على اليمنيين الذين قاموا بأعظم ثورات الربيع العربي, وصرخوا بأعلى أصواتهم في وجه الاستبداد وحكم العائلة, وقدموا أرواحهم رخيصة فداء وطنهم وكرامتهم وحريتهم, عليهم اليوم أن يخفضوا أصواتهم الوحدوية كي لا يجرحوا مشاعر الإنفصاليين في الجنوب والشمال معاً!! فالوحدة ما عادت تستحق أكثر من أن تهمس بها تلك الجماهير العريضة في ساحات الحرية والتغيير, خشية وصول صداها إلى مسامع الإنفصاليين فتجرج إحساسهم المفعم بالخراب والدمار, المتعطش قتلاً ونهباً وحرقاً لكل ما له صلة بالوحدة وأسم اليمن الواحد. هذا منطق الإنفصاليين الجدد (في الشمال) الذين لا يجدون غضاضة في طعن بلدهم ووحدته من الخلف, ليس بالضرورة بسكاكينهم, بل بأقلامهم. فالإنفصاليون ما عادوا مقصورين فقط على أولئك المنادين بتحرير الأرض- من الاستعمار اليمني- بقوة السلاح, الذي حملوه وروّعوا به إخوانهم في الجنوب, فقتلوهم وشردوهم, وأحرقوا محلاتهم وطردوهم من بيوتهم, واقتحموا مقراتهم ونهبوها وأحرقوها وفعلوا الأعاجيب, بل لقد صاروا في شمال الوطن أكثر منهم في جنوبه وأشدهم خسّة. فتنظيم مسيرة مناهضة للحراك أو إحتفائية وحدوية في عدن أو في لحج أو الضالع أو حضرموت, هو استفزاز بلا داع وتحرش بلا مبرر. تحرش بمن؟! بأولئك المناضلين (القتلة) الذين استباحوا الدم اليمني وقبضوا ثمنه مقدماً, حتى غدا اليمني رخيصاً لا يساوي عندهم قيمة الطلقة التي يصوبونها نحوه.
المدافعون عن الحراك الإنفصالي المسلح لم يستفزهم منظر ذلك اليمني البسيط (في حضرموت) الذي أحرقوا بسطته ثم صبّوا عليه البنزين وأحرقوه معها. لم يستفزهم قتل أسرة يمنية بالفأس- في منطقة صلاح الدين بعدن- من قبل وحش آدمي هو نفسه ضحية تعبئة إنفصالية خسيسة. لم يستفزهم حرق محلات مواطنين يمنيين شماليين في المكلا لمجرد أنهم شماليون فقط. لم تستفزهم تلك الإعتداءات وأعمال البلطجة والعنف المنظم التي مارسها بلاطجة الحراك المسلح ضد المحتفلين في عدن يوم 21 فبراير, وسقوط قتلى وجرحى من المشاركين. استفزهم فقط خدش مشاعر الحراك بإقامة فعالية إحتفائية في معقله بعدن حسب تعبيرهم!! ولا أدري أين تقع عدن هذه حتى يغدوا الإحتفال فيها إستفزازاً؟ هل هي خارج حدود الجمهورية اليمنية؟ هل أضحت دولة مستقلة يحكمها الحراك المسلح, وبالتالي فقد انتهك الرئيس هادي والإصلاح وسائر اليمنيين سيادتها؟ أي استغفال هذا, وأي إنتقاص من سيادة الرئيس هادي وحكومته حين يزعمون خصوصية مدينة عدن؟!
إن مجرد الاحتفاء بمناسبة ثورية وطنية أزاحت عن كاهل اليمنيين ثلاثة عقود من الحكم العائلي الفاسد المجرم, وأخذت بأيدهم إلى آفاق عهد جديد دفعوا لأجله الكثيرهو فكرة شيطانية- بنظر البعض- أساءت للرئيس هادي, الذي من المفترض أن يبقى رئيساً للشمال فقط, ويظل حبيس العاصمة صنعاء, فلا يغادرها إلى عدن حتى لا يجرح مشاعر وأحاسيس الحراك الإنفصالي المسلح, الذي بات من حقه أن يحمل السلاح وأن يُروع الآمنين, ويجأر بالإنفصال ويمارسه واقعاً, ويتركب في سبيله كل المحرمات, التي أمست مشروعة لأجل عيون الإنفصاليين وذهب المعزّ, فيما أضحت الوحدة رجس من عمل الشيطان!!
