ذكر الهجومين اللذين شنهما مسلحون تابعون لما يسمى جماعة"أنصار الشريعة",واستهدفا مواقع عسكرية للجيش في أبينومأرب يومي الاثنين والثلاثاء بحوادث مماثلة وقعت في السابق وأماطت اللثام عن ضلوع الرئيس المخلوع وقادة عسكريين محسوبين عليه وراء تلك الهجمات. وتربط تلك الهجمات التي تطال وحدات الجيش والأمن بخلفية بداية القصة التي شرحها صالح على الهواء مباشرة وأمام الرأي العام المحلي والعالمي عبر شاشة قناة العربية حين هدد صراحة إبان اشتداد خناق الثورة على عنق نظامه بان البديل في حال تخليه عن السلطة هو تنظيم القاعدة الذي قال انه سوف يسيطر على محافظات بعينها.
وما إن كانت عجلة الثورة تقترب تدريجيا من إزاحته من كرسي الحكم,إلا وسارع لتسليم مدينة زنجبار بمرافقها الأمنية ومقراتها الإدارية لمسلحي القاعدة أو حلفائه كما يطلق عليهم البعض,بعد أيام قلائل على تهديده,كي يثبت صحة تحذيراته.
وإذا ما نظرنا إلى أدوات ضمان بقائه في الحكم خلال السنوات الماضية,وزيادة معدل الرضا والمشروعيه لدى الخارج,وتحديدا أمريكا وبعض دول أوربا سنجد أن ورقة القاعدة كانت إحدى تلك الأدوات التي ضمنت له إلى حين مبرر البقاء من وجهة نظر الخارج,ودرت عليه كذلك أموالا طائلة جناها بحجة محاربة ما يسمى"الإرهاب",وهي تلك الورقة التي استطاع إلى آخر رمق التلاعب بها محاولا إقناع الغرب بأنه الشريك الأوحد والقادر على هزيمة أعضاء القاعدة في اليمن.
وهناك شواهد على انه شريك في صناعة القاعدة وليس محاربتها بدليل حوادث هروب معتقلي القاعدة من عدنوصنعاء من سجون الأمن السياسي المحصنة,ناهيك عن ظهور استهداف المصالح الأجنبية مع كل إطلاله لضغوطات داخلية أو خارجية تهدد عرش حكمه في السابق.
وحتى بعد أن أجبرته الثورة على التنحي عن سدة الحكم,واتى الدور على أقاربه وما أعقب تاريخ توقيع المبادرة الخليجية وصولا إلى تشكيل حكومة وفاق وطني وانتخاب رئيس جديد للبلاد,ظل كعادته يستخدم ورقة القاعدة في أكثر من مكان بغرض نشر الفوضى وإحداث الاختلالات الأمنية ليوحي للآخرين بان عهده كان أفضل وهو ما كان ينكشف عقب كل محاولة من هذا النوع.
وتدفع قناعة صالح بأنه صار خارج السلطة وانتهى بغير رجعه,إلى محاولات ظهور إعلامي وآخر على الأرض عن طريق تحريك مجاميع مسلحي القاعدة هنا أو هناك,وبهدف ابتزاز الشعب والمجتمع الدولي لضمان بقاء نجله وابن أخيه وأقارب له يمسكون مقاليد أجهزة عسكرية وأمنية خاصة تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتي انفق عليها ملايين الدولارات في إطار شراكة مع أمريكا.
ومع تصاعد الحديث عن إعادة هيكلة الجيش والأمن وما يرتبط بإقالة هؤلاء المحسوبين على عائلته,بالتزامن مع جملة قرارات وصفت بعضها بالشجاعة والجريئة اتخذها الرئيس عبدربه منصور هادي وشملت إقالة اللواء محمد صالح الأحمر من قيادة القوات الجوية وهو أخ غير شقيق لصالح,فضلا عن إقالة طارق ابن أخيه من قيادة الحرس الخاص ومن قبلهما العميد مهدي مقوله قائد المنطقة الجنوبية وآخرين,تزداد في المقابل وتيرة العمليات والهجمات التي ينفذها مسلحو القاعدة على وحدات الجيش في مدن عدة.
