اللجنة الوطنية للتحقيق تطلق تقريرها الدوري الثالث عشر حول انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن    القيادة التنفيذية العليا تعقد اجتماعها السادس برئاسة النائب عبدالرحمن المحرّمي    لملس وأومتزجت يبحثان تحضيرات المؤتمر الاقتصادي بالعاصمة عدن    محافظ شبوة يثمن دور منظمات المجتمع المدني بمسار التنمية    مدينة الحب والسلام (تعز)    توافد جماهيري حاشد الى ساحات الاحتفال بالمولد النبوي بصنعاء والمحافظات (صور)    المنتخب الوطني للشباب يتأهل لنصف نهائي كأس الخليج    سريع يعلن استهداف مطار إسرائيلي    الكثيري يطَّلع على سير عمل المؤسسة العامة للطرق والجسور بالعاصمة عدن    وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان يهنئان الرئيس المشاط بذكرى المولد النبوي    مصر... لا تموت: وصية الخلود من قلب التاريخ    يلومون الجمل والحق ع الجمال    وفاة وإصابة 13 شخصا بصواعق رعدية في محافظتي عمران وحجة    مساعدات إماراتية جديدة لمتضرري السيول بالساحل الغربي    الرئيس الزُبيدي يودّع طلاب المنحة الدراسية إلى أبوظبي ويحثهم على التميز العلمي    مصدر مسؤول ينفي تحرك قوة مسلحة لمنطقة العكدة    تراجع طفيف في الاسعار بعدن رغم تحسن قيمة العملة الوطنية    بدء صرف معاش شهر إبريل 2021 للمتقاعدين المدنيين    الصقر والرشيد يفتتحان ربع نهائي بطولة بيسان الكروية    رغم رفض 100 مليون يورو.. ليفاندوفسكي يوارب باب الدوري السعودي    نائب وزير الشباب يبارك تأهل منتخب الشباب إلى نصف نهائي بطولة الخليج    السنباني يبتهج بتاهل الشباب ويبحث عن دعم رجال الاعمال    كهرباء عدن ترفع عدد ساعات الانطفاء والمواطن ينتظر    إيطاليا.. عمال موانئ يتوعدون بإغلاقها إذا اعترضت "إسرائيل" "أسطول الصمود"    اتساع نطاق العمليات البحرية اليمنية في البحر الأحمر    الذهب والفضة يتراجعان    زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب شمال غرب الأرجنتين.    العثور على برج قتالي قديم يعود إلى العصور الوسطى في جبال إنغوشيتيا الروسية    رسميا .. الاعلان عن اغلاق اسواق القات في العاصمة عدن    نفحات إيمانية من سيرة المصطفى في يوم مولده الشريف    فعالية لجامعة العلوم الرقمية بصنعاء بذكرى المولد النبوي الشريف    حل طبيعي .. شاي أعشاب يثبت فعاليته في السيطرة على سكر الدم    بلقيس تعلن عودتها الوشيكة الى عدن    لايف تختتم تنفيذ مشروع العودة إلى المدارس تختتم تنفيذ مشروع العودة إلى المدارس    التكدس في عدن وإهمال الريف.. معادلة الخلل التنموي    الحديدة والساحل الغربي: بين التحرير والمناورات الإقليمية    علي ناصر محمد: من حوض دماء 13 يناير إلى أحضان الحوثيين    الأمم المتحدة تكشف عن اعتقال موظفين جدد وصنعاء تشدد على الالتزام بمبادئ العمل الإنساني    انهض ايها الجبل    مقتل مواطن برصاص مجهولين في إب    وكالة: فرنسا تسعى لاعتقال الأسد و6 مسؤولين كبار سابقين    لم تعجب الطلاب لأنك شيبة ..!    ذمار.. القبض على امرأة سرقت أقراط طالبات صغيرات    تحذيرات من تزايد وفيات الحصبة والكوليرا بتعز    بدعم سعودي.. افتتاح محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في مأرب    اليمن تتأهل لنصف نهائي كأس الخليج للشباب بعد الفوز على الكويت    بلا حدود تسجل آلاف الإصابات بالإسهال المائي في إب والحديدة وتحذر من تفشي المرض    1749 حالة استقبلها المخيم الطبي المجاني بمجمع بني حوات    منتخبنا الوطني للشباب يتأهل لنصف نهائي كأس الخليج    الشاعر الدكتور محمد الشميري: الوصول لا يحتاج إلى قدمين    رسول للعالمين    البرقية التي لم يعلن عنها    اكتشاف يعيد فهم ممارسات طب الأسنان القديم    تطوير سماعة ذكية تكشف أمراض القلب في 15 ثانية    على هامش الذكرى.. إشهار كتاب "ثوار في رحاب الله" وزارة الثقافة وهيئة الكتاب تُحييان الذكرى ال26 لرحيل الشاعر الكبير عبدالله البردوني    بشرى النبوة    الرئيس الأمريكي كارتر يزور الصحفي بن سميط في منزلة بشبام    يا سر الوجود.. لولاك ما كان قدرٌ ولا إسراءٌ ولا دنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بجاش في حافة إسحاق
نشر في الصحوة نت يوم 22 - 06 - 2021

