حلّ الثاني والعشرون من مايو، عيد الأعياد الوطنية، في ظل تفاقم معاناة اليمنيين الذين يصارعون الأزمات المتعددة، التي تغذيها مليشيا الموت والإرهاب المدعومة من إيران. ورغم كل التحديات، بدت الوحدة في ذكراها الخامسة والثلاثين أكثر صلابة، مع تنامي الالتفاف السياسي حولها، وتجدد الإيمان الشعبي بضرورة استمرارها، كقدر وطني لا بديل عنه مهما اشتدت العواصف. وحدة شراكة لا هيمنة وإقصاء تجلى هذا الزخم الوطني في أصوات المواطنين قبل خطابات السياسيين، وفي بيانات القيادات والنخب، قبل منشورات النشطاء والإعلاميين، والتي عبّرت عن اعتبار الذكرى محطة لتجديد العهد، وتوحيد الصفوف، وتوجيه الأنظار نحو الخطر الداهم الذي يهدد اليمنيين جميعًا: أرضًا وإنسانًا، وهويةً وعقيدةً وكرامة. في هذا التقرير، يرصد "الصحوة نت" ملامح هذا التوافق، الذي لا تشوشه طموحات الطارئين، ولا محاولات إعاقة حركة التاريخ، أو إعادة البلاد إلى عصور التشظي والرجعية والكهنوت. وفي خطاب رسمي بالمناسبة، شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي على أن التجارب المريرة، خاصة بعد انقلاب الحوثيين، أثبتت أن "بناء اليمن الحديث يتطلب حماية النظام الجمهوري، وترسيخ التعددية، وبناء وحدة عادلة ومتوازنة تقوم على الشراكة والمساواة". وأضاف أن "الوحدة التي نؤمن بها، هي وحدة من أجل الدولة لا المليشيا، من أجل الجمهورية لا الإمامة، من أجل المواطنة والتنوع لا الإقصاء والهيمنة". وأوضح العليمي أن مليشيا الحوثي هي التي تحاول فرض الانفصال بقوة السلاح، مؤكدًا أن الخيار العسكري سيظل مطروحًا في حال استمرت في رفض الإرادة الشعبية وتمردها على التوافق الوطني. وتعهد بالمضي في "معركة استئصال جذور المشروع الحوثي الإمامي، باعتباره تهديدًا وجوديًا للجمهورية، والأمن، والنسيج الاجتماعي، والهوية اليمنية". ليست شعارًا يُخلع أو صفحة تُنزع وأقرّ محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو بعمق التحديات التي تواجه اليمنيين، نتيجة الحرب وتراجع دور الدولة والانهيار الاقتصادي وتدهور الخدمات، داعيًا إلى موقف وطني جامع ومسؤول. وقال بن عديو إن 22 مايو 1990 مثّل "حدثًا مفصليًا في تاريخ اليمن، تحقق فيه الحلم الذي ناضل لأجله اليمنيون طويلًا". واعتبر أن قرار الوحدة "كان الأكثر صوابًا بين جملة من الأخطاء"، مؤكداً أن الوحدة رغم ما تعرضت له من إساءات، تظل المشروع الأقدر على جمع شتات الوطن متى ما أُزيلت عنها شوائب الماضي. وأضاف: "الوحدة ليست مناسبة للاحتفاء العابر، ولا وثنًا يُقدس، ولا شعارًا يُرفع حينًا ويُطوى حينًا آخر، بل هي عقد اجتماعي جامع، وأمل أجيال، ومنظومة قيم تقوم على العدالة والمواطنة المتساوية". وأكد أن الوحدة "تتناقض مع كل دعاوى الوصاية والاستئثار، وترفض السلالية والمناطقية والعنصرية، وكانت وستظل ملاذًا لليمنيين في طريقهم نحو الاستقرار". وحدة القلوب والمصير من جهته، أشار نائب الرئيس الأسبق الفريق الركن علي محسن الأحمر إلى أن الوحدة اليمنية كانت حلمًا شعبيًا متجذرًا، تكرّس قبل الإعلان عنها في شكل نضال مشترك وتلاحم وطني، ضد الإمامة والاستعمار. ولفت إلى أن "حصار السبعين يومًا لصنعاء أظهر أن اليمنيين جسد واحد، وأن الجغرافيا والدماء والغايات كانت