ما إن يبدأ الهبوط التدريجي إلى مطار الملك خالد حتى تبدو مدينة الرياض مبهرة، متلألئة، واسعة. الرياض أكبر من مدينة، يدهشك منظرها من الجو لتبدو إحدى مدن الخيال. فهي مدن متناسقة تمتد لأكثر من 100 كيلو من الشمال إلى الجنوب، حيث يربط المدينة طريق الملك فهد كعقد من لؤلؤ مرصع بالأبنية المتناسقة والأبراج العالية. ومثلها تقريبًا من الغرب إلى الشرق، تتوسطها طريق مكة، وهي تتوسع باضطراد سريع ومنظم على إيقاع مشروع الأمير محمد بن سلمان 2030م الجاري على قدم وساق، ويبدو أنه سيسابق الزمن بسرعة الرياح. مشروع يتحرك على مدار الساعة، يسابق الصوت ويزاحم الضوء، تلمس آثاره وأنت تمشي وسط شوارع الرياض والمؤسسات العامة والخاصة، حيث التحفز إلى الأمام والنظام الذي يضبط إيقاع هذا التحرك السريع إلى المستقبل. في المدينة حركة مكتظة بالناس وملايين العربات والنظام الدقيق كعقارب الساعة، لتثبت أنها عاصمة عربية تسير بسرعة فائقة، بعيدًا عن فوضى العالم الثالث، مشاريع ونوافذ اقتصادية. وبنية تحتية وعلى هذه الوتيرة ستجعل من النفط موردًا احتياطيًا في باطن الأرض. أخذني صاحبي إلى أنفاق القطارات تحت الأرض او قل شبكة الطرقات تحت الارض قائلًا: "تعال معي لنرى ماذا جرى من تحولات ومشاريع عملاقة". تدخل الأنفاق لترى نظام حديث وتنظيم سلس، قطارات ضخمة تسير على الذكاء الصناعي تنقل الناس إلى كل نقطة في الرياض عبر محطات موزعة بعناية على كل الاتجاهات. وفي كل ثلاث دقائق يمر قطار يحمل الناس إلى أماكن أعمالهم وبيوتهم. واضاف صاحبي العائد للتو من لندن: "هذه القطارات أحدث بكثير من قطارات لندن". أصبحت هذه المحطات وسيلة نقل مريحة وسريعة ضد الزحام والإعاقة ووسيلة سياحية ايضا ، فالكثير يقصدونها بهدف السياحة والإبهار. الرياض مدينة مكتظة حد الاختناق ، فالشوارع مليئة بالحركة وازدحام السير في كل وقت، مدينة لا تنام. وإلى جانب الشبكة تحت الأرض هناك شبكة طرقات ضخمة فوق الارض قطارات وباصات كهربائية تسير بخطوط خاصة. ومع كل هذا ما زالت الشوارع مزدحمة ، يخفف منها النظام الدقيق وانضباط الناس بفعل المراقبة الحديثة وعدم التساهل مع المخالفات. الدولة هنا حاضرة والناس تحترم النظام، ورجل مرور واحد يفرض هيبة الدولة بقوة، فالدولة هيبة والهيبة قانون ورموز للنظام تحترم وتضبط الحركة وتستقيم الحياة ، وبها تتقدم الحضارات. هذه المظاهر وراءها دولة صاعدة في كل المجالات تؤهلها لتحجز مكانها تحت الشمس بجدارة، لتأخذ معها المنطقة إلى دائرة أوسع في عالم يهرول إلى المستقبل ولا مكان لمن يهوى النوم ويعشق التثاؤب على الأرصفة الترابية.