من بداية الدهشة ومنتهى الطريق للرحلة الأولى، من الكدرة إلى تعز، من القرية إلى المدينة، من الجبل إلى الحافة، من المعلامة إلى المدرسة، من الشواجب إلى السوق، إلى هناك حيث تختلف اللهجة والملبس ووسائل النقل، من مساءات القمر والنجوم وكتلي القهوة، إلى مساءات المقهى والرشفة الأولى للقهوة بدون سكر والدواوين المكتظة بالمقيلين، يطوف بنا العم بجاش في حافة إسحاق، والذي وقع تحت يدي حين صدوره ولم أكتب عنه انتظاراً لساعة خالية لا تأتي إلا بشروط لا وقت ولا متسع لذكرها الآن.

كان لزاماً على حافة إسحاق في مدينة تعز أن تستبشر بمقدم العاشق الذي مازال يصورها حكاية ونبض قلب، وأغنية، وذكريات ينقلها لكل من يعرفه ويقرأ له، أما من يستمع له وجهاً لوجه يدرك للوهلة الأولى أن بجاش كتلة من الحب لو وُزعت على اليمن لوسعتها، لا أعني هنا باليمن التي تعرفون بل اليمن التي في مخيلتي التي شكلها التاريخ قديمه وحديثه ومستقبله بكل متناقضات أحداثه التي وقعت ولم تقع بعد.

بجاش موسوعة اليمن الجمهوري، لا يتسع مقال ولا كتاب للتعريف به وبما يحمله من شوق للمكان، للقرى، للمدن، للسواحل، للإنسان، للزرع لأغاني الرعاة، لطابور الصباح. بجاش التعزي الجديد الذي يروى البدايات من كل شيء رأه، ينقلنا إلى عوالم حافة إسحاق وتعز بداية العصر الجمهوري، هناك في تعز اعتلى كرسي الحلاق لأول مرة، ورأى بقايا الجدري على وجهه وشعر بمقص أول حلاق يسرح ويجز شعره المجعد، وتخلص من قصات الشعر في القرية حيث ترسم الخرائط على الرأس، إذا أن الحلاقة في القرية ليست سوى قص الشعر بدون مشط وبدون تسوية.

يصف الحارة بيت بيت زقاق زقاق؛ المحلات، السكان، المساجد، المقاهي، ومخازن الحبوب، وكل هذا طبيعي لو أنه كتب الكتاب في 1962، لكنه كتبه في 2019، ويحكي الآن حكايات الماضي بدهشة شاهد الإسفلت لأول مرة في حياته. ستون عاماً مرت وبجاش محتفظٌ بذكرياته لكم، للأجيال الحالية والقادمة، سطر البساطة والحب والتاريخ المعاصر بكل سلاسة وعمق الكاتب المحترف.

وعلى غرار صاحب البلاد الذي استفتح رسالته لوالده المغترب ب "الأخ أباه" كتب بجاش رسالته الأولى إلى عمه في صنعاء مطلعها "الأخ عبد الحبيب" على غرار رسائل والده لأخيه، وهنا يذكر تبكيت والده له "لا أحد يخاطب عمه بالأخ"، ولأنه لا يريد اكمال الحديث المزعج هنا يترك للقارئ تخيل بقية الحوار. ينتقل الكاتب إلى نقطة أخرى ليصف شارع 26 سبتمبر بكل تفاصيله، وفي غب ذكرياته يروي ببساطة كيف تزوج والده زوجته الثانية، وعندما أخبروه أن والده فعلها، أجاب بكل عفوية "أحسن لأجل تنش معنا الجراد!" إجابة غير متوقعة، إنها برجماتية الفلاح الذي يحتاج إلى كثرة الأيدي العاملة في الأرض وأحياناً لمناوشة الجراد في السماء.

قرأتُ لكُتاب يكتبون بحميمية في بعض المشاهد، لكن صاحبنا سرد الحافة كلها بحميمية، ربما كتبها بردة فعل الحنين إلى الماضي أو ما يسمى ب "النوستالجيا"، ولديه كل الحق في استدعاء الماضي، فاليمن في 2019 ليس فيها ما يستحق للكتابة، في 1962 هناك تحققت المعجزة وكُسرت قيود السجان وانتكس الكهنوت ورُفعت راية الجمهورية وسمعت اليمن صوت جمال عبد الناصر، وعبر صوت أحمد سعيد الأثير ليصل إلى اليمن السعيد، تنفست اليمن الصعداء، وعرف الناس الموسيقى واتضح لهم معنى الوطن.

