار، إضافة إلى تدفق المهاجرين الصوماليين على اليمن بأعداد كبيرة.. كما أن جنود باكستانيين رفضوا الخدمة في ذلك «الخط الساخن» بحجة أن الاتفاقية التي أتت بهم تقضي بأن لا يقتل أحدهم مُسلماً..
جدار فاصل
ذاك التصرف الإنساني لتلك الشركة الألمانية لم يثني السلطات السعودية عن الاستمرار بذاك المشروع العملاق الذي سيكلفها قطعاً مليارات كثيرة، بل طالعتنا صحيفة الحياة اللندنية أن «المملكة تنفذ أكبر مشروع لها على حدودها مع اليمن» مُستعينة - أي المملكة- بخبراء عالميين ودراسات ومعدات متقدمة من أجل القضاء نهائياً على ظاهرة التهريب وتسلل اليمنيين إلى أراضيها.
- ويتضمن ذاك المشروع عمل سياج أو جدار حدودي فاصل بين اليمن والسعودية، وهنا تحضرني عبارة «لسنا يهوداً..» الشهيرة.. التي قالها الرئيس السابق علي عبد الله صالح قبل أكثر من عامين، في مجمل رده على بدء «الجارة الكبرى» في تنفيذ ذاك السياج، وكان الأولى أن يقول «لسنا فلسطينيين..» كوننا الضحية..؟!!، «المُهم» لم يغير ذاك التصريح في الأمر شيء؛ خاصة وأن العمل حينها في نفس المشروع كان قائماً وعلى أوجه؛ والأكثر غرابة أن ذلك السياج وتلك المشاريع الحدودية أمرها معروف سلفاً، وفقاً لاتفاقية الحدود التي وقعها الصالح نفسه في العام 2000م..؟!!، وما ينبغي أن ندركه أن النظام البائد عمل على إذلالنا طول الوقت في «الداخل والخارج»، وحولنا ك «يمنيين» إلى سلعة مبتذلة يمقتها الجميع..
حلول بديلة
أمام هذه المفارقات العجيبة، ثمة ما يدعو للأمل واستشراف المستقبل الأفضل، وهناك من يعترض ويدعوا من داخل المملكة نفسها إلى إيجاد حلول بديلة تتفق ومبادئ الدين الحنيف، وتوقف تلك المهازل «المادي منها والمعنوي»، ومن ضمن الحلول المقترحة: استغلال تلك الأموال التي ستصرف هدراً في عزل أبناء الجزيرة العربية عن بعضهم.. في إنشاء وبناء مشاريع مُشتركة على الحدود، لأن هذا الحل الإيجابي سيحد من ظاهرة تسلل المواطنين، فالبحث عن لقمة العيش خلف المجهول سبب سيزول ويتبدد بمجرد البدء بهذه الخطوة الجبارة، وسيجد هؤلاء الهاربون مبتغاهم وضالتهم المنشودة بأمان، وسيتوقفون عن المخاطرة بأرواحهم وإلى الأبد.
- وبالمقابل هناك اقتراح يمني هذه المرة يحث النظام التوافقي الجديد والحكومة الجديدة على العمل الجاد في استعادة قيمة المواطن اليمني كإنسان، وإلا فعلى وزارة الخارجية أن تبادر بإغلاق السفارات اليمنية حول العالم ودول الجوار بالذات؛ لأن وجودها مثل عدمها، وان تكلف لأجل ذلك أي سفارة لدولة أخرى، على اعتبار أن هذه الخطوة ستوفر للدولة مبالغ كبيرة، وفي نفس الوقت سيجد المواطن اليمني احتراما وتكريما أفضل مما نحن فيه الآن..!!.
أكثر من «6000» مواطن يمني قابع فيها.. ينتظرون الترحيل إلى اليمن أو إلى الآخرة..
سجون مُوحشة..!!
بتزايد تدفق الآلاف صوب الحدود.. تتفاقم مشاهد ترحيلهم وتتعاظم صور معاناتهم فيما يشبه الكارثة.. يُرحل بعضهم مرات ومرات.. رغم السجون والمرارة.. يحملون «صخرة سيزيف» فوق أعتاقهم المُجهدة.. ويصرون على تكرار المحاولة أكثر من مرة.. فمشاهد «الترحيل» واقع مُر قد تعايشوا معه وألفوه..
- فضل عباس اقتادونا من الشارع وعجزت توسلاتنا عن إيقاف سيول جارفة من «لطم ودكم وشتائم أيضا..»
- تلك الانتهاكات.. لم تكن بتلك الصورة من قبل، حيث كان يكتفى «بتسفير» من يلقى القبض عليه فوراً.
ساري الليل
عبدالله المروعي مواطن يمن عنيد في عقده الخامس.. لو علمت به موسوعة «غينس» لدخل سجلها الحافل بالأرقام القياسية، فقد تجاوز عدد عمليات «تزفيرة» أكثر من «150» مرة.. هو حتى اللحظة لا يكل ولا يمل من تكرار محاولات الرحيل إلى المجهول.. مدينة حرض عنده ليست أكثر من «محطة ترانزيت» لا يتجاوزها عائداً إلا فيما ندر.. {الناس يا صديقي هم ناس بلادي.. بدون تفكير بدون أمل في المستقبل.. بدون شيء.. يأكلون القات.. مرتاحون ولا حديث لهم إلا عن «فلان».. وعن «فلانة».. أحاديث تصيبني بالغثيان كلما أستمع إليها.. فأهرب من الناس.. ومن نفسي..}.
