لا يوجد في العصر الحديث جريمة يمكن أن ترتكبها سلطة ما، أو حتى عصابة مسلحة، أبشع من قتل "صحفي" أعزل لم يرتكب إثماً سوي نقله للحقيقة بالعدسة والقلم، وما يحدث للصحفيين اليمنيين " من اختطاف وتعذيب واخفاء " من مليشيات الحوثي التي ضربت بكل لوائح والأعراف الإنسانية عرض الحائط، وفاقت بأعمالها " داعش والمنظمات الإرهابية التي جعلت من القتل والسلب وامتهان كرامه الانسان هي المنهاج والسلوك الذي تنتهجه في مسيرتها وحكمها الدكتاتوري الدموي. أربعة صحفيون في سجون المليشيات "عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، حارث حميد، توفيق المنصوري "مهددون بالقتل والإعدام، أصدرت جماعة الحوثي قرارا بقتلهم بعد سجنهم وإخفائهم قسريا وتعذيبهم طيلة خمس سنوات فهل سيجد نداء اسرهم طريقا لضمير الإنسانية؟
اشتي أبي "اعدام يعني قتل".. بهذه العبارة نطقت الطفلة "توكل توفيق المنصوري" ذات العشرة الأعوام، عندما سمعت عبر التلفاز قرار تصفية والدها الصحفي والمخرج " توفيق المنصوري" من قبل ميليشيات الحوثي، حاولت والدتها، زوجة توفيق، طمئنتها بأن الإعدام يعني إطلاق سراح، فهزت الطفلة رأسها رافضة هذا التفسير وكررت: إعدام يعني قتل، انهارت الطفلة بالبكاء، وانهارت معها الأم وباقي افراد هذه الأسرة المفجوعة، لم تستطع " والده توفيق المنصوري" تحمل منظر حفيدتها البريئة وهي تصرخ "اشتي أبي" فسقطت على الأرض فاقدة الوعي ولم تفق إلا في المستشفى، ولاتزال حالتها الصحية سيئة للغاية بين غيبوبة وأخرى، ولسانها لا يتوقف عن الدعاء على عصابة الحوثيين كبيرهم وصغيرهم، دعاءً ليس بينه وبين ابواب السماوات حجاب. تقول قريبه الصحفي " منذ تم اختطاف توفيق قبل خمس سنوات ونحن نعيش مواجع والآم أكبر من طاقاتنا على التحمل... لقد بحت اصواتنا. ونحلت اجسادنا ..وكثر نحيبنا ..وفي كل مرة نتفاءل باطلاق سراحهم لنتفاجئ بسلوك حوثي مخادع وظالم". وأردفت قائلة : "لقد حشدوا ومارسوا ضدنا اشد وابشع وافدح الظلم والبطش,والتنكيل، ومع أننا نعيش خارج زنازينهم إلا أننا نتعذب كل ساعة وثانية.. حتى أصبح ألمنا وقهرنا ووجعنا ومعاناتنا أكبر من ان نستطيع التعبير عنها او نقلها". أكملت حديثها وسيل الدموع تغرق وجهها، تابعت حديثها قائلة: " ماذا عسانا نفعل ونحن لا نمتلك حيلة لمواجهة كل هذا الاستهداف والظلم الا أكف دعائنا وصلاتنا الى متى سيستمر هذا المسلسل من المعاناة والظلم؟ اين العالم واين اصحاب الضمائر الانسانية والقلوب الحية؟ الا يشعرون بقهرنا ووجعنا؟ الا يوجد في كل هذا العالم من يستطيع ايقاف هؤلاء الطغاه المجرمين؟ "نناشد كل من يسمع اصواتنا ويشعر بأوجاعنا ومعاناتنا, نناشد اصحاب القرار والمعنيين بالانسان وحقوقه وحرية الرأي والتعبير ممارسة الضغط على هؤلاء القتلة الذين يستهدفون حياة ازواجنا واقاربنا نناشدهم التدخل العاجل وانقاذ حياة زوجي توفيق وزملائه فنحن وبقية اسرهم واولادهم ننتظر عودتهم". جريمة قتل أما عبد الله، شقيق الصحفي توفيق، فتحدث "للصحوة نت" قائلاً: "لقد كنا ننتظر من مليشيا الحوثي إطلاق سراح اخي توفيق وزملائه وبقية المختطفين استجابة للوضع الانساني الذي يعيشه العالم جراء فيروس كورونا المستجد...