سكن قلوب الملايين، أحبوا طلعته على الشاشة الفضائية، استمتعوا بحديثه وبرامجه التي لاتُمَلّ، ولا عجب أن نرى تلك الجموع الحاشدة التي جاءت للصلاة عليه وتشييع جثمانه، ملأوا جامع الصالح، وازدحموا في ميدان السبعين، إنه الحب والتقدير الذي ربما افتقده في المؤسسة الإعلامية الرسمية، لكن عمقه ارتسم على كل تلك الوجوه الواجمة الحزينة التي وصلت من صنعاء وخارجها، إنه المُلْك الحقيقي، فقلما نجد مثل هذا الجمع لرجل لا سلطة له ولا جاه ولا مال، إنهم شهود الله في أرضه دفعهم الحب والوفاء لذلك العَلَم الذي فاض عطاءً وحباً وثقافة لكل الناس. يحيى بن علي علاو، نجم متألق في سماء الإعلام، جسد اليمن بكل مناطقها، هو جبلي تهامي، وشمالي وجنوبي، وريفي وحضري، استطاع أن ينقل الإعلام من دوائر الملق والزيف إلى آفاق الصدق والحقيقة، ومن المكاتب الرسمية والاحتفالات المصنوعة إلى أكواخ الفقراء، وكهوف المعاقين، وهموم عامة الناس في المدن والأرياف، أفرحهم، أمتعهم، أضحكهم، خدمهم، علّمهم، ثقّفهم، وعَظْهُم، نقل عاداتهم، وتقاليدهم، وألعابهم، وسماتهم.. كان كثيرون يظنون الإعلام لهواً وترفيهاً سمجاً، وأراده آخرون حريصون ومخلصون وعظاً وإرشاداً مباشراً، فجاء يحيى علاو ليقدم البديل الملتزم المفيد والممتع والجميل، فحيث يظهر هذا النجم الساطع لاتكاد تصرف نظرك عنه حتى يودعك هو، ويغادرك على أمل اللقاء، وقد قال أحد الإعلاميين العرب المتابعين للفضائية اليمنية في رمضان، ليس فيها إلا برنامج (فرسان الميدان الذي يقدمه علاو)!! (يحيى علاو) مدرسة خاصة وعامة في مجال الإعلام، لم يسبقه إليها غيره، وهو مع ذلك صاحب خلق عظيم، وأدب جم، وتواضع يخجل كل من يجلس إليه، مواهبه متعددة، ونظراته بعيدة، وخططه الإعلامية واسعة وعميقة، لكنه بقي في الظل، ولم تُستغل طاقاته، وكنا ننتظره وزيراً للإعلام اليمني يرتقي به وينهض برسالته، إلا أنه لم يجد من التقدير ما يستحق، ولا من الإنصاف ما يعطيه حقه، فذهب قبل أن يستفيد منه الوطن، بل ضاقت به ومنه قناته الفضائية الأولى لما طوى (يحيى علاو) البلاد شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، عاش مع الفقراء والمساكين بحث عن الذين إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا: رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً وعجائز، كأنها خطوات كان عليه أن يمشيها في عشرات السنين فاختصرها في سنوات وأيام من بطون الأودية إلى أعالي الجبال ومن سواحل البحار إلى أعماق الصحراء.. لقد حزنا لمرضك –ياأخانا الحبيب- وبكينا حزناً لفراقك وأنت تعاني سكرات الموت، وتألمنا لأننا في بلد لا يقدر المبدعين، ولا يرعى الجميل لأبنائه، ويتنكر لجهدهم وإخلاصهم، بل ينساهم حين يمرضون ويتعبون!! لكننا أيها الراحل الكريم من دنيانا الهزيلة –سنمضي بعدك نبحث عن الكرامة والعزة لأبناء شعبنا حتى لا يحتاج أحدهم إلى عطف محسن أو مكرمة من أمير أو زعيم، ولأولئك الذين تكفلوا بعلاجك والعناية بك كل التقدير والاحترام لأنهم قاموا بواجب كان أوجب على غيرهم، جزاهم الله ألف خير.. اللهم رحمتك وعفوك وعافيتك نسألك أن تنزلها على فقيدنا الغالي (يحيى علاو) اكتب اللهم أجره، وتقبل عمله، وتجاوز عنه، اجعله اللهم من الصالحين، واحشره في المهديين، واعصم قلوب أهله وذويه وأولاده وزملاء دربه بالصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.