- من حرض «يرسل زلط للجهال..» وفيها «يخزن القات..» ثم يدلف متجهاً مرة أخرى صوب الحدود.. يعمل «أسطى بناء» في قرى وضواحي «صبيا» - السعودية الحدودية، يعيش فيها المروعي منذ أكثر من «15» عاماً بدون إقامة، كواحد من شريحة «المجهولين» الواسعة.. يعرفه الجميع هناك ويحترمونه.. ويلقبونه ب «ساري الليل»..
بصمة..
لجأت السلطات السعودية إلى تنفيذ عدد من الاحترازات الأمنية ك «الكاميرات الحرارية، وانتشار الدوريات الأمنية بكثافة» وكذلك تطبيق «نظام البصمة» على كل من ألقي القبض عليه قبل إعادته وهنا يروي فضل عباس بأسى باذخ - وهو «مُرحل» مُستجد- تفاصيل عذابات ومرارة عاشها وآخرين.. اقتادوهم من الشارع، عجزت توسلاتهم وصراخهم عن إيقاف سيول جارفة من «لطم ودكم ودلهفة ..»، وفي سجون ما قبل الترحيل أجبروا على النوم بلا أكل وفوق البلاط بلا بطانيات؛ ولأن «فضل» لم يتكرر اسمه في كشوفات «المرحلين» سابقاً حُبس «15» يوماً فقط، أما من تكرر اسمه بفعل البصمة فمصيره السجن سنوات، ومؤخراً كشفت وثائق وتصريحات دبلوماسية رفيعة عن وجود أكثر من «6000» مواطن يمني قابعين في تلك السجون، غالبيتهم من أولئك المتسللين «مجهولي الهوية».. ينتظرون بشغف الترحيل إلى اليمن أو إلى الآخرة!!.
حمامات دم
هناك شكاوى كثيرة ل «مُرحلين» أفادوا أن عساكر يعتقلونهم ويضعونهم في حمامات، ويمنع عنهم الطعام والماء في ظروف الحرارة الشديدة، وسجناء آخرون قضوا نحبهم غرقا بسيول أمطار جدة في إحدى سجونها القابعة تحت الأرض، كما سجلت خلال العام قبل الماضي «4» حالات وفاة في تلك السجون، «3» منها كانت بسبب الازدحام الشديد، وحالة قتل واحدة نتيجة شجار، وقال أحدهم أنه تعرض للضرب المبرح وأن الجنود أمعنوا في امتهانه بخلط كيس تبغ مطحون «شمة» بقنينة ماء وأرغموه على شربها، وكشف آخرون قضوا أشهرا في سجون «عسير ونجران وجدة» أن الأمر أشبه ب «الكارثة»، ومن يعترض ويتأوه من تلك الاجراءات يعذب بالكهرباء.. وما يجدر ذكره حسب «مُرحلين» سابقين أن تلك الانتهاكات لم تكن بتلك الصورة من قبل، حيث كان يكتفى «بتسفير» من يلقى القبض عليه فوراً.
- كما سبق لمنظمة الدفاع عن المغتربين اليمنيين «عهد» أن استنكرت تلك الممارسات التي تطال المغتربين اليمنيين بصورة عامة، وتطال أولئك المخالفين لقوانين الهجرة - «المتسللين» حسب التوصيف السعودي- بصورة خاصة، فهؤلاء يتعرضون للسجن والقتل في سجون خالية من كل مقومات الإنسانية، وثمة وثائق تحصلت عليها ذات المنظمة تؤكد مدى العنف وعملية التعذيب التي يواجهونها، والتي وصلت الى حد الرمي بالرصاص قبل الإنذار، والدهس بعجلات السيارات بين حدود البلدين الجارين.
لحم رخيص..!!
لو فتشنا في قصص اليمنيين وأحوالهم وراء الحدود فسيصرخ بنا الألم حد البكاء.. ما إن يوفق أحدهم في الحصول على عمل حتى يتجرع أقسى صنوف العذاب.. بل يصل بهم الأمر إلى التنازل عن كرامتهم - أحياناً- رغماً عنهم؛ لأنهم يدركون أن العودة إلى الوطن خالي الوفاض أشد قسوة..
صحابي مُزيف
وهناك.. يلجأ بعض مرضى النفوس من مقاولين وأرباب أعمال إلى استغلالهم ك «عمالة رخيصة» يجنوا من خلالهم الملايين؛ والأسوأ من ذلك قيام الأكثر منهم.. بالتبليغ عن مكان تجمعهم أو مكان مبيتهم بمجرد الانتهاء من العمل حتى يعفو من دفع أجورهم الزهيدة أصلاً.
- ماجد المحيا أحد هؤلاء «المودفين».. عمل عند مقاول «مُطوع» ذو لحية طويلة، وسجدة عريضة، وساقان سافرتان تذهبان باستمرار تجاه المسجد المجاور؛ «واحداً من الصحابة..» هكذا كان يحسبه ماجد، لم يستلم قرشاً واحداً نظير عمله المرهق جداً، فقد أوهمه ذاك الصحابي المُزيف أن كل ريال له سيتضاعف.. فماجد وزملائه - حسب تطميناته- شركاء وليسوا عمال.. لم يكد يحول الحول حتى أطل عساكر الجوزات على مكان مبيتهم في إحدى ضواحي «جدة»، وأثناء التحقيقات ذكروا اسم ذاك المقاول، وحين حضر أنكر معرفتهم بتاتاً..