لكنها بدلا من ذلك فاجئتنا اليوم بهذه القرارات الباطلة والظالمة". وأضاف :" لقد تضاعف قلقنا ومخاوفنا بعد تلك القرارات المخزية، فقد تأكد لنا اننا امام مليشيات اجرامية تستغل القضاء وتنتهكه وتحت عبائته تصدر اوامر قتل مليشاوية لعصابة اجرامية ضد صحفيين اختطفتهم وهم يمارسون عملهم المهني .. ومنذ خمس سنوات وهم يتعرضون لشتى انواع التعذيب وسوء المعاملة". ويتابع عبدالله المنصوري، قائلاً :" هذه الاوامر والاجراءات الباطلة غير القانونية ليست بالنسبة لنا الا جريمة جديدة ضد شقيقي توفيق وبقية الزملاء الصحفيين المختطفيين". "نطالب مليشيات الحوثي بإطلاق سراح اخي الصحفي توفيق المنصوري وبقية زملائه المختطفين فورا...وندعو كل المعنيين بحقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير في العالم أجمع الى ممارسة الضغط على مليشيات الحوثي لإنقاذ حياتهم واطلاق سراحهم بشكل فوري". إذلال متعمد عائلة الصحفي المختطف "عصام بلغيث تسرد معاناتهم بقولها "خمس سنوات ونحن نعيش المعاناة المعنوية والحسية والنفسية. خمس سنوات والحوثيين يتلاعبون بنا وبنفسياتنا ونحن ننتظر كل وقت وحين اي خبر يتعلق بالصحفيين.. وفوق هذا كان الحوثيين يتعاملون معنا عند زيارته تعاملاً في غاية السوء والإذلال.. كمنعنا من الزيارة الا بعد أخذ موافقة منهم ومراضاتهم.. حتى أنه ذات مرة كانت الوالدة متلهفة بشدة لرؤية عصام فدعت لهم لكي يستعجلوا بإدخالها، فكان ردهم : "نحن خلقنا ظلمة، لذلك لا تتعبي نفسك"!! ناهيك عن التعب النفسي والمادي الذي نعانيه جراء سفرنا المتكرر الى صنعاء ،ومع ذلك في بعض الفترات نمنع من الدخول ونعود ونحن نجر أذيال الخيبة بحجج كثيرة يختلقها الحوثيين، ويوم فرحتنا الكبرى هو اليوم الذي تلتقي فيه والدتنا بعصام والفرحة تغمرها وكأنها ملكت الدنيا في ذلك الوقت وتظل تبكي فيضطر عصام للقول بأنه بخير ومافيش حاجة". جماعة بلا مشروعية أما " م.ر" صديق الصحفي المختطف أكرم الوليدي، فيتحدث عن شعوره قائلاً : " عرفت أكرم في بداية فترة الدراسة في كلية الاعلام ..وجمعتني به صداقة قوية وأخوة وثيقة طوال السنوات الأربع فقد لفت انتباهي بابتسامته التي لا تفارق وجهه وخلقه الطيب السمح بالإضافة الى تفوقه ونبوغه العلمي، وليس هناك من البشاعة اكثر من ان تحكم فئة ضالة انقلابية لا تتمتع باي مشروعية على شباب مثقف ومتحمس مثل اكرم وزملائه، بالقتل، واليمن في اشد الحاجة الى ذلك النوع من الشباب". ويضيف:" لا أنكر انني صرخت باعلى صوتي وانهرت بالبكاء لحظة سمعت الخبر الفاجع، الجميع اليوم يريد ان يعرف مالذي يريده اولئك المشوهين من هذا الشعب؟ أكرم وزملائه لم يفعلوا شيئا يستحقون عليه الاعتقال، فضلا عن القتل، اما المجتمع الدولي الظالم فله نقول: هناك جريمة بشعة بكل معنى الكلمة على وشك الحدوث، وإذا حدثت فلن تكون لكم مصداقية او مشروعية في اليمن بعدها ابدا". نداء الى ضمير غائب نداءات واعتصامات وحملات ظلت تطالب بالأفراج عن المختطفين وخاصه الصحفيين ولكن كل ذلك " يمر على طاولات المفاوضات وقوانين الدولية مرور الكرام. تغيب الأصوات وتغيب المطالبات لكن صوت توكل المنصوري لان يغيب " اشتي أبي " منذ خمس سنوات من الاختطاف والاخفاء تنادي ضمير الإنسانية الغائب.