عندما يتحدد الثابت الوطني يتحدد الحل الوطني ذلك أن الثوابت هي المنطلقات القادرة على إنتاج الحلول وتجميع ما تناثر من الرؤى الحقيقية ، فبدون الثوابت لا يتحدد المسار السوي للحوار ولا يجتاز المتحاورون بنا الفجوات المنتصبة في طريق الوطن ، لأن التفكير الذي لا يوجد له إطارا حقيقيا معتبرا يظل مفتوحا على احتمالات الاسوء ، والإشكالية أن بعض الذين دخلوا الحوار دخلوه بشكل غير مأطور ولا محدد أي منفتح ولا نهائي ومنطلق من مرجعيات فكرية وأيدلوجية لا تمت إلى قيم الداخل الوطني ولا إلى معتقداته ، ومسلماته اليقينية في شيء. كل سيرى الحقيقة من وجهة نظرة لأن المرجعية التي أسس عليها وجهة نظرة تلك التي يعتبرها هي الحقيقة، مرجعية فكرية متشضية ومشتتة لا توجد لديها أرضية ثابتة من القيم الأصيلة المعتبرة التي تدرك حقا ما يصلح الشأن الإنساني والوطني ، ولذلك فإن غياب رد الاختلافات إلى نص متعال ومتجاوز غير موجودة لدى البشر المتحاورون ولكنها موجودة لدى مرجعية عليا متعالية تستطيع أن تحسم الخلاف الإنساني لصالح ما ينفع الإنسان ويجعل مسلكه في الحياة سويا " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" ولذلك تمثل الشريعة الإسلامية بمضامينها الرحيمة الثابت الوطني الأصيل.. القادر على الفصل في مختلف القضايا التي تواجهنا والمعضلات التي تستعصي علينا ، ومن يخالف ذلك فهو خارج عن سياق الإجماع الوطني ويسعى إلى تسعير لغة الاختلاف المميت وإنتاج الأزمات وعنفنة الاتجاهات البناءة في مسيرة استعادة الوطن لعافيته وعزته وكرامته. فمن المعروف أن أي حوار يستهدف إنتاج الحلول وتفكيك بنية المعضلات الموجودة من خلال تقريب وجهات النظر وتوسيع دائرة الرؤى الحقيقية المعتبرة التي تمثل رؤية الشعب لا رؤى القلة التي ما فتئت تصر على أن رؤيتها هي رؤية المجموع ، لا نحتاج إلى تعسير الحوار وإجهاض مخرجاته من خلال الإتيان بمستحيلات رئوية تتجاوز ثوابتنا الدينية والوطنية المعتبرة ولا تصنع أكثر من محاولة تأزيم الحوار ، لابد من ان تكون الثوابت والرؤى الحلولية هي بؤرة الحوار ومحور ارتكازه حتى يكون ناجحا بهذا المعنى وناضجا، وراسما لخارطة المستقبل الوطني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومحددا بدقة لماهية ما نريده كشعب وليس ما تريده بعض الأمزجة التي تعزف خارج سياق الثوابت وتلوث الأجواء الوطنية بمزيد من فعل ما لا يؤكد حقا انها وطنية ومهمومة بالشعب ووحدته ومستقبل أجياله برمتها .