تشليح
حامد.. تهامي أسمر نحيل مقصوف العمر، ثلاث سنوات قضاها بإحدى القرى السعودية كراعي أغنام متمرس لم يتقن حتى رعاية نفسه، بادر ببيع إحدى كليتيه ل «عمه» مقابل «11,000» قبضها والده الأكثر طمعاً.. وبعد خروج «حامد» من المستشفى تقيح جرح العملية فأعطاه «عمه» القروي بودرة البنسلين التي أدت إلى التهاب الجرح وتورم الجسم بالكامل، فقد كان مصاباً بحساسية في الدم، ولذلك توفى على الفور.. وعمره لم يتجاوز أل «16» عاماً، دفن هناك في نفس القرية.... وكانت ديته «سيارة بالبيس» لم يفرح بها الأب كثيراً فقد انقلبت واحترقت حد التفحم.. فيما شقيقه ناصر - الأصغر منه- خلفه في ذات المهنة ونتمنى ألا يخلفه في ذات الانتكاسة.. {ذلك شيء لا تستطيع أن تقرره يا عزيزي، في أعماق كل واحد منا شيء اسمه الحنين، إننا نهرب ونغيب ونلعن كل ما هو حولنا لكن الحنين يتغلب في النهاية، ستعود يوما ما، لا أدري متى..}
- وإذا كان حامد قد أخذت منه كليته بمحض ارادته فهذا «حسن الطويل» من تهامة أيضاً أخذه البعض لغرض العمل.. ليعود بعد شهر إلى زملائه وقد شقت بطنه.. ليكتشف بعد ذاك أنه بلا كليه..
حماية قانونية
لعل توقيع وزارة شؤون المغتربين وشركة الدرعان للمحاماة والاستشارات القانونية في السعودية بداية الشهر الحالي لاتفاقية «حماية حقوق العامل اليمني..» بادرة خير لوقف سعير تلك الحرب، خاصة وأن هؤلاء العمال تنتهك حقوقهم طول الوقت، وذات الاتفاقية تمكنهم من تفادي أي منغصات تعكر علاقتهم التعاقدية والقانونية مع الكفلاء وأرباب العمل.. لا أحبذ الخوض في التفاصيل الايجابية لذات الاتفاقية؛ لأن ما يهمنا أكثر تطبيق بنودها على الأرض، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ألا يستحق أولئك الضحايا «مجهولو الهوية» التفاتة مشابهة، أم أنهم سيظلون خارج نطاق تغطية التعاملات المثلى للشريعة والقانون؟!.
ليته لم يعد..!!
أوجاع مُتتالية تنهال على عقل اليمني فتصيبه ب «الانفجار».. كثيرون استغنوا عن عقولهم فجأة، وفروا بكل سهولة إلى واقع بائس لا يطاق.. مع شمس كل يوم ينضم إليهم زائر مستديم شعاره «جنان يخارجك ولا عقل يحنبك»، صحيح أن الأسباب تتعدد ولا يمكن حشرها في هذه التناولة، إلا أن محور قضيتنا سبب بارز لا يمكن غض الطرف عنه، خاصة وأن ثمة شواهد حية قابلتني لم أستطع تجاهلها..
هدية..
محمد قناف، تعرفت عليه قبل سنوات أثناء تأديتي خدمة التدريس الإلزامية في مديرية «حرف سفيان -عمران».. شاب مغامر استهوته حياة التنقل عبر الحدود، في آخر مرة لذهابه ودعني وداعاً حاراً، أيقنت حينها أني لن أراه مرة أخرى، وبعد إجازة العيد عدت وعاد.. خيل لي حين رأيته أن بانتظاري هدية قيمه؛ فكانت شتماً وتجريحاً!!، محمد عاد بلا عقل.. بل أن أهله وذويه ولشدة ما لحق بهم من «مؤاذاة» تمنوا بحرقه «ليته ما رجع..».
- مجنون آخر في مدينة تعز، يرتدي ملابس مهترئة، ممزقة الجوانب، جعلته شبه عاري، تراكمت الأوساخ عليه حيث صعب تحديد لون بشرته، ذو قامة هزيلة، وشعر متجعد مصبوغ بالأوحال، من ملامحه يبدو أنه في الخمسينيات من عمره، يعمل بصمت وروية في نبش براميل القمامة ليقتات منها.. لا أحد يعلم له اسماً، ولا شيء من تفاصيل ماضيه، سوى معلومات شاردة تلوكها الألسن بمنطقة «الجملة» بأنه عاد من خلف الحدود بهذه الحالة، وثمة دليل مادي يؤكد ما قيل، فالثوب المهترئ والممزق الذي يرتديه والذي لم يعد أبيض.
خراب بيوت
أحمد سعيد، تفاصيل ولوجه دنيا الجنون ليست مبهمة كما صاحبينا السابقين، لأنها حدثت «هنا» وليس «هناك».. يقضي جل أوقاته متنقلاً بين أزقة وشوارع الحالمة تعز، متلفظاً بعبارات كثيرة لا يفهم منها إلا القليل، ومن هذا القليل: «خراب بيوت»، «وقافلة عاد المراحل طوال»، «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين»، «هل هذا من عمل المسلمين»، ولأن النظرة المادية متعمقة فيه يفرح فرحاً شديداً بمجرد أن يُعطيه أحد مبلغاً من المال.