في زمن الإنفصاليين الجدد والحراك الإنفصالي المستعر حرقاً وقتلاً ضد الوحدة ودعاتها, لم يعد من حق رئيس الجمهورية أو الإصلاح أو أي يمني غيور أن يجاهر بوحدته أو يفكر في الإحتفال بها, خاصة في مدينة عدن أو حضرموت, فعدن للعدنيين, وحضرموت للعصبة الحضرمية, وما تبقى قسمة بين الاخوة الأعداء.
في زمن المتاجرين بالمبادي ومصالح الوطن صار الإنفصال مقدساً لا يجوز المساس به أو نقده أو تفنيده, وإلاّ كان ذلك بمثابة إمتهان للحقوق وانتهاك للحريات واعتداء على قيم التصالح والتسامح وحرية الرأي المكفولة في كل الشرائع والقوانين الدولية, فيما أمست الوحدة استفزازاً وخطيئة تستوجب التشنيع!!
ليس الإصلاح من دعا إلى إحتفالية عدن بل الرئيس هادي, وإن فعل فما عليه من لوم, وعلى أولئك الحريصين على مشاعر الحراك الإنفصالي أن يراعوا كذلك مشاعر ملايين الوحدويين اليمنيين في الجنوب قبل الشمال. ثم إن الإصلاح لا يتآمر على نفسه حين يحتفل مع بقية أبناء الشعب بالمناسبات الوطنية, ومنذ متى صار الاحتفال للوطن مؤامرة؟ كما أنه ليس بحاجة للتآمر على الآخرين حين يفصح عن توجهاته الوحدوية بجلاء. المتآمرون ياسادة هم أولئك الذين يلعبون مع الكل وفي كل الساحات, ويتلونون بكل الألوان, ويأكلون من كل الموائد.
لقد أظهرت إحتفالية عدن تمسك العدنيين والجنوبيين عامة بوحدتهم, وهو أمر لا يحتاج لكثير عناء لنكتشفه, وقد عمل الحراك الإنفصالي بشتى الوسائل على منع وصول الجماهير الغفيرة إلى ساحة العروض, ومنع أكثر من 400 حافلة من الدخول إلى عدن, ورغم ذلك كان الحضور الجماهيري مشرفاً, لا لشيء سوى حباً في الوحدة, ومقتاً للتشرذم والتناحر, الذي يعمل علي سالم البيض وحلفاؤه في طهران وبقايا الإمامية على إعادة إنتاجه, وجّر البلد إليه, طمعاً في دويلة صغيرة هنا أو هناك.
يحاول البيض وحلفاؤه في الداخل والخارج, إدخال البلد في الفوضى والعنف المنظم, استباقاً لمؤتمر الحوار الوطني على أمل إفشاله, لتبقى القضية الجنوبية عائمة بلا حل ويبقى هو يتكسب منها ويتاجر بها عند ملالي طهران وأشياعهم. وهو لا يهمه أن يسوق البلد إلى حرب أهلية إرضاء لنزواته الإنفصالية ومصالح ولي الفقيه الذي يريد أن يجعل من اليمن ساحة جديدة, عوضاً عن سوريا- لتصفية حساباته مع الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة, ويقايض بها مصالحه في مناطق أخرى.
لقد هدد الرئيس هادي بفضح من يقف وراء ذلك العنف والإرهاب المنظم الذي يمارسه الحراك الإنفصالي وحلفاؤه في الجنوب, وأكد بأن أسمائهم لديه وسيلجأ إلى كشف الأوراق إذا دعت الضرورة. لكن الإنفصاليين من حملة الأقلام المأجورة شمالاً وجنوباً, يُصرون على إقحام الإصلاح في دوامة العنف الذي يعرفون جيداً مصدره, بينما يحالون إلقائه عليه لا بتزازه وتحجيمه والحد من نشاطه جنوباً, وبخاصة في دعم خيار الوحدة باعتباره خيار غالبية اليمنيين. وسيضل الإصلاح يناضل سلمياً بالكلمة في وجه الرصاصة وآلة القتل المستأجرة, رغم شدة العنف المسلط عليه وشراسة الهجمة وحجم المؤامرة التي تحاك ضده.