برحيل الدكتور عبدالرحمن الشجاح يوم أمس يفقد اليمن والعالم العربي واحدا من أكبر المؤرخين الذين قضوا جل أعمارهم في استجلاء الحقائق التاريخية في سياق من الموضوعية العلمية، بعيدا عن التحوير والتشويه. والمؤسف في رحيل هؤلاء المؤرخين الكبار أنهم ينطفئون واحدا بعد الآخر، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى المؤرخ الحصيف القادر على استكناه الحقيقة وسط هذا الضجيج المتعاظم، وفي غمار هذا الاستقطاب الحاد الذي يتنامى جذاما وكساحا وسلا أسود على كل قيم الحقيقة في واقعنا المأزوم، وفي مقدمة ذلك الحقيقة التاريخية، بوصف التدوين التاريخي ذاكرة موثوقة، تضع نقاط الأحداث على حروفها بحيادية لا تشوبها شائبة من غبش، أو هكذا يفترض أن تكون. كما أن هؤلاء الموكل إليهم مهمة أن يكونوا شهداء على الواقع يرحلون تباعا دون بروز من يحمل عنهم الراية، فقد غيب الموت خلال السنوات الأخيرة أسماء كبيرة تركت منصة التاريخ شاغرة ومحزونة.. رحل مطهر الإرياني، ورحل محمد علي الأكوع وإسماعيل الأكوع وعبدالرحمن بعكر وعبدالرحمن الحضرمي.. وهاهو ذا المشهد التراجيدي يكتمل برحيل الدكتور الشجاع لتبقى الساحة خلوا من المؤرخين الثقة، الذين يفسح رحيلهم المجال لكل متقول أفاك في لي أعناق الحقائق، وكتابة التاريخ كما تشتهي الأهواء، لا كما يقوله الواقع وتشير إليه الوقائع. رحل الشجاع إذن وبقيت مؤلفاته التاريخية منجزا فكريا مهما للمكتبتين اليمنية والعربية، وخاصة كتابه دراسات تاريخية في عهد النبوة والخلافة الراشدة الذي قيل عنه الكثير، واعتبره عدد من المؤرخين من أجمل ما ألّف في هذا الباب: استقصاء واستنباطا ومنهجية. وبالإضافة إلى كتابه المذكور أصدر الدكتور الشجاع كتبا تاريخية قيمة، وخاصة تلك التي حاول فيها رصد إسهامات اليمن المعرفية منذ بزوغ شمس الإسلام، ومنها: اليمن في صدر الإسلام، الحياة العلمية في اليمن في القرنين الهجريين الثالث والرابع، تاريخ اليمن في الإسلام حتى نهاية القرن الهجري الرابع، النظم الإسلامية في اليمن: الميلاد والنشأة، اليمن في عيون الرحالة. ولد الدكتور الشجاع في جبل صبر عام 1946 وتلقى تعليمه الأولي في مدينة تعز، ثم رحل إلى مصر فواصل تعليمه فيها حتى نال درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة الأزهر، ثم عاد إلى اليمن أستاذا للتاريخ الإسلامي في كلية الآداب بجامعة صنعاء، وفي عدد من الجامعات اليمنية.