- كل ما سبق.. أسباب اجتمعت لتدفع فضولي لمعرفة المزيد عن حياة ذلك المسكين، كان ضمن المُغتربين المنفيين إلى بلدهم، فاستقبله اليمن ليس كما قيل بالأحضان ولكن بالأحزان؛ «المُهم» لم يستطع بسيارته التي عاد بها أن يؤمن مُتطلبات أسرته، هجرها حتى سرقت قطعة قطعة، وترك أولاده الثمانية وأمهم وأمه في قريته الواقعة ضمن مديرية «شرعب السلام» ليعيشوا بما يجود به أهالي المنطقة عليهم.
يَمُوتُون غُرباء!
في العام 1921م كانت قافلة حج يمنية قدرت ب«3000» رجل تمضي الهوينا في أحراش وادي «تنومه» الحدودي، مُيممة خطاها صوب بيت الله الحرام، بادرت القوات بإطلاق النار وقتلت الجميع.. لم ينج منها سوى «5» حجاج كانوا المصدر الناقل لهول الفاجعة، فيما جاءت تبريرات الطرف المعتدي أنهم ظنوا الحشد جنوداً مقاتلين تابعين «للشريف حسين» متنكرين بلباس الحجيج، خاصة وأن الصراع حينها كان على أوجه بين هذا الأخير و«آل سعود».
شعب مغلوب
عُقود مضت بعد ذاك الوجع الأبيض المُغمس بالدم، وذات الحدود أشد التهاباً في دوامة «صراع بالوكالة» أجدنا نحن اليمنيون التعايش «معه ومنه» باقتدار لافت وتعصب فج دوناً عن عباد الله، ولم يكن في ذات الصراع غالب ولا مغلوب سوانا.. ليبرز إلى السطح وفي الآونة الأخيرة وخلال ال «22» عاماً الفائتة صراع مختلف اسمه «لقمة العيش».. وهو صراع مُقلق وأشد ضراوة ولا يمكن أن يفصل فيه لا مجلس الأمن ولا أي مبادرات أمميه أو إسلامية.. والشعب اليمني في كل الأحول مغلوب مغلوب.. ولا ناصر له إلا الله أو ظهور المسيح المُخلص.
- إذاً هي لعنة القتل «بدم بارد» لم تنتهي بعد ومازالت تتكرر.. تتمدد عبر خارطة الأشقاء عريضة الخط مبهمة النوايا، وما استرجاع واقعة الحجيج إلا كمدخل حزين لأحداث جسام توالت.. الموت فيها «فرادي» وبالتقسيط، إلا أنها باعتقادي أشد قسوة خاصة وثمة من يصرح أن بعض وقائعها مُبيتة النوايا.. والله في الأول والأخير هو الأعلم..؟!.
الصدفة
واقعنا الجديد حافل بحكايات شتى لوجع لا ينفك.. تُدمي الفؤاد، وتحرق صفاء الوجه، وتسكن كغُصة ثقيلة في غياهب الذاكرة، غُصت في أعماق تفاصيلها الخفية، الملغومة بمحاذير عديدة، هالتني أفزعتني.. جعلتني أبكي حد الجنون، وأتمنى على الله لو لم يكن خلق هذا الشعب الموبوء بالظلم والاستكانة.. كانت كل قارات العالم محط رحال ومهوى أفئدة.. تنقاد إليها خطاهم بلا توقف، وتستقبلهم بلا عراقيل ككائن أدمي مُرحب به، اليوم كل شيء من حولنا يدعو لليأس والقنوط، ويدعو للتأمل وأخذ العبرة والعبرات.. حتى أقرب الناس «ملونا..؟!».
- وفي السياق تفاصيل تدعو للأسى على شعب شتتته الحاجة في كل مكان؛ استسهلوا الصعب، واجتازوا طُرق محفوفة بالمخاطر، وملغومة ب «رصاص وأسلاك شائكة وحرس حدود وأفاعي وذئاب..»، يستريحون في النهار ويتخذون من جنح الظلام ساترا للوصول إلى مبتغاهم، والصدفة هي الفيصل في النجاة من كل ذلك.. الرحلة لم تعد «شتاء أوصيف» بل صارت في كل الفصول.. ومسكونة «بالجوع والخوف».. وكأنه قدرنا «فمزقناهم كل ممزق».. والسؤال الذي يفرض نفسه «هل مازلنا كافرين بما أنعم الله علينا»..
لحظة البوح
اليوم صار اليمني ضيف ثقيل غير مرحب به، ينتقل من «منفى إلى منفى» بحسب توصيف عبد الله البردوني شاعر اليمن المغمور الذي لخص جل المشكلة ببيت شعري شهير «يمانيون في المنفى.. ومنفيون في اليمنِ..» إلى أن قال «بلادي في ديار الغير.. أو في دارها لهفى، وحتى في أراضيها.. تقاسي غربة المنفى، وعن و عد ربيعيّ.. وراء عيونها أغفى».."نحن اليمانيين مكتوب علينا أن نهاجر ونهاجر.. بلادنا ليست لنا، هذه حقيقة تاريخية.. إن لعنة «ذويزن» تطاردنا وستظل تطاردنا.. نحن غزاة غيرنا، سيوف غيرنا، بناة بلاد أخرى، هذه الجبال اللعينة عليها أن تسحق أن تذوب لأنها لا تحمي إلا من يماثلها في الكآبة والفراغ، جرداء هي وجبالها وجرداء هي عقولها وعواطفنا.. ماذا نستطيع أن نعمل؟؟ طاحونة هائلة تبتلع وتبتلع لا أمل سوى أن نذهب بعيداً، لعلنا هناك نستطيع أن نعمل.."
