اتجهت أنظار العرب والمسلمين إلى مصر الكنانة, حبسوا أنفاسهم وهم ينتظرون الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات الرئاسية, أسبوع مرّ بطيئا كسنوات, هل ستعلن إرادة الناخبين كما أرادها الشعب المصري؟ أم ستعود المسرحيات المفضوحة والمملّة؟ وفي الديباجة الطويلة للإعلان ازداد الترقب والقلق, فقد توقع كثيرون أنها مقدمة لإبطال الانتخابات مثل ما تم حل البرلمان – استباقا للانتخابات الرئاسية - والتشطيب بجرة قلم على نحو ثلاثين مليون صوت انتخبوا مجلس الشعب!!! تابع العرب والمسلمون والأحرار في كل أنحاء العالم ما ستقوله اللجنة العليا للانتخابات المصرية التي انتصرت لإرادة الشعب, وأعلنت فوز (الدكتور محمد مرسي) ليزهر الربيع العربي ويثمر, وينتصر الشهداء, ويطمئن الجرحى والمعاقون, ويشعر الثوار أن تضحياتهم لم تذهب هدراً, وتجنبت مصر الاضطرابات والفوضى وعودة الاستبداد, وتحوّل ميدان التحرير بالقاهرة إلى ساحة كبرى للاحتفال, وتنفست الشعوب العربية والإسلامية الصعداء, فقد كان يوم الأحد الماضي عيداً لكل التوّاقين للحرية والعدالة والكرامة في عالمنا العربي!! في اليمن عمّت الفرحة النديّة أبناء الشعب اليمني, وانطلق اليمنيون يتبادلون التهاني, ازدحمت خطوط الاتصالات, وأرسلت مئات الآلاف من الرسائل الهاتفية نثرا وشعرا ابتهاجاً بانتصار إرادة الشعوب, وتوديعاً للقهر والاستبداد, وفي شارع حدة – أحد أهم شوارع صنعاء – كانت مسيرة شعبية كبيرة تطالب باستكمال أهداف الثورة اليمنية, ولمّا نما إليها الخبر المفرح توقف الجميع في الشارع العام ليسجدوا لله شكراً في مشهد عظيم وجميل ومؤثر, وقد كتب أحد الزملاء الأعزاء من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني مهنئاً ومصوّرا اللوحة التلقائية الجذّابة التي رسمها الثوار اليمنيون في الشارع العام قائلاً: " مصر تولد اليوم, وبولادتها تستيقظ خير أمة أخرجت للناس من حالة غيبوبتها العقلية التي جعلتها ملطشةً تضحك من جهلها الأمم, وتحتقر وضع خنوع وخضوع فرض الذّل والمسكنة على نفسها... ليتك كنت معنا ومسيرة نساء ورجال ثورتنا تسجد على الإسفلت, بطول وعرض وامتداد شارع حدة, حمداً وشكراً لله عند وصول بشارة فوز ابن الفلاح المتعب العرقان الفقير(مرسي) , سلام سلام يا مصر!!" أطلق اليمنيون الألعاب النارية في مختلف المدن ابتهاجاً بهذا الفوز الذي اعتبروه انتصاراً لنضالهم, وتأكيداً لحق الشعوب في الحرية والحياة الكريمة, احتفلت ساحات الحرية والتغيير في عموم البلاد, وزع بعضهم الحلوى, الفرحة غمرت السهل والجبل, الريف والحضر, اتصل كثيرون من الأرياف يعبرون عن الاعتزاز شاعرين بالزهو لما اعتبروه تحقيقاً لأحلام الشعوب المتطلعة للتغيير, وبعث إليّ أحد قادة حزب المؤتمر الشعبي يقول: "عجباً لسجون مصر؛ دخلها يوسف فخرج منها ملكاً, ودخلها مرسي فخرج منها رئيساً!!" وعبر أحد شباب الثورة عن تفاعله مع الحدث بقوله: رسى *مرسي* رسوّ الراسيات وللعلياء يمضي في ثبات وبالأفراح أمست *مصر* تحيا وأمسى أهل *مصر* بلا بيات وشاركهم ملايين تراءوا *أبابكر* يعود إلى الحياة أرى نور العدالة من جديد أتى من *مصر* أرض المكرمات أرى في *مصر* نهضة ساكنيها أرى في *مصر* كل الأمنيات!! والفرحة الكبيرة يجب أن لاتنسي الثوار أخلاق الكبار عند الانتصار, فلا أشر, ولا بطر, ولا تعالي ولا استكبار, ولا تشفي بالمنافسين, وقد كان خطاب الرئيس محمد مرسي بلسما يداوي الجراح ويطمئن الداخل والخارج, ويبتعد عن أي رغبة في الانتقام, ويشكر الله ثم من أوصلوه إلى سدة الرئاسة, ويعد الثوار بالوفاء لهم والسير لتحقيق مطالبهم, لقد ذكرنا بالسلف الصالح من هذه الأمة التي تتواضع عندما يعلو شأنها, وتتمسك بالحق حين ينصرف عنه المغرورون!! لقد عاشت أمتنا العربية والإسلامية القرن الماضي في ضعف وانكسار, وهزائم ونكبات, وآلام وأحزان, حتى كادت أن تفقد لذة الابتسام, فقد أذاقتها الأنظمة الاستبدادية الويلات, وحجبت عنها الفرحة, فلاغرو أن نراها اليوم تنتشي وتفرح بمختلف أطيافها وتوجهاتها لأن أحد أبنائها أصبح رئيسا من دون انقلاب ولا حرب ولا مؤامرات ولا عنف... علينا أن ندرك جميعا أن الضمان لديمومة هذه الفرحة إنما سيكون بالتزام العدل, وإشاعة أجواء الحرية, والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات, والانطلاق بعزيمة وثبات نحو البناء والنهوض, وطي صفحة الماضي بمآسيه وآلامه, والتسامح والعفو عند المقدرة.. لابد أن نشكر الله صاحب الفضل والحول والطول, الذي أرانا قدرته الغالبة, وحكمه النافذ في نقل المسجون إلى كرسي الحكم, وهو درس للظالم والمظلوم معاً, وعلى جماعة الإخوان المسلمين أن تشعر بفضل الله عليها, فقد أجلب عليها خصومها بخيلهم ورجلهم؛ ادخلوا قادتها المعتقلات, وعلقوا زعماءها على أعواد المشانق, وشنوا عليها الحملات الكاذبة والحاقدة, ولكن الله جلّ جلاله انتصر لها وهيأ لها قلوب الملايين, مما يُحمّلها تبعات كبيرة, نعتقد أن ثباتها أيام الابتلاء بالشدائد, سيجعلها تنجح بإذن الله في امتحان الانتصار, ولن يتم لها ذلك إلا باستيعاب كل الطاقات وعدم الاعتداد بالنفس, ولاسيما أن المتزلفين في كل زمان ومكان يحجبون الحقيقة عن الحاكم أياً كان, والعاصم من الانزلاق - بعد الله تعالى – إنما يكون بإرساء دولة المؤسسات والالتزام بالدستور والقانون والابتعاد عن المزاجية والمحسوبية "والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلَنا وإن الله لمع المحسنين" [email protected]