للعلم؛ فأحد أهم الأسباب وراء عدم نجاح انقلاب الحوثية والإنتقالي في اليمن ومراوحته حيث هو يكمن في عدم التطبيع معهما من قبل الأحزاب السياسية الرئيسية ، ناهيك عن اتخاذهم مبدأ وطريق مجابهته وان كانت فاترة بعض الشيئ لجهة الإنتقالي حتى اللحظة. ما أود قوله هنا إن ما يجمع القوى الحزبية وخط نضالها الوطني أكثر مما يجعلها مفترقة واحيانا تصل وتهوي في " ألد الخصام" ، خصوصا وقد اثبتت الأحداث أن اسقاط الدولة ووحدة الشعب ولحمة المجتمع الوطنية معناه اسقاط للأحزاب تلك ، والنظام السياسي الرسمي برمته، ولا درب لكلا الإنقلابين ومن إليهما ومعهما للإنتقال من خانة وحالة اللا التمثيل رسميا سوى بإزالة النظام الرسمي ابتداء، وهذا ما يلقي تحديات هائلة وجمة أمام الأحزاب الممثلة رسميا ، سيما وأن ما يعرف -سياسيا- كأحزاب الهوية مثل "الحق والرابطة" قد سقطتا في براثن الإنقلابيين وكانتا احد اهم روافعهم واللعب على حبال المتناقضات شمالا وجنوبا ككل. وعليه فإن رتق الخرق الوطني الذي سببه الإنقلاب الحوثي والإنتقالي واظهر تصدعا وطنيا وانكشافا مخيفا على المستوى الرسمي والشعبي يبدأ في العمل على توحيد القوى الحزبية الفاعلة والرئيسية في البلد ، وأعني بها الأحزاب العقائدية الثلاثة (الإصلاح والإشتراكي والناصري) وصولا لضرورة انتشال المؤتمر الشعبي من فئوية الحاكم السابق"صالح" وعائلته، إلى رحاب الوطنية المسئولة والمجابهة للإنقلابين برمتهما. خصوصا وأن هذه الأحزاب والقوى السياسية وحالة الخصام والعداوة المتلحفة عباءة الصداقة والنضال والمشترك الوطني ، قد تخللها الضعف وعدم استشعار المسئولية الكاملة واصبحت مهجوسة بمشاكلها الخاصة ومخاصماتها غير المبررة ولا اقول البريئة هنا ، الأمر الذي مكن الحوثية والإنتقالي من الصيد في المياه العكرة والخطيرة تبعا لتلكم الحالة التي ما ان خلقت ظرفا غير وطنيا حتى اصبح ذلك الظرف متنفسا لمشاريع العدمية والهويات القاتلة والعنف المترامي ، على يد تلكم العصابات ومن يآزرهما خارجيا وداخليا ، ومثلما كانت الأحزاب تلك نقطة القوة ومحور الإرتكاز في منع نجاح الإنقلاب واكتسابه المشروعية والشرعية من ثم ، فإن تشرذمها وتصيد الأخطاء الحزبية ، وتسيد الفئوية والإنقسام في بعضها ، واظهار ضعف الأخرى قد اغرى الحوثية والإنتقالي ومن معهما وإليهما بامكانية احداث الفجوة وتوسيع الهوة بين الأحزاب تلك من جهة ، وبينها والشعب من جهة أخرى، خصوصا وأن اسقاط النظام السياسي والدولة والشعب ككل كان ولا يزال قائما على ومن خلال استراتيجية خلخلة صف القوى الحزبية والوطنية تلك ، سيما وقد شكل ضرب الجيش وانهياره أمام الإنقلاب ومن ثم امتصاص قوة الجيش والأمن واجهزة الدولة الاستخبارية والأمنية لصالح الحوثية ، وذهاب الإنتقالي وبتدخل خارجي لبناء قوته الخاصة به والتي تمثلان قوتان انقلابيتان هدفهما تقويض دعائم وثوابت اليمن الرسمية والشعبية ، ولذا فتجييش ابناء الأحزاب تلك واعتمارهم انوية اساسية لبناء جيش وطني واجهزة امنية دفاعا عن تلكم الثوابت الوطنية وخيارات وإرادة الشعب اليمني وشرعيته وأمنه واستقراره وسلامه وتنميته ومجابهة كل تهديد استراتيجي ومجتمعي ، جعل الأحزاب تلك بمثابة الجسر الوطني الخلاق الذي من خلاله ستعبر اليمن وقواها الحزبية والسياسية وقيادتها الشرعية إلى بر الأمان واستعادة اليمن ارضا وانسانا. ولتعلم القوى الحزبية تلك أن من أهم المخاطر والتهديدات المباشرة والقاتلة اعتمار الفئوية كمدخل للبناء، اذ أن الفئوية تلك ما هي في حقيقتها الا