- التفاصيل التالية امتداد لهذا الوجع العصري.. «هي» ليست من نسج الخيال.. بل واقع مؤلم عاشه هؤلاء.. لسنوات وأنا أتقصى وأبحث.. ما إن تتوارد إلى مسامعي حكاية ما.. تستحضرها الذاكرة الشعبية وتلوكها الألسن.. حتى أدونها في مذكرتي كمشروع صحفي مؤجل، ارتئيت إعداده بتمهل حتى اقتناص اللحظة الأم للبوح بكل «الحكاية».
نداء البعيد
لم تعد تجدي توسلات «ارجع لحولك..» ولا أماني «..وعد اللقاء حان، اليمن تنتظركم ياحبايب بالاحضان».. فقد حل محلهما «باعدوا من طريقنا» و«مهلنيش بين الهنأ والافراح».. ويحسب للعبسيان «أيوب طارش ومحمد عبد الولي» براعة حفر أوجاع الاغتراب في تراثنا الفني والأدبي، وتطبيب ذات الجرح النازف بالكثير من الابداع.. وإن كان الأول غني عن التعريف فإن الأخير ذو السيرة الموجعة معني بالتعريف خاصة وان نشر هذا الملف يأتي تزامناً مع ذكرى رحيله الغامض منذ أربعين عاماً.
- مثل الأديب محمد عبد الولي - صاحب «يموتون غرباء، صنعاء مدينة مفتوحة، الأرض يا سلمى، شيء اسمه الحنين، عمنا صالح»- نقطة أولى وفارقة في تصوير مألات الغربة وقساوة الاغتراب، استحضر بروائعه الروائية والقصصية المغلفة بالحنين وقائع قاسية تتشابه وكل ما ذكرناه.. مع فارق أنه لم يرد من القراء أن يتعاطفوا مع أبطاله الذين تتقاطع أنفاسهم وأرواحهم مع واقعهم الكئيب, بل وتدخل في تناقضات رهيبة للخلاص منه.. بل أراد منهم - أقصد القراء- المشاركة في الحدث وأن يتحولوا إلى عمليين بما يشبه الدعوة إلى «الثورة».. وأنا من خلال هذا الملف الصحفي الحافل بقصص حقيقية - والعهدة على الرواة طبعاً- أحاول سبر ذات الاشكال بصورة تنسجم وظروفنا الأشد قسوة.. وتخليداً لذكرى الرجل ستجدون في حنايا الملف مقتطفات من روائعه الأدبية حشرتها بعناية بين السطور والحكايا بما يتفق والسياق العام.. ومؤطرة ما بين قوسين.
وقنابل أيضاً..
- حميد عبد الرحمن سفيان ذو أل«40» ربيعاً.. مع بداية الأسبوع الأول من فبراير الفائت غادر «شرعب السلام» مسقط رأسه، بيد أن القدر لم يُمهله.. لتغادر روحه المُجهدة الحياة برمتها في منتصف ذات الشهر، هناك خلف الحدود.. «أيام وليال» معدودة تفاصيلها ما تزال غائبة.. قد تكون صورة مُكررة لما سبق ذكره.. وقد تكون أشد قسوة.. ربما طُمست وقائعها بمجرد «الرحيل» أو «الترحيل».. «مُتسلل - مجهول الهوية- يُفجر نفسه بقنبلة يدوية على حدود جازان» هكذا جاء خبر «حميد» في صحيفة «المدينة» السعودية - يوم الثلاثاء «14/2/2012م»- مذيلاً بصور قاسية لجسد نحيل.. ممتد على الأرض خانع يعلن الاستسلام.. البطن بقرت وتناثرت الأشلاء وحولها أقدام عسكرية عريضة.. فيما معالم وجهه الأسمر تبدو بوضوح.. وحدها «الصورة» من عرفت ذويه بفاجعة مصابهم.. لكن بعد أسبوعين من «الواقعة»، وحسب أهله وذويه فقد كانوا تواقين لتلمس أي شي من أخباره.. حتى جاءهم اتصال من قريب لهم يدرس في «ماليزيا» يعزيهم بفقدان «...».
- مرت حياة «حميد» الماضية بمسارات مُتعرجة ذات طابع كابوسي، يعول زوجة شبه «صماء» وخمسة أبناء، واحد منهم مُصاب بورم خبيث في «القضيب»، والبقية مُتخلفون عقلياً، بل إن أوسطهم شرب سُماً ومات.. كان يأمل في «مولودته» الوحيدة التي خرجت إلى الدنيا للتو أن تكون مُختلفة.. فلم تكن كذلك؛ يدرس «الانجليزي» في مدرسة القرية.. فيما راتبه الزهيد لا يفي بمتطلبات حياته المثقلة ب «الجنون والديون» خاصة بعد أن توقف دعم صندوق الرعاية الاجتماعية «الدوائي» لبنيه رغم متابعته وتوسلاته المستمرة.. ومما زاد الطين بله مقتل ابن أخته نهاية العام الفائت ب «وادي القاضي» في حادث غامض «ولا غريم..».