وفي مطلع مارس الماضي,أصدر رئيس الجمهورية القرار الجمهوري رقم (11) لسنة 2012م بتعيين اللواء سالم علي قطن قائدا للمنطقة الجنوبية قائدا للواء (31) مدرع خلفا اللواء مهدي مقولة والذي يتهم بأنه وراء الفوضى والانفلات الأمني في محافظة عدن والداعم الرئيس لما يسمى بتنظيم القاعدة في أبين ,وتعيينه في القرار الجمهوري رقم (10) لسنة 2012م نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة للقوى البشرية.
ولم يكد يمر سوى ثلاثة أيام على قرار الإقالة إلا ويشن مسلحو القاعدة هجوما يعتبر الأعنف والأكبر من نوعه على ثكنة الكود فى محافظة آبين راح ضحيتها أكثر من 185 جنديا مضافا إليها خسائر مادية تمثلت في استيلاء المسلحين على آليات وأسلحة في جريمة نددت بها منظمات حقوقية بينما اتهمت أوساط سياسية وعسكرية مقوله بتدبير الهجوم عن طريق التسهيل للمسلحين وغض الطرف عن المعلومات التي كانت تحذره من هجوم وشيك لكنه صم أذانه ولم يكترث لوقوع الكارثة التي اعتبرت "خيانة عظمى",تستحق سحب الحصانه من صالح ومقوله بعد ارتكابهما لها كما قال العميد عبدالله الناخبي أمين عام الحراك الجنوبي في تصريح سابق ل" الصحوة نت".
وكشفت شهادات جنود حينها عن "مؤامرة", وقال أحد هؤلاء الجنود "إنها مؤامرة؛ لأننا هوجمنا من الوراء مع تواطؤ قسم من الحرس الذين سلموا أسلحتهم وسياراتهم إلى المهاجمين". فيما اتهم الضابط فى الجيش عسكريين موالين للرئيس السابق بالتواطؤ مع المهاجمين.
وكانت اللجنة العسكرية الخاصة بالتحقيق بأحداث أبين الأخيرة,أكدت بتقرير لها تناقلته وسائل إعلام تواطؤ مهدي مقولة ,أحد القادة العسكريين الموالين لصالح, مع مسلحي القاعدة والتقصير بالنشاط الاستخباراتي العسكري، وعدم الاستعداد الكافي لمواجهة كل الاحتمالات، الأمر الذي أدى إلى مقتل قرابة 185 جندياً ووقوع 73 آخرين أسرى بيد القاعدة . ويرى الدكتور عادل الشرجبي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء,أن هجوم القاعدة على المواقع العسكرية في أبينومأرب يعيد إلى الأذهان تهديد صالح للشعب بالقاعدة في حال تخلى عن السلطة منتصف العام الماضي.
وبعد أربعة أيام من القرارات الرئاسية التي أصدرها الرئيس الجمعة وقضت بإقالة قادة عسكريين بينهم محمد صالح الأحمر وطارق محمد عبدالله صالح من القوات الجوية والحرس الخاص على التوالي,لتعود الهجمات الدموية على قوات الجيش إلى الواجهة مجددا,وتخلف قتلى وجرحى جراء هجومين نفذهما مسلحو القاعدة على مواقع عسكرية في لودر ومأرب.
وبعد يوم دام راح ضحيته 14 جنديا في لودر بابين,لقي 8 جنود مصرعهم في هجوم شنه مسلحون من القاعدة على نقطة عسكرية نقطة عسكرية بمنطقة الضويبي القريبة من العبر الواقعة على الحدود بين محافظتي مأرب وحضرموت الثلاثاء.
