يمر اليمن في هذه الفترة بمرحلة مخاض عسير، فهو من جهة يواجه تركة ثقيلة من الأزمات التي خلّفها النظام السابق، الذي أسس حكمه على شراء الولاءات السياسية والقبلية، وهو من جهة ثانية غير قادر على إيجاد بديل قادر على إقناع الناس بأن الأوضاع تسير نحو الأفضل وأن مرحلة جديدة دخلها اليمن عنوانها التوافق الوطني . لا شك في أن جهوداً كبيرة تبذل من أجل ردم الهوة بين القيادة السياسية الجديدة التي تحكم البلاد بعد التسوية التي جلبتها المبادرة الخليجية والمواطن المتطلع إلى تغيير أوضاعه الداخلية والباحث عن الأمن والاستقرار، إلا أن إيقاع التغيير لا يزال بطيئاً، ولا تزال الإرادة السياسية للقيادة الجديدة مكبلة بالعديد من السياسات التي يراهن عليها ممثلو النظام السابق، وعلى رأسهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي لا يزال يشكل عقبة في طريق إعادة تطبيع الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد .
صحيح أن هناك أشياء كثيرة تحققت منذ تسلم الرئيس عبدربه منصور هادي السلطة قبل أشهر عدة، إلا أن الصحيح أيضاً أن الناس ينتظرون جدية حزماً في معالجة الأوضاع التي تفلت من قبضة الدولة لمصلحة القوى غير المؤمنة بالدولة الحديثة، دولة النظام والقانون، التي يجب أن تكون حاضرة في مرحلة إعادة إعمار اليمن الجديد، وهي المرحلة التي تواجه البلاد حالياً .
قضايا كثيرة يحتاج الرئيس الجديد ورئيس حكومة الوفاق الوطني إلى إنجازها حتى يمكن البناء عليها للانطلاق إلى مرحلة مهمة ومختلفة في تاريخ البلاد، وأهمها استعادة هيبة الدولة التي فقدت خلال ما بعد عهد الرئيس السابق، وعلى القوى السياسية الفاعلة في الساحة، الإسهام بدور مهم في استعادة هذه الهيبة، خاصة في هذه المرحلة، بهدف إعادة البلاد إلى السكة الصحيحة من خلال التعاون في إنجاز الخطوط العريضة لمؤتمر الحوار الوطني، الذي سيبنى عليه مستقبل اليمن .
من الواضح أن هناك مراهنات من قبل بعض الأطراف، السياسية منها والعسكرية والقبلية، لعودة الأمور إلى نقطة الصفر، لرد البلاد إلى مربع العنف من جديد، وهذه مسألة خطرة يجب معالجتها قبل فوات الأوان .
لهذه الأسباب وغيرها سيكون لزاماً على الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني وبقية أطراف العملية السياسية التعاون لإخراج اليمن من الوضع الذي يعيشه اليوم من خلال افتقاده عوامل الاستقرار، التي تبدو ظاهرة للعيان، والتي تجعل الكثير من المراقبين يبدون مخاوفهم، وهي مخاوف مشروعة من انتكاسة حقيقية على الأرض ينهار معها ما تحقق من تهدئة سياسية وعسكرية خلال المرحلة الماضية .
المطلوب من الجميع التفكير بمستقبل اليمن قبل التفكير بالمكاسب السياسية والمصلحة الحزبية، وهي المكاسب التي يمكن أن تعيد اليمن إلى مربع العنف واللا استقرار .