- حشد من انتكاسات مؤلمة توالت على «عقل وجيب» حميد سببت له أزمة عصبية حادة.. عُرض على طبيب نفساني فأكد سلامته؛ وفي النهاية أعلن تمرده الكبير على الحياة وملماتها، وقرر الهروب إلى المجهول.. "ولكن كل هذا ليس مبرراً لليأس، أن تفشل مرة أو مرتين أو عشراً لا يعني أن تتخلى.. أن تهرب..".. يقول «محمد» وهو- موجه تربوي- وواحد من ستة أشقاء آخرين ل «حميد» إن أخاه ذكي ولماح ولا يمكن أن ينتحر بتلك الطريقة، وأن الانفجار لو كان حقاً ب «قنبلة» لما استثنى الوجه وباقي الجسد، وطلب في نهاية حديثه أن ننقل «تساؤله المشروع» للجهات المعنية.. علها وهي الصامتة دوماً أن تستشعر المسئولية هذه المرة، وتتحرك بفاعلية من أجل استعادة قيمة المواطن اليمني كإنسان، وهو الذي كان ذات يوم ذا مكانة تاريخية وكان وطنه سعيداً.
- جاء في «المدينة» السعودية أن «حميد» طلب من حرس الحدود الابتعاد عنه حتى لا يطالهم أثر الانفجار، وأنه وزميلاً له يدعى «محمد علي محفوظ» كانا يهمان بالعودة إلى الوطن، وباعتقادي أن جُل التفاصيل يملكها هذا الاسم.. وإن ثبت صدق «الواقعة» ف «حميد» أراد أن يختم حياته بفعل مدوي.. علّ الأشقاء يعيدون النظر في واقعنا المأزوم، ويفعلون ما تبدد من اتفاقيات.. خاصة وأن الدين الذي يجمعنا يحث على «أن الأقربين أولى بالمعروف..».
مغامرات ومذلات لا تحصى.. عاشها الهاربون.. لو علم بها صانعو الأفلام في «هوليود» لجسدوها عبر أفلام تحصد مليارات.. لكنها ظلت حبيسة من عايشها يتعب كثيراً من يبحث عنها..
قنص.. أفاعٍ.. عقارب.. ذئاب.. سيول.. وجوع وعطش وضياع!!
تحكي تقارير «سرية ومعلنة» عن متسللين قضوا نحبهم إما عطشاً أو غرقاً أو بلدغات الثعابين والعقارب، أو «قنيص» حرس الحدود.. بمجرد ولوجهم تلك الأراضي الساخنة خاصة في «خبت البقر» و«صحارى نجران»، وهؤلاء حسب تأكيدات أمنية هم أكثر الضحايا.. والأسوأ أن تبقى جثثهم رهن الاحتجاز لفترات طويلة قد تمتد لسنوات بسبب عدم التعرف على هوياتهم، أو عدم مقدرة ذويهم على استلامها إما لعجزهم المالي، أو بسبب تعقيدات الإجراءات.
- طريق العبور إلى المجهول أو العودة منه.. ليست سهلة كما يتصورها البعض بل هي حافلة بمخاطر عديدة قد تؤدي إلى الوفاة، ففي مستشفى «صامطة» بجيزان هناك جثتان ليمنيين أحدهما يدعى محمد سعيد ناصر والآخر مجهول الهوية، توفيا بسبب لدغ الثعابين.. وقبل فترة ليست بالبعيدة عثرت الدوريات على جثتين ليمنيين متسللين في منطقة «خبت البقر» توفيا بسبب الجوع والعطش.. كما لقي يونس يحيى أحمد مصرعه في حي الجمرات بمكة غرقاً في بركة تابعة لإحدى الشركات، خلال فراره من دوريات رجال الشرطة.
- شكري طه محمد المقطري من «لحج» وعلى احمد سعيد من «حديدة» شابان في مقتبل العمر أجبرتهما الظروف مع نهاية العام2010م على الرحيل، اجتازا الحدود برفقة حشد من كادحين غلابى مثلهم.. ودليل غير مُتمرس أخذ منهم كثير من الوقت والمال، ومع شروق شمس يوم أخير لهم في منطقة «صبيا» اعترض طريقهما مجموعة من شرطة حرس الحدود بادروهم بوابل من رصاصات غادرة من كل الاتجاهات، لقي الاثنان حتفهما على الفور، فيما ألقي القبض على الآخرين، وجاءت تفاصيل الواقعة في الصحافة السعودية أن المعركة كانت مع «مُهربين».. وبسبب هذا التشويه السلبي عجزت محاولات ذويهما في استلام جثتيهما اللاتي ظلتا حبيسة أدراج ثلاجة مشفى حكومي ب «جيزان».
- سامي عبد النور ابتدأ عرض مغامرته بضحكات ممزوجة بالحسرة والألم شدتني للاستماع إليه، أجتاز الحدود داخل سيارة تاكسي لأحد المهربين.. أوصله إلى مكان مجهول وتركه يواجه مصيره.. ساعات كثيرة قضاها وحيداً في قفار شاسعة لا أنيس فيها ولا صديق، جمعه الله بمجموعة من الهاربين.. قضوا ليلة ساخنة وطويلة، فجأة أتت «حية» عبد المعز التي آمنت بشعار «إنه يستاهل» ولدغت أحدهم واضطروا جميعاً للبقاء في رعاية المصاب حتى الصباح.. «طب» عليهم حرس الحدود وهم نائمون وأعادوهم جميعاً إلى حيث لا يريدون.. وفي «حرض» باع حذائه الجديد ب «حق الصبوح».