لا عليك يا أستاذ إذا غالبك الحنين لبدايات العصر الجمهوري، وأنت من غسلت الجمهورية بقلمك من خلال عملك الصحفي خلال رحلة حياتك المليئة بالتحديات، عديمو الخيال وحدهم من لا يحنون للجمهورية والثورة، ويرون أيامهم كلها سواء.
في بدايات عملي الصحفي لم أشعر بأحد يقدس الجمهورية والثورة كبجاش الأستاذ المدير والعم والمعلم الذي يُريك الطريق إلى حب الوطن والتفاني في العمل، الرجل يتذكر طلاب الأحمدية بالاسم، ويذكر أدوارهم في الثورة والجمهورية، لا يفرق بين حبه لشارع 26 سبتمبر في تعز، وشارع علي عبد المغني في صنعاء، يتذكر بالضبط كيف كافح اليمنيون الجهل والتخلف واتجهوا للتعليم، كيف قهروا الخرافة والتنجيم وتعلموا القراءة والرياضيات، كيف كان الناس يُجلون طلبة العلم الجدد، لا أحد يستطيع أن يروي تلك اللحظات اليمانية الفارق مثل الأستاذ بجاش.
العيد الأول في تعز للقروي المغترب عن قريته، أو للتعزي الجديد سيكون بدون فتة وطماش وبرع وطاسة، هكذا يُصور لنا صاحب حافة إسحاق مخاوف القروي في عامه الأول بعيداً عن جدته وعمته وكرنفال العيد في القرية، وأنت تقرأ في هذه النقطة بالتحديد سترقص ثالث ثالثة في بيت الشيخ قاسم بجاش الجد وستلوي الدرج راقصاً صعوداً ونزولاً مع قروي يأخذ حقه في البرعة قبل العيد بيوم، عندما أدرك أنه لن يقضي العيد بقرية الكدرة.

عن الشعبانية والليلة الأولى من رمضان، الإفطار والسحور، وليالي تعز البهية يصف صاحب الحافة المشهد بكل تفاني، ويسبقه بمشاهد رسوبه في الثالث الابتدائي، وبطاط المخلافية والبرادة، والعبادية، وعبده حبيبي صاحب السن الذهبية،

وعبدالله عبدان شيخ مشايخ الحجرية بالغصب وشيخ الجنس الأسود بالرضا، والمريسي صاحب الموتور، والجميلة حسونة مكتنزة الصدر، وحكايات مقهاية الإبي ومقهاية الشباب، وإخراج الطلبة لاستقبال السلال .. هذه المشاهد الحقيقية هي ما تصلح لتدارك الدراما التعيسة التي تنشرها القنوات في الموسم الرمضاني الوحيد، حيث يتأتى المتصنعون بنصوص تُكتب بعد المشهد لا قبلة، في تكلف تفضحه الكاميرا وتنقصه الأبعاد، والزوايا، ورحابة النص البديع والحكاية، يتعذرون بالسيناريوهات التي لا يجيدها الكُتاب في اليمن، فيقفزون لصناعة المشاهد بلا نصوص درامية، ولذا يُنتجون الخواء الذي يُنسى بمجرد انتهاء المسلسل.
وهنا إن كان من نصح للأصدقاء إن كانوا يسمعون، هذه الحافة بكل مشاهدها تنفع مسلسل من ثلاثة أجزاء، ثلاثة مواسم تجمع عصور ما قبل وبعد الثورة، تحكي المشيخ في تعز؛ قاسم بجاش، أمين عبد الواسع نعمان، ومحمد علي عثمان، وأحداث مرحلة صعبة مرت بها البلاد بعد الثورة، تحكي الإنسان، المكان، والزمان بكل بساطة سرد فيها من الأسماء والمشاهد ما يزيد عن حمل بعير، فقط تحتاج إلى إعادة فرز المواضيع وفهرسة موضوعية وتوزيع السيناريو الموجود في ثنايا هذا المنجم والنص الخام.

"إلى المخلافية والعبادية وأنيسة محمد سعيد، إلى تقوى غالب، إلى تعز المبتدأ والمنتهى" أهدى الأستاذ بجاش هذا العمل الجميل ومن سواه يذكر شريكة حياته ومعها من الناس العاديين في الإهداء؟ بجاش يكتب للإنسان بدون حسابات ومجاملات، وحكى ما تيسير من سيرة المكان والإنسان، ومذكراته القديمة إن صح لنا التعبير، وتليها مذكراته في صنعاء في كتاب لم يصلني بعد " لغلغي في صنعاء" لعله يصل قريباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.