الحرب ليست نزهة، ولا يخوض المرء غمار وطيسها رغبة، و لكنها قد تفرض فرضا، و حينها ليس أمام الحر إلا أن ينهض لها دفاعا عن مبدأ، أو حفظا لكرامة، أو حماية لعقيدة أو ذودا عن وطن ... و هذا أمر تبيحه كل الشرائع السماوية، و الأعراف و القوانين. ثمة طغاة يُنشِبون الحرب ظلما و عدوانا، و يُسخّرون لها الناس، و يسوقونهم إليها بجبروت طغيانهم و تسلطهم، إضافة إلى شحنهم بمفاهيم الكراهية، و تعبئتهم بمغالطات باطلة. و أقرب مثال على ذلك ما يمارسها الكهنوت الحوثي، و في مثل هذا الموقف :
و إذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا
فرضت عصابات الحوثي و مليشياته الحرب على اليمن و اليمنيين بدعم إيراني كبير، و ساعدهم في ذلك بعض أطراف تمارس السياسة بعقلية عقال الحارات ! و كان لتعز نصيبها في أن فرض عليها الكهنوت الانقلابي هذه الحرب القذرة ؛ لكن أحرارها و شرفاءها، لبوا نداء الواجب، فتكونت مجاميع شعبية تقاوم برجولة، و تواجه بشرف :
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها
و لسائل أن يسأل - بما فيهم من يؤلفون القصص و يبيعون الكلام لدى الصحف الصفراء، أو عند قنوات فضائية بلهاء - و أين كانت المعسكرات المنتشرة في تعز و على أطراف المدينة و داخلها؟ و الجواب معروف في أن كل قيادات ( أقول قيادات ) تلك الوحدات باعت نفسها و مواقفها لعصابات الكهنوت الحوثية. أحرار و شرفاء المحافظة ، و فيهم ضباط - ليسو في موقع القيادة لتلك المعسكرات - و جنود و أفراد أمن؛ تشكلوا كمجاميع لمقاومة شعبية، و كان أول شهداء المقاومة الشعبية في تعز الشهيد محمد أحمد الصهيبي، و محمد إبراهيم البوكري اللذان استشهدا يوم الجمعة 17 أبريل 2015م. كان هذان البطلان طليعة الشهداء، و تتابع بعدهما شهداء المقاومة. كان شهيدنا الصهيبي يعمل موجها في سلك التربية و التعليم، وكان البوكري في عمل حر، و لَحِق بهما شهداء آخرون كٌثر؛ من موجهين و معلمين و أطباء و قضاة و طلاب و عمال و مزارعين و مهندسين، و ما شئت أن تسمي من الفئات الاجتماعية. هؤلاء و غيرهم كان مسماهم المقاومة الشعبية، فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا، و كان هؤلاء هم من نهض في أحلك الظروف فطرح القلم و اعتمر البندقية ؛ ليحرروا المدينة شبرا شبرا، بعد أن لم يكن خلا من سيطرة مليشيا الكهنوت غير شارع جمال و حارات أخر محيطة به . عندما تكتحل عيناك بشموخ بتبة الإخوة في قلب مدينة تعز، فتذكر هناك بطولة الاستاذ عبد الإله الشوافي الذي كان طليعة تحريرها قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلى باريها، و حينما تمر بجوار تبة الأرانب فادع للشهيد البطل و الموجه التربوي هائل سعيد اليوسفي، و حين تسمع ملحمة جبل جرة، فستبرز أمامك بسالة استاذ مادة الفيزياء الشهيد عبدالله أحمد عبدالعزيز الصبري، و ستلح شخصية الشيخ سرور عبدالملك المحمدي أستاذ الرياضيات على اقتحام ذاكرتك و أنت تمر بمنطقة نجد قسيم التي اندحر منها الكهنوت قسرا فيما صعد هو إلى ربه شهيدا.. و ستزدحم على ذاكرتك أسماء لمدرسين و أطباء و طلاب و قضاة : جمال القرشي، د/ أسامة حمود سعيد، توفيق هديرة ، القاضي أسامة القميري، الطالب الجامعي محمد عزالدين الأديمي و محمد عبدلله ثابت السامعي ... و لست هنا لأحصي، و أنّى لي ذلك، و إنما في ذكرى شهر المقاومة لا بد من العرفان بالجميل لفتية آمنوا بربهم، و لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. هذه السطور لا تحصي و لا تحصر، و ليس بمقدورها أن تعدد آلاف الشهداء الأبطال، و إنما الأمر مجرد مثال لدور المدنيين من كل الفئات، و أنهم كانوا بداية للمقاومة الشعبية. و لم يغب العسكريون، بل كانوا ضباطا و جنودا و أفرادا ضمن هذه المقاومة الشعبية الباسلة و كان منهم شهداء من أمثال أحمد نعمان المخلافي ، و توفيق دبوان الشرعبي، و نورالدين علي نصير الزعزعي، و نصر حسين القاضي .. و آخرون لا مجال يتسع لذكرهم كذلك. و الحديث هنا عن البدايات و قبل أن تتشكل الألوية العسكرية. و إذن فقد كانت المقاومة في بدايتها مقاومة شعبية بحتة لأن قيادات الألوية كما نكرر، انضمت للانقلاب الكهنوتي، و إنما جاء العسكريون إلى المقاومة كأفراد، ثم تشكلت الألوية فبما بعد. محاولة البعض لمز المقاومة، أو التقليل من دور المجاميع المدنية الشعبية منذ البداية ؛ أحد رجلين : إما أنه متحامل، و إما أنه يجهل سير الأحداث لسبب أو لآخر. و هذه الكلمات ليست أكثر من شذرات لا بد منها في ذكرى انطلاق المقاومة في المحافظة.