- كانوا ستة أميين أجبرتهم الحاجة وضيق حال اليد لاجتياز الحدود واثقين من حصانة العادات والتقاليد واللغة والدين والتاريخ المشترك، خرجوا من أرياف تهامة.. ومن حرض قطعوا الفيافي والقفار القاحلة مشياً على الأقدام، ووصل بهم الأمر أن يأكلوا من أوراق الشجر اليابسة، أكثر من خمسة أيام قضوها خارج نطاق التغطية، وبسبب قيض الصحراء ومطاردة حرس الحدود وشدة الجوع والعطش دنت ساعة الاحتضار على أحدهم، فما استطاعوا أن يسعفوه وما وجدوا له حلا، فتركوه يستقبل مصيره المحتوم وهم له ناظرون.. دفنوه بملابسه بلا غسل ولا صلاة.
- حكاية أخرى مشابهة أبطالها هذه المرة خمسة اشخاص كلهم شباب ومن منطقة واحدة..
عبروا الحدود وبعد مسير يوم على أقدامهم ناموا في منطقة «العارضة» .. تعرض أحدهم للدغ حية وفارق الحياة.. اضطروا إلى ترك جثته وواصلوا السير حتى وصلوا إلى وادي «بني مالك» في يوم ماطر.. قاموا بقطع الوادي فأخذ السيل الجارف أحدهم.. لم يقبض عليهم حرس الحدود فقد هموا راجعين بعد أن تملكهم اليأس والاحباط.
- مجموعة أخرى وأخيرة كانوا يسابقون الزمن من أجل الوصول إلى مبتغاهم.. نفد الماء من أوعيتهم مع منتصف إحدى الليال.. أنهكم العطش، عزموا على المسير حتى لا يموتوا.. تاهوا وكانت النتيجة وفاة أحدهم يدعى «علي صغير» بمجرد وصولهم «خبت المضيليف» مع صباح اليوم التالي.. ولولا مجموعة من البدو الرحل وجدوهم لكان مصير الجميع «الموت عطشاً».. وقد شهد ذات الخبت وفاة شخص يدعى «حسن عقاري» من البيضاء وبنفس الأسباب.. إلا أن هذا الأخير ضلت جثته في مستشفى «الباحة» سنة كاملة دون أن يعلم به أحد.. وعندما عرفت عائلته بالخبر دفنوه هناك.
ذاكرة الجسد..
تستوطن أجسادا كالحة.. تحولهم إلى بقايا روح مهزومة لا تعرف للأمل طريقا.. وتضيف إلى رصيد جل المعاناة كتلة صلبة لوجع لا ينتهي..
استجداء..
عبده الحبيشي صورة مصغرة تختزل ذاك الوجع، عاد إلى منفاه في «الوطن» أثناء حرب الخليج، ضحى بالغالي والرخيص من أجل الحصول على «فيزا» ترجعه حيثما كان، وحينما أصبح خاوي الجيوب ومل أصدقاؤه منه.. "يا صديقي إني تائه لا أدري ما الذي أعمله.." خيم اليأس والقنوط عليه، أصر على «الهروب».. فقد استحوذت عليه شائعات مسكونة بدفء حلم الغربة «تهريب».. "أعرف أن الجميع سيقولون لقد هرب.. لقد تخلى.. لقد انتهى.. ولكني أقول: لم أهرب، ولم أتخل لأنني لم أبدأ بعد!..".
- تَعرض عبده لل «حبس» وال «تزفير» أكثر من مرة، أبى أن يستسلم لتلك القيود، حاول ثم حاول، فامتزجت محاولاته بالكثير من المعاناة، نوم في العراء، وجوع وعطش وضياع، وما أن استقر به الحال بحكم غربته وخبرته السابقة، حتى تعرض لحادث سير فقد على إثره إحدى قدميه، «أكرموه.. وعالجوه.. وأهدوه عكازين..» ثم نفوه إلى وطنه ليستجدي بعاهته المُستديمة عباد الله في المساجد والطرقات.
خصم وحكم
عبد الله محمد يوسفي هو الآخر شاب عشريني لم يكد يلج أراضي الأشقاء حتى فاجأه حرس الحدود في الجانب الآخر بطلق ناري اخترق أعلى الرقبة وأدى إلى تهشم عظمة الفك.. كان وأخيه الذي احتار في وجهة إسعافه خاصة وأن النزيف حاد ولا يستدعي التأخير، وعلى ضوء ذلك أختار الجانب الأقرب «الخصم والحكم!!»..وفي مستشفى «بحرة بجيزان» أدخلوه العناية وأخرجوا الرصاصة.. وتركوه مغماً عليه بلا مرافق بعد أن «زفروا» أخيه، وصادروا كل أوراق إثبات شخصيته.. بقي في المستشفى لمدة شهر أسير آلام وقيود ثقيلة أنهكت قدميه.
- في سجن «الطوال» قضى فترة نقاهة لمدة «12» يوماً، فيما آلامه الحسية والمعنوية لم تنتهي بعد، «رحلوه» بعد أن أجبروه على التنازل بعد تهديده بتلبيسه قضية تهريب.. ليشعر بعد أيام من وصوله مدينة الحديدة مسقط رأسه بألآم فضيعة وانتفاخات شنيعة كست محياه.. أجبرته أسرته المعدمة على الذهاب إلى المستشفى، وهناك تلقى النبأ الفاجعة، فكه مكسور ويحتاج إلى عملية جراحية عاجلة ستكلفه الكثير، كان من المفروض إجراؤها «هناك».. خرجوا بحثاً عن لقمة عيش كريم.. وعن بصيص حياة.. فكان الموت «مجهول الهوية..» بانتظارهم «هناك».. و«هنا» زوجات وأطفال.. ينوحون عليهم ك «الثكالى»..
