أحمد سيف حاشد رغم أنني في العقد السادس من عمري؛ ولكنني أحسست في لحظة مؤثرة أنني طفل في عمر السادسة.. اختلطت مشاعري الستينية بمشاعر طفولة غادرتها ولن تعود..! حدث هذا في ذروة معاناة جمة وحياة مرهقة عشتها في نيويورك.. كنت ابحث في الغياب عن أمي الراحلة لأرمي راسي في حضنها وأبكي فيه من وجع وقهر حتى الموت.. اليوم وجدت أمي وأبي وأخي وصديقي وجميهم يشدون ازري ويرفعون معنوياتي. وجدت ثلاثة في واحد، بل قل عشرة في واحد.. إنه أحد الأصدقاء النادرين الذي جمعتني به صدفه قدرية عجيبة أتكتم هنا عن ذكر أسمه خيفة أو توجسا من ضغط ما يفرض عليه، أو عين خبيثة تصرعه، أو وشاية أخبث تتسلل إليه أو فعل شائن يدركه.. إنه إنسان كثيف الطيبة ومرهف الإحساس وحاد الذكاء. يطل على أو يتصل كل يوم أكثر من ثلاث مرات.. يسألني: ماذا تريد .. ماذا تحتاج..؟؟ يسألني كل يوم عن حاجتي من كبيرها إلى أصغر التفاصيل.. عندما يفطن خجلي يبادر بفرض الخير أمرا واقعا؛ ليرفع عني الحرج والخجل اللذان يسكنناني. رغم أن صداقتنا مازالت حديثة عهد، ولكنها صارت متينة وتزيد كل يوم دون نقصان. لمساته البسيطة تركت في نفسي وشما عميقا لايزول.. نبله وشهامته وحميمية صداقته أثارت في وعيي ووجداني محبة طاغية. يعلمني كيف انتظر في الطريق إشارة المرور.. يرشدني إلى ضرورة احترام قانون البلد التي أعيش فيه.. يعلمني كيف أتعامل مع مكينة الحلاقة.. يصنع لي السندوتشات بيده وعنايته.. يصطحبني في رحلاته ونزهاته مع أبنائه، بل ويرعاني كواحد منهم. أهداني سجادة دون أن يفرض علي صلاة أو إمامة.. لا يضيق من انتقاداتي.. يحترم خصوصياتي.. لا يحجر على رأيي ولا يؤاخذني عليه.. لا يتعامل معي كضيف ويطالبني بآداب المضيف، بل يعتبرني صديقا عزيزا وأخ أكثر من حميم.. يقاسمني حزني وفرحي.. يشد أزري ويأخذ بيدي ويمنحني مساحة أمان أحتاجها لروح متعبة.. يأسرني بدماثة أخلاقه وفائق إحترامه. لم يفرض ولم يحاول يوما فرض رأيه أو موقفه السياسي ولا ينتقص مما أراه.. يحافظ على المسافات التي يجب أن تكون بيننا، ويحترم حق الانتماء والاختيار.. يرفض النسخ واللصق وفرض القناعات.. لا يحمل في نفسه عقدا أو حقدا أو ضغائن .. إنسان حكيم وسوي يتعامل معي كإنسان خلق حرا وحقه في الحرية حق أصيل إلى أن يموت. ودود ومحب.. لديه كاريزما حافلة بالحضور .. رجل عملي إلى حد بعيد.. يكد ويأكل من عرق الجبين.. يعمل ويكدح كل يوم ساعات طوال.. يحرص في زحمة عمله أن يطل علي بإشراقة بهية ومعروف يدوم. تأسرني طيبته وتواضعه وجمال روحه.. كل جميل الدنيا لا تكفيه، ولا لغة قادره على وصف مافيه من حمد الخصال، ولا مابقي لي من عمر قادرا أن يوفيه حقه.. أنظر إليه كهبة من القدر بعد سلسلة معاناة قاسية وحياة نازفة عشتها في نيويورك. صرت أنظر إليه كدعوة مستجابة لإنسان أحسنت إليه، أو "كارما"و رد جميل قد نسيته ولم ينساه القدر حتى رده إليّ بأضعاف مضاعفة.. أنا سعيد به للغاية في مواجهة التحديات التي تواجهني، وبقدر يسندني حالما تضيق علي الأرض، وفرجا عندما يشتد خناق الخذلان.