اجتاحت مدينة سيئون في وادي حضرموت موجة غير مسبوقة من أعمال النهب والاقتحام، بعد ساعات من دخول تشكيلات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي من خارج المحافظة، في مشهد أظهر انهيارًا كاملًا للمنظومة الأمنية وغيابًا تامًا لسلطات الدولة عن حماية المؤسسات والممتلكات. تركّزت الانتهاكات على المقرات الحكومية والممتلكات العامة، بالإضافة إلى محلات تجارية مملوكة لمواطنين من المحافظات الشمالية، واظهرت عشرات المقاطع المصورة دمارًا واسعًا لحق بالمكاتب والمستودعات والوثائق الرسمية.
مصادر محلية أكدت أن الاعتداءات شملت مباني خدمية ومستودعات تضم تجهيزات إلكترونية وأثاثًا تابعًا للدوائر العامة، في حين قال موظفون حكوميون إن الخسائر تحتاج إلى شهور لحصرها، قبل الحديث عن التعويض أو إعادة التأهيل.
من بين المشاهد الأخطر، اقتحام مسلحين لغرف تشغيل داخل مطار سيئون الدولي، ونهب معدات حيوية منها بطاريات ولوحات كهربائية ودوائر اتصالات. ويُظهر أحد المقاطع صوت مسلّح يقول لزميله من داخل المطار: "نهبنا المعدلات والبطاريات والتلفزيونات.. تعال إذا تريد تأخذ"، في مشهد يختزل حالة الفوضى والانفلات.
تداعيات خطيرة
وحذر خبراء أمنيون من أن المعدات والأسلحة المنهوبة قد تقع في أيدي جماعات إرهابية أو تُستخدم في عمليات تخريبية، ما يهدد بزيادة هشاشة الوضع الأمني في المحافظة، ويضاعف من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون والمؤسسات الحيوية.
بالتزامن مع الفوضى التي اجتاحت المؤسسات الحكومية، شهدت مدينة سيئون عمليات اقتحام ونهب طالت عشرات المحلات التجارية، وتركّزت بشكل خاص على المحال التي يملكها مواطنون من المحافظات الشمالية.
وفي حين أكد تجار تحدثوا ل"الصحوة نت" – أن أبواب محلاتهم كُسرت، وتمت سرقة بضائع وأموال نقدية، واصفين ما جرى بأنه "عملية سلب منظمة غير مسبوقة في تاريخ المدينة"، أفاد سكان محليون بأن عمليات النهب استمرت لساعات، وطالت منازل ومحلات تجارية ومقرات حكومية، وسط غياب تام لأي تدخل أمني أو رسمي.
المتابعة الدقيقة للمقاطع المصوّرة، إلى جانب شهادات التجار والموظفين والسكان، تشير إلى أن ما حدث لم يكن مجرد حوادث فردية، بل سلوك منظم يعكس حالة تفكك أمني شامل. كما أن النمط الواضح في استهداف تجار وملاك من المحافظات الشمالية، إلى جانب نهب غرفة التشغيل في المطار، يعكس خطورة الحدث على مستوى المدينة ومؤسساتها الحيوية.
مواقف رسمية تدين وتعد بالمحاسبة
في أول تعليق رسمي، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، مسؤولية الدولة في حماية المواطنين ومؤسساتها، مشددًا على ضرورة محاسبة المتورطين في أعمال العبث والنهب. ووجّه العليمي بتشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات التي طالت مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر.
كما دعا العليمي إلى دعم حكومي وسعودي لتلبية احتياجات أبناء حضرموت، وخاصة في مجالات الكهرباء والمرتبات، مؤكدًا أن مواطني المحافظة يتطلعون إلى "حياة هادئة بلا منغصات".
من جانبه، طالب محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، يوم الخميس، قوات المجلس الانتقالي القادمة من خارج المحافظة بمغادرة حضرموت، مؤكدًا أن الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية قادرة على تأمين وادي حضرموت وبقية المناطق دون الحاجة لقوات خارجية.
الخنبشي حمّل القوات الوافدة مسؤولية أعمال النهب التي شهدها الوادي، واصفًا تلك التصرفات بأنها "لا تليق بهم"، مشيرًا إلى تواصله المباشر مع قيادة المجلس الانتقالي لوقف الانتهاكات.
وأوضح المحافظ أن الأزمة بدأت عندما اقتحمت مجاميع تابعة للشيخ عمر بن حبريش منشآت تابعة لشركة "بترومسيلة"، بالتزامن مع دخول قوات من الانتقالي إلى المحافظة. ولفت إلى التوصل إلى اتفاق مع بن حبريش يقضي بخروج تلك المجاميع من المنشأة، وعودة قوات الحماية لمهامها.
وأضاف أنه طرح ملف انسحاب القوات المستقدمة مع قيادات الانتقالي، مؤكدًا ضرورة إعادتهم إلى مناطقهم، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن قوات الأمن في سيئون قادرة على فرض الأمن، ويمكن تعزيزها بقوات النخبة الحضرمية.
وثمّن الخنبشي الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية، واللجنة الخاصة التي وصلت حضرموت لمتابعة التطورات، مؤكدًا أنه على تواصل دائم مع الأطراف المحلية والأشقاء في المملكة، ومعربًا عن أمله في أن تسهم الجهود المشتركة في إعادة الاستقرار للمحافظة.