استقالة بابا الفاتيكان من منصبه نهاية شهر فبراير الجاري أثارت اهتماما كبيرا؛ ليس فقط بسبب أنه لم يكمل عشر سنوات، أو لعدم الاقتناع بمبررات الصحة والسن .. ولكن بسبب الملفات الشائكة التي تواجهها الكنيسة الكاثوليكية على الصعيدين الفكري والأخلاقي.. لكن أظرف تعليق صدر من متابع عربي، وأثنى فيه على ذكاء البابا الذي حدد نهاية الشهر لاستقالته: أي بعد أن يستلم راتبه.. ثم يغادر إلى البيت بسلام! تصرف البابا مفهوم؛ لأنه لم يكن مسؤولا في بلد من النوعية التي يكون المسؤول الأول فيها هو رئيس أو بابا العصابة الأشهر، ويكون له نسبة من الميزانية العامة، وحساباته البنكية أكثر من ميزانية دولته، ويزاحم اسمه المواقع الأولى في قائمة أغنى أثرياء العالم.. وفي المقابل يزاحم بلده على المواقع الأولى في العالم في قائمة الفقر، وانتشار الأمراض المستعصية، ومعدلات الفساد.. ورغم ذلك تتألف بعد سقوطه منظمات وروابط على الفيس بوك ترفع شعار:(آسفين يا ريس)، وتتحسر على أيامه وهي تقول: (ولا يوم من أيامك يا عبد السميع أو يا حاج صالح!).. البلد أو الكيان الذي حكمه البابا لم يكن أيضا من النوعية التي لا يغادر المسؤول منصبه - سواء كان بابا أو ماما أو صغير يربونه!- حتى يأخذ معه ما تيسر من مرتبات الأعوام القادمة، وسلف مستعجلة، ومقابل إجازات لم يأخذها، ويصفر عداد البنك والصندوق، ويصطحب معه أجهزة الكمبيوتر إلى البيت.. ثم يخرب ما تصل يده إليه وما لم يستطع حمله بدعوى أنها: حقه، وهو الذي شقى فيها وتعب!
أما إذا كان المسؤول قائدا عسكريا صاحب ذمة إسكود؛ فهو لا يغادر لا آخر الشهر ولا أوله حتى يتأكد أن مجلس الأمن سيصدر قرارا حاسما بشأنه، وأنه لا أمل إلا أن ينسحب من المعسكر أو القاعدة بأكبر كمية من العتاد تبقت من عملية النهب الشامل، ويمكن إخراجها مع موكب الرحيل!
OOOO
في مذكرات اللواء/ محمد نجيب (الذي اختاره تنظيم الضباط الأحرار ليكون قائدا للحركة التي أطاحت بالملك فاروق عام 1952 رغم أنه ليس القائد الحقيقي للتنظيم، ثم صار أول للجمهورية في مصر) حكاية تشبه ترتيب استقالة البابا آخر الشهر حتى يضمن استلام المرتب.. فحسب ما تم إبلاغه؛ فقد كان الموعد الأصلي المحدد لتنفيذ الانقلاب هو الرابع من أغسطس لسببين؛ أولهما: استكمال الاستعدادات العسكرية، والآخر أن يكون الضباط قد استلموا مرتباتهم، وهو ترتيب دقيق فحتى الموظفون المدنيون سيكونون قد استلموا مرتباتهم، واطمأن الجميع على أنفسهم على الأقل لمدة.. شهر! لكن كما هو معروف فقد تم تقديم موعد التحرك إلى 23 يوليو؛ بعد أن وصلت معلومات أن الملك علم أن هناك انقلابا يدبر ضده، وأنه بدأ يستعد لإجهاضه.. ومن المنطقي بعد ذلك أن يصير موضوع انتظار المرتبات بلا معنى إلا إتاحة الفرصة للملك للقضاء على أعدائه قبل أن يتحركوا.(المعلومة مذكورة أيضا في الجزء الأول من قصة ثورة 23 يوليو لأحمد حمروش).
OOOOO أحد زملائنا الموظفين في جهاز الدولة يصر دائما على الهرولة لاستلام مرتبه فور علمه ببدء الصرف، ولو كان الصرف يتم في أجواء الازدحام والوقت المتأخر.. وتعليله الدائم لذلك: أن الإنسان لا يضمن حدوث مفاجأة ما تجعله يندم على التظاهر باللامبالاة والزهد في الراتب؛ أو كما يقول دائما: (تخيلوا: أن يحدث انقلاب ضد صالح.. من يضم لنا أن نستلم مرتباتنا سواء نجح الانقلاب أو فشل؟ تخيلوا: ينهبوا أمين الصندوق.. أو البنك.. من سيقول لنا: خذوا هذه الفلوس، ودبروا أموركم لما نقبض على السارق؟).
تخوفات الزميل المشار إليه لم تنتج من فراغ؛ فأسهل شيء في بلاد السعيدة أن يأمر المدير بإيقاف مرتب موظف مغضوب عليه، وعلى المتضرر بعد ذلك أن يخوض ماراثون بيروقراطي لمعرفة أسباب الإيقاف، ثم لاستعادة مرتبه ولو بعد خصم قيمة.. الأدب!
مال الحاكم.. وحق الشعب!
