برزت القضية الجنوبية كشاهد حال للاختلالات المتعددة التي أنهكت أوضاع اليمن اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً خلال العقدين الماضيين. ومن الطبيعي أن يكون هناك إجماع وطني على ضرورة إعطاء هذه القضية اهتماماً خاصاً، وذلك في إطار العمل الجاد لوضع حلول عملية عاجلة لمختلف القضايا الوطنية الأخرى وبصورة شاملة ومتكاملة بعيداً عن سياسة الترقيع أو الانتقائية التي كانت متبعة سابقاً. وفي هذا السياق جاء قرار تشكيل لجنتي معالجة الأراضي والموظفين المبعدين في المحافظات الجنوبية (الصادر بتاريخ 8 يناير 2013م) كخطوة هامة لإيجاد حالة من التهيئة النفسية المعززة لفرص انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ونجاحه. وبالنظر إلى واقع التفاعلات القائمة على مستوى الساحة اليمنية فإن هذه الخطوة بحاجة إلى أدوات وقواعد نجاح حقيقية وفعلية، لأن الشارع اليمني أصبح على قناعة بأن الدولة إذا أرادت تمييع أي قضية شكّلت لها لجان، وبالتالي ما الذي يمنع أن ينطبق حكم الشارع وقناعته على موضوع هاتين اللجنتين ودورهما ونتائج عملهما مستقبلاً؟ ثم إن ما ستقره اللجنتان من توصيات وحلول سيرفع إلى رئيس الجمهورية وسيكون بمثابة رؤى استشارية، لأنه لا يوجد في نص قرار التشكيل ما يُلزم رئيس الجمهورية باتخاذ قرارات إجرائية نافذة بحسب ما توصلت إليه اللجان، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصة تقرير (باصرة -هلال) الذي ظل مثار جدل، وكان تجاهل تنفيذه هو القشة التي قصمت ظهر البعير. أما الأمر الثالث فهو أن قرار تشكيل هاتين اللجنتين يثير تساؤلات أصحاب المظلوميات الأخرى عن موقعهم وسط ما يجري من ترتيبات، خاصة أولئك الذين لا يملكون ظهراً حزبياً أو قبلياً أو جهوياً. وهو ما يفرض على الرئيس هادي أن يلتفت إلى هؤلاء من خلال اتخاذ قرارات تطمينية أيضاً، فقد بدأ الكثير يتساءلون: ونحن من سيعالج أوضاعنا؟ ذلك ن هناك الكثير من المظلوميات التي مورست خلال الفترة الماضية وتم إقصاء الناس وتهميشهم وحرمانهم من حقوقهم بصيغ متعددة سياسية أو مناطقية أو شخصية، كما أن عملية السطو على الأملاك والعبث بها كانت سياسة ممنهجة في تهامة وفي عدن وفي حضرموت لا فرق. ولذلك: ما لم يقم الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق باتخاذ حزمة من الإجراءات المتوازية لمعالجة مختلف القضايا، فإن الاختلالات ستظل ماثلة، ولا يمكن للدولة اليمنية المنشودة أن تقف على رجل واحدة، مثلما أنه لا يمكن لطبيب أن يقوم بعلاج إنسان متعدد الجروح والكسور بأسلوب المراحل، بحيث يتم الانتقال إلى الجرح الثاني بعد أن يُشفى الجرح الأول، والكسر الثاني بعد أن يجبر الكسر الأول!! [email protected]