وربط الدكتور عادل الشرجبي في تصريح ل"الصحوة نت",بين هذه الهجمات وبين تهديد صالح بسيطرة القاعدة على عدة محافظات,معتبرا ما يجري من استهداف للجيش امتداد طبيعي لذلك التهديد. وأضاف في اتصال هاتفي, انه ومع كل خطوة يتم بموجبها إزاحة احد أقاربه من السلطة يلجأ إلى تفعيل ورقة القاعدة والإيعاز لمجاميع قال إن التسمية الحقيقية لها هو "أنصار صالح",بدلا من أنصار الشريعة كما يطلق عليهم.
وأشار إلى أنه يحاول استخدام هذه المجاميع لضرب وشن هجمات على وحدات الجيش في أبينومأرب وحضرموت بهدف الاستيلاء على آلياتها وأسلحتها تمهيدا للسيطرة على مدن ليؤكد صحة مقولته. لكن الشرجبي قال إن هذه المحاولات تؤكد انه أصبح يدرك يقينا انه خارج مع أسرته من السلطة وكل ما يسعى إليه هو إلحاق مزيد من الخسائر وابتزاز الجيش المؤيد للثورة.
وأشاد الشرجبي بدور اللجان الشعبية المشكلة من قبل سكان مديرية لودر لحماية مدينتهم من اجتياح عناصر جماعة أنصار الشريعة الذين حاولوا السيطرة عليها وضمها إلى نفوذهم.
وقال الشرجبي إن أول خطوة يتعين على الرئيس عبدربه منصور هادي اتخاذها هي مواصلة إزاحة أقارب صالح وإجراء تغييرات في القيادات العسكرية والأمنية تمهد لإعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية ومهنية.
وأثنى على القرارات الجمهورية التي اتخذها الرئيس مطلع الأسبوع وشملت إقالة قادة عسكريين وتعيين خلفاء لهم واعتبرها خطوة مهمة يتعين استكمال مسيرتها على ذات النهج. وطالب بإعادة دمج الوحدات العسكرية التي بنيت لحماية كرسي الحكم واستيعابها في إطار الجيش الوطني مع تحريرها من القيادات العائلية.
وفي حين تخوض ألوية من الجيش مواجهات مسلحة مع مسلحي القاعدة الذين يخوضون حرب عصابات,منذ منتصف العام الماضي في محافظة أبين,ترابط قوات مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة في أماكنها بالعاصمة صنعاء,دون أن يتم إشراكها في معارك هي من صلب مهامها وتندرج ضمن طبيعتها التي نشأت عليها.
وفي هذا الاتجاه يذهب المحلل السياسي اليمني المقيم في بريطانيا الدكتور محمود العزاني في تساؤله عن فائدة بقاء قوات مكافحة الإرهاب التابعة للحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي في العاصمة صنعاء؟! دون القيام بالدور المناط بها في محاربة القاعدة والجماعات الإرهابية في أبين.
ودعا العزاني خلال حديث له ل"البي بي سي",رئيس الجمهورية إلى إصدار قرار بإقالة بقية أقرباء صالح من هذه الوحدات وتحريرها من سلطتهم وتوجيهها بعد ذلك للقيام بمهمتها التي أنشئت من أجلها وهي محاربة الإرهاب وليس البقاء في العاصمة صنعاء.
وأضاف:" تواجد هذه القوات في صنعاء حتى قبيل انتخابات 21 فبراير الرئاسية كان هدفه الحفاظ على الكرسي والحاكم، لكن الآن لا يوجد أي مبرر لبقاء هذه القوات في العاصمة وهناك معارك شرسة تدور في أبين، خاصة أن هذه القوات متخصصة في هذا المجال وتم تدريبها وإنشائها لمثل هذه المهام".
ويرى محللون ومنهم الدكتور عادل الشرجبي أن اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة تطيح بالقادة العسكريين المحسوبين على صالح والذين ثبت تورطهم في إلحاق خسائر بالجيش أو تأكد تقصيرهم في مهامهم من شان أبعادهم من مناصبهم وضع حد لما يسمى" أنصار الشريعة",باعتبار مسلحيها يتلقون الدعم والتسهيلات من هذه القيادات,وهو ما سيحرمها بعد إقالتهم.