"لقد اشتقت للقاء أولادي" بهذه الكلمات رد الشيخ حمد ناصر حسين رقيب الأجدعي، ويده على الزناد يفتك بالمليشيات ويلقنهم الردى، على رفاقه عندما طلبوا منه التراجع وعدم ملاحقة مسلحي مليشيا الحوثي الانقلابية بعد هزيمتهم. مواجهات عنيفة دارت بين الجيش الوطني مسنودا بأبناء قبيلة الجدعان بعد مهاجمة مليشيا الحوثي امس الجمعة منطقة "اللسان" التابعة لمديرية مجزر غرب محافظة مارب، التابعة لقبيلة "الجدعان". كان الشيخ حمد في طليعة قبيلته شامخا يزأر كضرغام أغاضته "ضباح" الثعالب و"سكسكة" القرود، التي تحاول الاقتراب من مملكته وعرينه. دارت مواجهات عنيفة خلفت عشرات من جثث مسلحي المليشيات ملقاة في الوادي كوجبة طرية للضباع والوحوش، وأنين جماعي لعشرات الجرحى تصدر كنقيق ضفادع بعد يوم ماطر، لكنه ماطر بالرصاص والبارود والموت. يستنجدون بتلك الأصوات من تبقى من رفاقهم، لكنه الذعر من الموت والهلاك، فقد ولوا الأدبار، فلا داع منهم ولا مجيب، فالأمر أهول مما خُيّل لهم. في المواجهة الدامية فجّر الشيخ حمد، في العقد السابع من عمره، احدى دبابات المليشيات بقذيفة أر بي جي، وقاتل قتال الأبطال وواجه بقوة ايمانه وحبه لوطنه وكفره بالعبودية والامامة البغيضة الكهنوتية أذناب الامامة الجدد، بندقيته التي لم تكن تخطئ جماجم المليشيات فحصد منها الكثير. كان بمقدور الشيخ الكهل، ان يبقى في بيته وعذره له، فقد أخذت الأعوام قوته وشبابه وأثخنت الأحدث والهموم في جرحه، ولم يعد بمقدوره أن يصعد الجبال والتباب في ظلام دامس وتضاريس لا يجيد السير عليها منهم في مثل سنه، وبمقدوره القول أيضا لقد قدمت خمسة من أولادي للدفاع عن الوطن ويكفي وصدق لو قال ذلك. لكنها عزيمة الرجال الصادقين، فأبى إلا أن يقدم أروع البطولات والتضحية، قاتل ورفض العودة إلى منزله بعد أن اندحر المليشيات، وواصل القتال إلى اليوم الثاني حتى استشهد، رحمه الله وتحققت أمنيته بلقاء أولاده الأربعة وحفيده.
اصرار في الحياة وفي الممات ولد الشيخ حمد في الجدعان، وينتمي إلى قبيلة آل رقيب، عرف باصراره وشجاعته وكرمه، فقد نشأ في طفولته مع بزوغ الجمهورية، لم تكن المدارس قد وصلت منطقته، حتى بعد مرور سنوات من الثورة. بعزيمة قل أن تجدها تعلم في طفولته الكتابة والقراءة على التراب، وبإصرار مماثل أراد حفظ كتاب الله في شيخوخته، وحفظ منه عشرة أجزاء، رغم مشاغله وهمومه وأوجاعه.
تاريخ من الكفاح نشأ حمد كغيره من أطفال قبيلته، مع بزوغ فجر الجمهورية، ويبدو أنه تشرب من تاريخ الأبطال الأوائل الذين ساهموا في كسر قيود اليمنيين من الامامة البغيضة الكهنوتية، كالشهيد علي ناصر القردعي والزبيري والثلايا واللقية وعبدالمغني وغيرهم الكثير. تاريخ مليء بالكفاح والدفاع عن الوطن والدين، ففي عام 2009، قاتل ضد مليشيات عندما حاولت اجتياح الجوف، وسطر أروع البطولات مع العشرات من أبناء قبيلته. في 2014، حاولت مليشيا الحوثي اقتحام الجدعان، لكنها وجدت الموت يترصدها هناك ببنادق الشيخ حمد ورفاقه الأبطال. كانت الجدعان تشعل شرارة مقاومة ضد قطاع الطرق ولصوص العصر، حين كانت معظم المحافظات والمناطق تتهاوى كأوراق الخريف تحت "نهيق" مليشيات الكهنوت وخرافات الدهر وغبار التاريخ، كان الشيخ "المبروك" حمد وأبناء الجدعان يصقلون سلاحهم لنحر مشروع المليشيات على حدود القبيلة، فقد كان الشيخ أحد مؤسسي المقاومة لمواجهة المليشيات وكان لهم النصر والحرية. خلال خمس سنوات من حرب مليشيا الحوثي على اليمنيين شارك الشيخ وأبنائه، وابناء الجدعان في قتال المليشيات ومساندة الجيش الوطني في كل الجبهات. أمس الجمعة 20 مارس 2020، كان موعد خاص للقاء الأحبة، كما كان يأمل ويتمنى الشيخ حمد ناصر رقيب. فبعد قتال عنيف ضد المليشيات، ورفضه العودة إلى منزله، كان يأمل أن يذهب للقاء ابنائه وحفيده وأبناء اخوته، وكان له ذلك، صدق الله فصدقه. رحل الشهيد هو يقاتل في صفوف الجيش الوطني ضد مليشيا الحوثي المدعومة ايرانيا، والعدو الأول لليمنيين، قاتل الشيخ حمد حتى لقي ربه مقبلا غير مدبر، وحقق أمنيته في لقاء أربعة من أبنائه وحفيده الذي سبقه بالشهادة قبل أيام قلائل.
عطاء نادر وتضحيات جسيمة كغيرها من قبائل مارب، قدمت قبيلة الجدعان العشرات من الشهداء والجرحى دفاعا عن اليمن والدين والعرض وكرامة اليمنيين. أسرة آل رقيب قدمت الكثير من الشهداء، فالشيخ الشهيد يُعد الشهيد ثالث إخوانه قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن وتربته وحرية أبنائه. وقدم الشيخ أربعة من أبنائه شهداء وحفيده، وسبقهم أربعة من أبناء أخيه مبروك ناصر رقيب، وثلاثة من أولاد أخيه الآخر مبارك ناصر رقيب، واثنين من احفادهما.
أيقونة على مواقع التواصل تحولت صورة الشيخ الشهيد حمد ناصر إلى أيقونة النصر والتضحية والفداء، مع انتشار خبر استشهاده. فقد تحدث عدد من الناشطين عن مناقب الشهيد وسيرته المليئة بالتضحيات والشجاعة والاصرار، ورثاه آخرون، وعبر كثيرون عن حزنهم وأسفهم لفقدان اليمن لمثل هذه الهامات التي تناطح الجبال بشموخها وأنفتها وكبريائها، فقد كان حصن منيعا لمارب وللجمهورية ، فقد كان مما قال قبل استشهاده "واجهنا المليشيا الحوثية، وضحينا بخيرة رجالنا، ولن نسمح للحوثي أن يدنس تراب مأرب"، رحمه الله وطيب ثراه. | الصحوة نت