بينما يُعد كتاب التبيين في المانع رسالة فإن القواعد التي نتناولها هنا هي وثائق عملية لا تُحدد نقاطًا قانونية معينة فحسب بل تُعبر أيضًا عن تشكيل سياسي بين الموقعين ولهذا السبب جزئيًا تبدو أشبه بمدونة ورغم قلة المبادئ العامة المُحددة وعدم الادعاء بأنها شاملة فإن النقاط المتفق عليها تنطبق على كل من يلتزم بالميثاق، وكما يقول رجال القبائل في بارات فإن القواعد أشبه بدستور ومن السمات الأساسية للوثائق في الواقع قوائمها الطويلة من الضامنين الذين يُلزمون أنفسهم بدعم الاتفاقية نيابةً عن أنفسهم وعن رجالهم حيث يعملون جميعًا معًا للحفاظ على مجموعة من القواعد بحيث قد يُغري المحامين باستخدام عبارة السيادة القانونية لكن ميثاق بارات لم يكن دولة في طور النشوء وإنما كان ذلك ارتباطًا سياسيًا من نوع خاص لا بد أنه تكرر بشكل أو بآخر في اليمن وهو ما تميل تواريخ الدول أو الحكام والتعلم الرسمي إلى حجبه بشدة. عُرضت عليّ لأول مرة نسخة من النص الرئيسي قرب سوق العنان جبل بارات في سبعينيات القرن المنصرم وسُمح لي بتصويره ونسخه يدويًا ثم بمرور الزمن شعرتُ أنني قد استوعبتُ الوثيقة بشكل عام ولكن بقيت عدة فقرات لم أكن واثقًا من إعادة صياغتها أو ترجمتها قُدّمت نسخة مطبوعة كملحق عام 1982م والتي أُودعت في المركز اليمني للبحوث والدراسات وتُرجمت بعض الفقرات من الأطروحة للتوضيح واستُخدم بعضها لاحقًا في مقالات وفي دراسة عن القبائل الشمالية وقد ظهرت نسخ أخرى على مر السنين ولكنني لم أبحث عنها وحاولتُ التوفيق بينها إلا أن النص النص نفسه قد ظهر مؤخرا، أيضًا في عام 1985م وهذه المرة وبشكل مفيد للغاية كنسخة مصورة من نسخة مكتوبة بخط اليد ولكن دون أي تعليق أو شرح ثم ظهرت نسخة مطبوعة باللغة العربية في عام 1986م كجزء من دراسة للعدالة القبلية وهذا هو نفس النص بوضوح الذي نسخت منه نسخة في بارات ويقدم أبو غانم نسخة وثيقة الصلة وللأسف لا يشير المؤلف إلى مصدر نسخته الخاصة وفي عدة نقاط إما هو أو الشخص الذي كتب له النسخة قد حرف النص في اتجاهات تشير قواعد اللغة العربية القياسية إلى أنها قد توضح المعنى أو تسمح للمرء بتحليل الجمل فإن لغة الوثيقة تثير صعوبات أعتقد أن قراءاته وتفسيراته ليست كلها سليمة. إن إيجاد مساعدة مُستنيرة في تفسير النصوص بين رجال القبائل في أماكن أخرى غير بارات ناهيك عن إيجاد مساعدة في صنعاء أمرٌ صعب فكثيرًا ما يجد المرء نفسه بحاجة إلى معرفة محلية من سكان المنطقة التي كُتبت فيها الوثيقة وحتى هؤلاء كما يجب أن نتذكر دائمًا منفصلون عن النصوص الحالية بأكثر من قرنين وتتفاقم المشكلة بسبب الطريقة التي يستخدم بها قضاة القبائل أو المُحكمون الوثائق المعاصرة غالبًا كمساعدات للذاكرة إن جوهر المقصود هو المهم وليس تفاصيل المعنى النحوي؛ ومعظم الناس المُتمرسين في العرف غير مُعتادين على تحليل الجمل الوضع الأمثل إذن هو وجود شاب حاضر ربما لا يملك أدنى فكرة عن العادات لكنه يعرف قواعد النحو بشكل تقريبي ويمكنه أن يُشير مع احترامه لعمه أو جده إلى وجود كلمة أو حرف ناقص وجدّ لا يملك إلا فكرة ضئيلة عن قواعد النحو الرسمية لكنه عاش ذات يوم في العالم الذي تشير إليه الوثيقة هذا أحد تلك المواضيع التي إن لم تُعالج بعناية تُرهق الجميع بجهل الآخرين وتتفاقم المشكلة بسبب ضعف معرفتي باللغة العربية الفصحى حيث قد نجد فيها العديد من الكلمات التي يُفترض أنها لهجية لو امتلك المرء سعة المعرفة كانت أول محاولة حقيقية على حد علمي لشرح جميع المقاطع الجوهرية من الوثيقة جميع النصوص المتاحة حول سوق العنان حديثة ولا يمكن التحقق بدقة من تواريخها إلا أن بعض الملاحق تشير إلى إصدارات سابقة مما يدل على وجود نسخ متتالية مستندة إلى اتفاقيات قديمة وتشير النصوص إلى قواعد السوق أو قاعدة الحرام وهي وثيقة تنظم السوق وتحميه خاصة في سوق العنان الذي يقع في جبل بارات تحت سيطرة ذو محمد. يؤكد نص (أ) على استمرار صلاحية الاتفاقية الأصلية رغم عدم العثور حتى الآن على الوثيقة المحددة كما أن تاريخ تأسيس السوق غير معروف بدقة وقد لا يكون تحديده ذا أهمية كبيرة بسبب الانقطاعات المتكررة للأسواق حيث توجد أسواق مهمة أخرى في المنطقة مثل سوق الرجوزة في ذي حسين وسوق المحجر شرقًا في وادي خب ولا يبدو أن قبيلتي آل سالم والعمالسة لديهما أسواق أسبوعية خاصة يُقال إن تركي خراسان ذو الحسين امتلك قاعدة لسوق الرجوزة تعود لعام 1206ه الموافق (1791- 1792م) مما وضعه تحت حماية ذي حسين وذو محمد ومن المحتمل وجود وثائق أخرى ذات صلة في بيت البحر بذي زيد لكن من غير المؤكد ما إذا كانت هناك اتفاقية مشتركة لحماية سوق العنان وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقيات القبلية قد تتداخل أو تتعارض فيما بينها.