واحدة"، مستشهدًا بتكاتف صنعاء وتعز وعدن وكل مدن اليمن. وأضاف الأحمر أن الوحدة حين تُقترن بالإرادة والرؤية، تفتح آفاق التنمية والتقدم، كما هو الحال في تجربة مجلس التعاون الخليجي، مؤكدًا أن بناء الدولة اليمنية الحديثة مرهون بإدراك شعبي وبتكامل وطني شامل. الناشط الجنوبي "هاني البيض"، نجل نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض، علّق على خطاب العليمي بوصفه "خطابًا تاريخيًا متزنًا، يشكل تحولًا نوعيًا في خطاب الشرعية اليمنية". وأشار إلى أن الرئيس "خاطب الجنوب بندّية واحترام، واعترف بالاختلالات الماضية، وأكد أن الوحدة لا تعني الإلغاء بل الشراكة والتوازن"، معتبرًا أن هذا النهج يمثل "نضجًا سياسيًا متقدمًا، وتوجهًا نحو مصالحة حقيقية تبدأ بالاعتراف وتنتهي بشراكة عادلة". وأكد البيض أن "الخطاب حمل واقعية ووعيًا عميقًا بمآلات المرحلة، وطمأن الجميع بأن الوحدة لا تعني الضم والإلحاق، بل الاعتراف بالتعددية والخصوصية"، داعيًا القوى السياسية إلى مجاراة هذا الخطاب والتفاعل الجاد مع القضية الجنوبية. النائب شوقي القاضي أشاد بالرئيسين السابقين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، وبالقيادات التي مهدت للوحدة، وبالدور الإيجابي الذي لعبه الحزب الاشتراكي اليمني في ترسيخ مفاهيم الوحدة في التعليم والثقافة. أما وزير الأوقاف محمد شبيبة، فقد اعتبر الوحدة "دعوة للعدل والمشاركة لا للغلبة والقسر"، مشددًا على أن "الأوطان تُبنى بالشراكة والمصارحة والعدالة، لا بالإقصاء والهيمنة". لماذا نحتفل بالوحدة؟ قال وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان: "نحتفل ب 22 مايو لأننا نؤمن أن لا سبيل لاستعادة الجمهورية والمستقبل إلا في ظل اليمن الكبير الذي يعترف به العالم". وأكد أن "الصغار وحدهم يريدونه ممزقًا، لأن التقسيم يعني وداع الجمهورية، وسقوطًا في أحضان الإمامة المتربصة". بدوره، اعتبر عضو مجلس الشورى صالح باتيس أن ذكرى الوحدة تمثل "محطة في طريق استعادة الدولة اليمنية الواحدة، دولة اتحادية عادلة من ستة أقاليم". فيما قال الشيخ حميد الأحمر، عضو الهيئة العليا للإصلاح، إن الذكرى تحل "وسط آمال متزايدة بانتهاء انقلاب الحوثي، ورفض شعبي واسع لمشاريع التمزيق التي تغذيها قوى خارجية". كما صدرت تغريدات وبيانات من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح وعبدالله العليمي، ومحافظين وقيادات أمنية وعسكرية، وبيان رسمي من التكتل الوطني للأحزاب السياسية، الذي أكد أن "الوحدة هي المظلة الأوسع لعبور اليمنيين نحو مستقبل خالٍ من المليشيات والانقسامات". وفي ظل الزخم الشعبي والرسمي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وصور وفيديوهات، عكست الأمل بذكرى الوحدة، والتوق لاستعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب، وحل القضايا العالقة. وكان انقلاب ميليشيا الحوثي في سبتمبر 2014م، على الحوار الوطني ومخرجاته، والمرجعيات الوطنية، والقرارات الدولية، قد عرقل المرحلة الانتقالية، واستكمال التغيير عبر السياسة والسلم، الذي رعاه الأشقاء في الخليج عبر المبادرة الخليجية، مما أدخل البلاد في أتون حرب مستمرة، أخّرت الوصول إلى يمنٍ موحّد ومستقر، وهو الهدف المنشود لكل اليمنيين.