فعل استلاب للقوة والمجد والفعل الوطني والمشروع ، اضافة إلى أن الفئوية تلك هي عماد واساس تشكل الحوثية والإنتقالي معا؛ فئوية سلالية عنصرية هدامة كما الحوثية، وفئوية جهوية ماضوية بائسة كما الإنتقالي، وكلا الفئويتين مفلستين ولا ضوء وطني بهما ، كما هي فئوية الحزب في حال اقتفاءها واكتفاء اي حزب بها واقتياته عليها. خصوصا وأن احزاب الإصلاح والناصري والإشتراكي حكمتهما تجربة ملهمة ولافتة كتجربة اللقاء المشترك ، والتي كانت تبتغي الذهاب إلى أبعد ما يمكن ، الا وهو اعادة تعريف وضبط القوة ، ووسائل حيازتها ، وتوظيفها واقامة بنيانها على مستوى النظام السياسي والدولة والشعب ، وليس كما ترنو لها بعض القوى الحزبية واشخاصها من خلال محاولة توظيفها لصالحها الفئوي وتفسخها وتحللها من بعدها الوطني وركيزتها الأساسية الدولة والشعب والنظام العام برمته، ناهيك عن مسألتي التوازن والوزن السياسي والمجتمعي لليمن برمتها، والأبهى انها كانت بمثابة نواة لاقامة مشروع الكتلة التاريخية التي نظر لها المفكرين عربا واجانبا ، والتي كانت وراء التحولات التاريخية والجيواستراتيجية والسياسية في بلدان مختلفة من العالم وافضت بها إلى رحاب القوة والمنعة والرفعة والإعتزاز الوطني ، كما كانت قاطرة التحول السلمي الديمقراطي والتنموي والإقتصادي البهي في كثير من الأقطار الأوربية ، وما حالة الاستقرار والنمو والتنمية والقوة وعلاقاتها القارة في تلكم البلدان الا تبعا لحالة الكتلة التاريخية التي ارست واسست تلكم الدول وخلقت المجتمعات حتى اضحت امم كريمة وعزيزة وذات شأن وشأو يشار له بالبنان، وتستلهم تجاربه، ومحط ومحل احترام المتابعين والمنظرين ، سيما وانها لم تتوقف عند تلك القوى الحزبية بل اتسعت الدائرة لتشمل رأس المال الوطني وتيار المستقلين ، وارباب الفكر وحملة الاقلام والمنظمات المستقلة والمهنية ومؤثري الرأي العام وغيرهم، وبذا خروجوا من ازماتهم واصبحت نبراسا يضيئ الدرب للآخرين. وما تنكر بعض القوى الحزبية لقيادات فيها ومنها قضت نحبها ودفعت دمها ثمنا لتلك المشاريع الاستراتيجية والبهية الا دليلا على تسيد الصوت الصاخب والكلام الممجوج والممل الخالي من النفحة الوطنية والأصالة الفكرية والروح الحضارية ، وتنكرا لحركة النضال الوطني واهداف وبرامج الأحزاب نفسها ، وصولا إلى غوغائية هذا الصوت ورعونته وتنكره للشعب وهو صاحب الشرعية واساس وبؤرة عمل الحزب ومشروعيته نفسه. آن الأوان لإعادة ترتيب ورسم وهندسة المشهد الحزبي كأساس لإعادة تموضع الخارطة السياسية والإجتماعية والثقافية والوطنية برمتها ، خصوصا وأن النجاح في ذلك هو ما سيعزز من فعل ضرورة كسر الإنقلاب بضفتيه اللا وطنية ، والإنتصار لليمن ارضا ودولة وانسانا ، ومن ثم استعادة الثقة بالذات وبالحزب وبالدولة والمؤسسة الأمنية والعسكرية ، وخروج اليمن من حالة التيه الجماعي الذي ابتغاه الانقلاب ومجايلية خارجيا وداخليا ، واجتراح أفق اليمن الذي ارادته ثوراته ومناضليه ومستقبلهم يكون من خلال هذا العمل البناء ، ليس بوصفه فعلا سياسيا مشروعا واخلاقيا واساسيا ، بل وأن أي درب تتنكبه القوى الحزبية تلك لايعدو سوى فعلا ارعنا ، وكلفته عالية ومحكوم بالفشل ، لا سيما وإرادة الخارج تبتغي سحق وإبادة الإرادة الوطنية والفعل التحرري ، ومحاولة مد خطوط وخيوط حزبية مع الخارج هذا ، هي في حقيقتها لحظية ووقتية ومحكومة بالفشل تبعا لمضادتها إرادة الشعب والتنكر لحركات نضاله وتحرره، وصولا إلى أن قوة وإرادة الشعب امضى وأبقى وأثبت وأصوب.