سيئ الحظ..
مقابل تلك المآسي.. ثمة تفاصيل قاسية حصلت وذاع صيتها.. قد يكون ضحاياها أقل.. وذكر بعضها هنا للتأكيد أن اليمني سيئ الحظ «والمنحوس منحوس ولو فعلوا بباب قبره فانوس»..
- جميل عون - شاب من جبل بشي- لم يستطع أن يوفق بين دراسته الجامعية والعمل، فترك الأولى مجبراً، وحينما تفرغ للعمل لم يتعايش والراتب الزهيد فترك الثانية مضطراً، وحين دله أصدقاؤه على «الهروب» من الوطن، لم يتردد لحظة؛ أستلف مصاريف الطريق ورحل.. {الوطن هو ذلك الذي تستطيع أن تغير فيه.. أن تستنبت فيه أشجارا جديدة، أن تمنحه ويمنحك الحب، الوطن ليس هنا.. لقد كنت مخطئاً.. إنه هناك، حيث تعمل، وتكدح، وتفكر}.. اجتاز جميل الحدود بعد عناء، ليعمل مُتخفياً في تسليك الكهرباء، ولأن الكهرباء كما قيل «لا تِصحب ولا تِقرب» أصرت أن تفضحه ولو على حساب حياته؛ صلى عليه أبناء قريته صلاة الغائب، وظلت جثته المتفحمة هي الأخرى رهن الاحتجاز لزمن.
- بعد أن استقر المقام بصالح مهيوب خلف الحدود المُلتهبة، بدأ يخطو خطوات حثيثة نحو المستقبل الغامض، تزوج بامرأة صومالية «خَلف» منها بنين وبنات.. {اليمن لقد نسيتها انني انتظر الموت فقط ..لن يعرفني احد هناك اذا عدت.. لا احد بقي معي هناك.. لن أعود.. قد يعود ابنائي يوما ما، اذا ما عرفوا ان اباهم كان غريبا.. وقد لا يعودون.. قد يظلون مثلي غرباء}.. قبل فترة ليست بالبعيدة اتصلت زوجة صالح بأهله في محافظة ذمار تخبرهم أن زوجها تعرض لحادث مروري فقد على إثره حياته، والجثة والدية لن تسلم إلا بحضور وليه، وهناك.. نزلت المفاجأة على الأب والزوجة كالصاعقة حين طُلب منهما لإكمال إجراءات التسليم عقدا الزواج والإقامة للمتوفى، وحين كانت الإجابة نفياً قامت السلطات هناك بحبس الأب و«تسفير» الزوجة، ونتيجة لتلك الصدمات مات الأب بعد ولده بشهرين، أما الزوجة وأولادها فلا يعلم حالهم إلا الله.
- حكاية أخرى مشابهة صاحبها من «ذمار» أيضا، قادته الظروف أكثر من مرة إلى وراء الحدود، في البدء حقق مراده وتزوج بمن أحب ليقضي شهور قليلة مع عروسه نهبت كل ما جمع.. شد الرحال مرة أخرى «تهريب!» أمتهن أعمالاً مُهينة، ومات كل يوم ألف مرة شوقاً للأهل والأحبة.. وحينما عزم على العودة أخذ كل مستحقاته ممن عمل معهم لأنه نوى الاستقرار في بلده ليقتات من مشروع صغير عزم على تنفيذه،{لا تنسوا أنتم.. أن هذه الأرض لن تنفصل عنكم مهما هربتم، إنها جزء منكم، تطاردكم.. ولا تستطيعون منها فكاكا.. أنتم يمنيون في كل أرض وتحت كل سماء}.. أموالاً كثيرة جمعها، وحاجيات كثيرة اشتراها، وفي الطريق حدث ما أراده قطاع الطرق له، قطعوه إرباً إرباً ونهبوا كل ما لديه، قبل شهور ولد لعبد الله مولوده البكر، تُرى كيف سيكون رد فعله حينما يكبر ويعرف مصير أبيه الذي ذهب ولم يعد..؟!!.
-{تعتري النشوة عبده عندما يتخيل منظر اهل منطقته وهم يروونه يرفل في النعيم ..يتصاعد طموح عبده وفي اثناء ذلك تحترق الأوراق في دكانه ويموت عبده غريبا..}.
- ذات يوم غير بعيد خرجت قاطرة شحن عن مسار خط سيرها العريض جنوب المملكة.. كانت مليئة بأجساد يمنية كالحة معدة ك «القطيع» للتصدير.. اختلطت الأجساد في عناق أبدي رهيب، وغاصت في بحر من دم متعدد الفصائل، تدخلت حكومتنا الرشيدة حينها لإنقاذ الأشقاء عملاً بحقوق الجار الذي تفرضه التقاليد العربية الرفيعة، وتم الاتفاق على أن تدفع العربية السعودية دية.. ب «شرط» إلى السلطات اليمنية؛ وهذه الأخيرة ك «مستودع أمين» ستوصلها إلى اسر المتوفين، بعد خصم عمولتها التي كانت «90%» فيما كانت ال «10%» من نصيب أسر الضحايا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.