حفلت الصحف الرسمية الصادرة اليوم, بإعلانات استحوذت على معظم صفحاتها في تهاني وتبريكات لرئيس الجمهورية, تقدمت بها الوزارات والمؤسسات الرسمية بمناسبة اليوم العالمي للعمال, والذي يصادف الأول من مايو من كل عام. وبهذه المناسبة تتذكر الحكومات الوعود التي قطعتها على نفسها تجاه هذه الشريحة من المجتمع بتوفير فرص العمل, وتحسين الظروف المعيشية للعاملين, ورفع الأجور والمرتبات بما يوازي ارتفاع الأسعار ومستوى خط الفقر العام في البلاد. وفي حين لا يكفي للتأكيد على حق العمل في إقامة احتفال أو تعطيل يوم من الدوام الرسمي وتحويله إلى إجازة رسمية, كما انه لا يتوقف لإقرار ذلك الحق في التنصيص التشريعي فحسب, وإنما يتحدد إلى جانب ذلك على الحكومة في الاحترام والحماية من خلال إنفاذ التشريعات النصية على ارض الواقع بإعمال الكفالة الكاملة إضافة إلى تامين فرص أنشطة التمكين في العمل للمواطنين, فضلا عن التواكب المستمر والدءوب في تخليق مجالات العمل وتنويع فرصه اعتمادا على تحديد وتوسيع طاقة أنشطة الاقتصاد الوطني. ويأتي الاحتفال الرسمي اليوم بعيد العمال على إيقاع تخلي الدولة عن التوظيف بعد إلغاء العديد من الوظائف في القطاع الإنتاجي الحكومي بفعل عملية الخصخصة والتصفية, وكالعادة تحاول الحكومة أن تظهر بعباءة الاهتمام والتقدير للعمال اليمنيين, وتنسى في سياق اهتمامها المزعوم أن مؤشر البطالة العامة فوق ال40%, فيما يسعى الاتحاد العام لعمال اليمن للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور إلى (300) دولار, وبما يوازي مستوى خط الفقر, وصرف جميع الاستحقاقات التي كفلها نظام الأجور والمرتبات. تغرد الحكومة خارج السرب باحتفالها اليوم, ذلك أن البلاد تعيش على وقع إضرابات واحتجاجات واسعة, وذلك للمطالبة بصرف المستحقات وتحسين مستوى الحياة المعيشية وتنفيذ الاتفاقات الموقعة, وليس جامعة صنعاء عنا ببعيد. كما أن الحكومة يمكن أن تسجل براءة اختراع في صناعة البطالة في البلاد التي تجتمع فيها عوامل قل أن نجدها إلا في اليمن, حيث يجتمع فيها الحرمان من العمل والحرمان من الدخل وبالتالي تكون الحكومة هنا قد نقلت العاطل وأسرته فورا إلى أرخبيل الفقر لاسيما وان هذا الوضع يأتي في ظل غياب نظام الإعانة للبطالة, والذي من شانه أن يؤمن للعاطلين عن العمل ولأسرهم الحد الأدنى من العيش. المادة (5) من قانون العمل رقم (15) لسنة 1995م تنص على أن: "العمل حق طبيعي لكل مواطن وواجب على كل قادر بشروط وفرص ضمانات وحقوق متكافئة دون تمييز بسبب الجنس أو السن أو العرق أو اللون أو اللغة وتنظم الدولة بدقر الإمكان حق الحصول على العمل من خلال التخطيط المتنامي للاقتصاد الوطني". والدولة هي المسئول الأول عن حماية السكان من البطالة والحد من انتشارها، من خلال التخطيط الكفؤ للموارد المتاحة واعتماد سياسات تنموية مشجعة لخلق فرص العمل، ومستجيبة للنمو في قوة العمل، وتصميم سياسات التعليم والتدريب والتأهيل مما يجعل مخرجاتها تستجيب ومتطلبات سوق العمل المحلي. وهكذا فإن الحق في العمل لا يتوقف عند الاعتراف بالتنصيص التشريعي وحده، وإنما يتحدد إلى جانب ذلك في الاحترام والحماية من خلال إنفاذ التعهدات والتشريعات النصية على أرض الواقع بإعمال الكفالة الكاملة ومن خلال تأمين فرص أنشطة التمكين في العمل للمواطنين القادرين والباحثين عنه وإدماجهم في الحياة الاقتصادية بمختلف مجالاتها فضلا عن التواكب المستمر والدوؤب في تخليق مجالات العمل وتنويع فرصه اعتمادا على تحديد وتوسيع طاقة أنشطة الاقتصاد الوطني بفروعه الإنتاجية والخدمية باعتباره المدخل الفاعل والأنسب لزيادة ديناميكية التشغيل والإنتاج والدخل والحماية من الباطل. البطالة .. انتشار واسع بينت نتائج التعداد العام للسكان والمساكن ونتائج مسح ميزانية الأسرة لعام 2005م-2006م، أن نسبة السكان في سن العمل إلى إجمالي السكان المقيمين تقدر بحوالي (55%) فقط، وأن نسبة السكان الناشطين اقتصاديا "القوى العاملة" والتي تضم المشتغلين والعاطلين معا تقدر بأقل من (25%) من إجمالي السكان. وإذا ما قارنا هذه النسبة مع بعض البلدان النامية المشابهة لظروف اليمن نجد أنها تقل عن تلك البلدان بأكثر من (15) نقطة، حيث تظل هذه النسبة في البلدان النامية إلى نحو (44%) من مجموع السكان، وأن نسبة القوى العاملة إلى إجمالي القوى البشرية "السكان في سن العمل" لم تتجاوز (44%) وهذه نسبة متدنية جدا إذا ما قارناها مع بعض البلدان النامية والتي تتجاوز والتي تتجاوز فيها هذه العلاقة عن (60%). تعد البطالة أحد أخطر المشكلات والتحديات التي تواجهها البلاد في الوقت الحاضرة بتداعياتها وتفاقم حدة انتشارها بين السكان، فجانب الخطورة الأكبر لهذه الظاهرة يكمن ليس فقط في استمرار وجودها وتوسع دائرة انتشارها جراء تسارع وتأثر معدلات ارتفاعها، وإنما أيضا في غياب مؤشر وبوادر احتواء نتائج فعل تأثيراتها السلبية التي أدت إلى زيادة الفقر بين السكان وفي بروز ظاهرة التشظي لوحدة النسيج الاجتماعي. وتعد ظاهرة البطالة السافرة والمقنعة واحدا بين أهم مظاهر الفقر في اليمن، فقد ارتفعت نسبة البطالة في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة، نتيجة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها الحكومة، وخاصة الإجراءات المتعلقة بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري وخصخصة مؤسسات القطاع العام، وهي العملية التي استهدفت الوصول إلى مؤشرات السوق وأدت في النهاية إلى ضعف قدرة الاقتصاد الوطني على توفير فرص العمل اللازمة لمواجهة الزيادة في قوة العمل، حيث تشير التقارير الرسمية إلى نمو عرض القوى العاملة بحوالي 4.03% في مقابل نمو أضعف للطلب لا يتجاوز 3.7% وبالتالي فإن معدلات البطالة تبدو مرتفعة، ففي حين تشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 16% من إجمالي القوى العاملة، فإن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن نسبة البطالة تزيد عن 35% من إجمالي القوى العاملة، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة نتيجة للتدهور الاقتصادي، وانتشار ظاهرة الفساد، وعدم الاستقرار السياسي. الحكومة.. هل تضع معالجات جادة على الطاولة والحكومة مطالبة لتفادي استفحال مشكلة البطالة والحد من تفاقم آثارها السلبية، أن تقوم بتقديم معالجات علمية تعتمد على التخطيط بعيد المدى للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، تتمثل في وضع إستراتيجيات للتشغيل الشامل، والعمل على ربط المدخلات بالمخرجات لتلبية احتياجات سوق القمل من خلال دعم برامج التدريب والتأهيل الفني والمهني والتقني، والتوسع في تطبيق برامج الضمان الاجتماعي، واستثمار الموارد والإمكانيات المتاحة في البلاد لتوفير فرص العمل المناسبة واللازمة ورفع الدعم المادي المقدم من الحكومة للأسر الفقيرة إلى الحد الذي يؤمن لكل فرد حياة سعيدة وآمنه والتوسع في الفئات المستهدفة لتشمل فئات العاطلين عن العمل العجزة والشيخوخة والمرضى تماشينا مع حق كل إنسان في العيش بكرامة. خطر التعرض للبطالة والتي تمثل في تعرض العاطلين عن العمل وأسرهم إلى الحرمان المركب الأبعاد والتأثيرات الاقتصادية الاجتماعية، نتيجة تراجع الحماية من البطالة وتلاشيا كليا في اليمن بعد أن ألغي دور الدولة الاقتصادية والتأثير الإيجابي على عملية التنمية والذي اقترن به تخلي الدولة عن التوظيف وإلغاء العديد من الوظائف في القطاع الإنتاجي الحكومة الذي تعرض هو الآخر للتصفية من العمالة في إطار الإصلاحات الهيكلية، فضلا عن غياب نظام الإعانة للبطالة في اليمن والذي من شأنه أن يؤمن للعاطلين عن العمل ولأسرهم الحد الأدنى من العيش. إن عدم القدرة على الدخول إلى سوق العمل بسبب انسداد فرص التوظيف، يضع العاطلين عن العمل في دائرة الإقصاء والاستبعاد الاقتصادي والاجتماعي ويضفي عليهم الحرمان متعدد الأبعاد وهذا ما تعانيه كثيرا من الأسر في المجتمع بسب تفاقم ظاهرة البطالة وطول مددها الزمنية بين السكان. ومن اخطر الأسباب غير التقليدية التي تغلغلت إلى مستوى الفعل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والإداري, انتشار ظاهرة الفساد, حيث يعتبر من احد ابرز الأسباب التي أعاقت عملية التنمية الاقتصادية وفي تسبب تحول رغبات المستثمرين بعيدا عن المسارات الإنتاجية, وبالتالي إلى تجفيف الاقتصاد الوطني من فرص التوظيف وزيادة معدلات البطالة, وغياب شفافية التوظيف واستئثار مراكز النفوذ بالنصيب الأكبر من الوظائف الحكومية وتخلي الدولة عن التزاماتها في التوظيف.