المضايقات التي يلاقيها الموظفون اليمنيون في رواتبهم أساسها عدم اقتناع أولي الأمر بأنهم يستحقون أخذ هذه النقود؛ ولذلك يرون أن من واجباتهم الوطنية الحفاظ على ثروة الشعب من جشع الموظفين/المواطنين الذين أموال الدولة سائبة! هذه الغيرة التي يبديها عادة المسؤولون في الدول الفاسدة؛ لا تنسح أبدا عليهم وعلى أبنائهم، ومن المشهور أن تجد البابا الأول والأربعين حرامي هم أكثر الناس انغماسا في الخزينة العامة حتى ما فوق رؤوسهم.. وأسهل قرار عندهم: إيقاف مرتب مواطن أو الخصم منه.. وكذلك الأمر للخزينة بصرف عشرات الآلاف من العملة الصعبة للولد فلان أو للبنت زعطانة لتغطية تكاليف رحلة استجمام أو شهر عسل!
ليس في الكلام السابق أي مبالغة؛ ففي مذكرات: ( الشاه.. وأنا) ل (أسد علم) وزير البلاط الإيراني أيام شاه إيران؛ امثلة كثيرة عن هؤلاء اللصوص الذين كانوا يستكثرون على الشعب المطالبة ببعض الحقوق الأساسية مقابل ما ينفقونه على ملذاتهم وصرفيات أولادهم.. فقد ثار الشاه غضبا عندما سمع بالمطالب الشعبية بتحقيق مجانية التعليم الجامعي، والعناية الصحية العامة، وكعادة أمثاله راح يزور المطالب قائلا: ( لماذا نعفي أولاد الأغنياء من دفع المصروفات الجامعية؟).. وفي المقابل كان كغيره يرسل أبناءه للدراسة في أرقى الجامعات؛ بل أسوأ من هذا فقد صرف لابنته ( شهناز) 400 ألف دولار لتغطية نفقات إقامتها ومصروفاتها المنزلية الأخرى في أوربا.. وفي إحدى المناسبات اعتذرت شهناز عن تمثيل والدها في حضور احتفال بدء العام الدراسي في جامعة طهران؛ لأن لديها موعدا مع طبيب الأسنان في ..أوربا! ابن الرئيس يبحث عن وظيفة!
خلال الأيام الماضية أثارت صحافة فلول الرئيس المصري المخلوع/ حسني مبارك الدنيا ضد الرئيس محمد مرسي؛ بحجة أن أحد أبنائه قد حصل على وظيفة في إحدى الشركات العامة بمرتب استثنائي قدره أربعين ألف جنيه مصري (أي قرابة: 6 آلاف دولار أمريكي).. وصرخ أيتام مبارك مثل الأسود غيرة على الوساطة والمحسوبية والفساد في عهد الإخوان، ورفع أحدهم دعوى قضائية لإيقاف التوظيف.. ثم اتضح في الأخير أن ابن الرئيس تقدم للوظيفة مثل غيره، ولم تستكمل الإجراءات بعد، والمهم أن مرتب الوظيفة هو 900 جنيه مصري أي قرابة 130 دولار.. وبعد الضجة قرر ابن الرئيس التخلي عن العي للحصول على الوظيفة!
هنا بالضبط يحق للرئيس المصري وأبنائه أن يقولوا بحسرة: ( فين أيامك يا مبارك!) ويهتفوا مع أيتام مبارك ( آسفين يا ريس!).. ففي زمن المخلوع كان أولاد المسؤولين لا يتوظفون للأمانة في جهاز الدولة، وكل واحد منهم كان لديه بدل الشركة عشر، وبدل ال900 جنيه كان لديه الملايين وبالدولار وليس بالجنيه المصري ( عافاكم الله وأغناكم!).. وابن المخلوع مبارك الكبير (علاء) كان محور النكت المصرية حول الثراء الفاحش الذي ظهر عليه فجأة، وتقول نكتة إن مسؤولا حاول لفت انتباه مبارك لتضخم ثروة ابنه بطريقة غير مباشرة عن طريق سرد الأرقام الفلكية لها؛ فأبدى الرئيس للأمانة دهشته واستغرابه فسأل مستشاره: ( يا سلام.. وكل دا بقى من المصروف بتاعه؟).
عمليات نهب ثروات الشعوب ؛التي قام بها أبناء المخلوعين في بلدان الربيع العربي تقليدا لآبائهم وأمهاتهم – مثل سوزان مبارك التي اتضح أنها نهبت أموال مكتبة الإسكندرية؛ أي قامت بعملية سرقة ثقافية من الدرجة الأولى في الوقت نفسه الذي كانت تقود فيه عملية مواجهة الأصولية الإسلامية بمشاركة مجموعة من المثقفين البارزين!- لم تعد سرية، واعترف مسؤول في إمارة دبي أن اكثر من ملياري دولار دخلت دبي من هذه البلدان خلال الفترة الماضية، وعلى الأقل فإن نصفها يعود للمخلوعين وأبنائهم، ورجالهم الذين يعيشون في دبي.. والغشيم تكفيه الإشارة!
لمن كان له قلب..
1-في صدر الإسلام؛ أثارت فتوى للصحابي الجليل/ عبد الله بن عباس حول جواز زواج المتعة ضجة كبيرة في المجتمع المسلم آنذاك؛ بل أحدثت فتنة بعد أن وجد البعض فيها فرصة للتحلل من محرمات الزواج.. وقد تراجع ابن عباس عن فتواه بعد أن أكد له عدد من كبار الصحابة ؛وفي مقدمتهم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لزواج المتعة في غزوة خيبر. وفي خضم الجدل الذي ثار يومها؛ قيل إن أعرابيا جاء إلى ابن عباس مستنكرا فتواه لسبب يستحق التأمل فيه، إذ قال له: ( ما هذه الفتوى التي شغبت بها على الناس؟). 2- سأل رجل الإمام/ ابن الجوزي: أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟ فرد عليه قائلا: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها!
أحلى كلام.. [ ما ضل أحد في هذا الطريق إلا من بفساد الابتداء؛ فإن فساد الابتداء يؤثر في الانتهاء]