[التراجع عن الانقلاب العسكري وإلغاء كلما ترتب عليه، والخروج الآمن لكل الضالعين فيه، مع ضمان عدم ملاحقتهم قضائياً بسبب الانقلاب، وتنفيذ خارطة الطريق التي وافق عليها الرئيس مرسي قبل يوم واحد من الانقلاب، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد ستة أشهر من إجراء الانتخابات النيابية]. تلك عناوين رئيسة يمكن أن تمثل مبادرة تساعد في الخروج من الورطة التي أدخل الانقلاب العسكريُ مصرَ فيها، وما سبّبه من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار، وما يمكن أن يؤدي إليه من صراعات عميقة في المجتمع المصري سيكون من الصعوبة معالجتها مستقبلاً! لقد وضع الانقلابيون حساباً لكل شيء إلا ردة فعل الشعب المصري، بل إنهم يوم الانقلاب وجهوا أبصارهم نحو (ميدان التحرير) فقط واعتبروا أنه يمثل كل الشعب، وأغمضوا أعينهم عن كل الساحات المعارضة لهم في القاهرة وغيرها من المدن، وما زالوا يرتكبون أخطاء على مدار الساعة بدءً بتعطيل الدستور؛ ومروراً بالاعتقالات وتكميم الأفواه، وانتهاءً بالمواجهات المتكررة للمعتصمين السلميين، مع أن الاستمرار في العناد والبطش لن يهزم عشاق الحرية والكرامة الذين يظهرون كل يوم قدرة غير عادية على الثبات والصمود، واستعداداً متصاعداً لتقديم التضحيات. الذين يعتصمون ويتظاهرون في ميادين مصر، ليسوا جميعاً من جماعة الإخوان المسلمين، وليسوا جميعاً من مؤيدي الرئيس مرسي، لكنهم جميعاً ضد الاستبداد وضد حكم العسكر، وضد الخيانة والعمالة المهينة، وضد من يصادر أحلامهم في العيش بعزة وكرامة. خلال عامين من عمر ثورة 25 يناير جرت استفتاءات وانتخابات برلمانية وشوروية ورئاسية، شاركت فيها جميع القوى السياسية، وجاءت النتائج كما أرادها أغلب الناخبين، واختفت الغالبية الساحقة الماحقة كدليل واضح على النزاهة والشفافية، وليس من الإنصاف والعدل أن يتنازل الفائزون عن أصواتهم لأن الذين خسروا لم ترُق لهم نتائج الصندوق فيلجأون للانقلاب! لقد بدأت الحرب على الرئيس مرسي من اليوم الأول لتسلمه الرئاسة، فانطلقت حملة التضليل والتخويف والتشكيك؛ يقول أحدهم: مرسي يريد أن يفرض علينا لبس الجلابية! وثانٍ يزعم بأنه يريد يسلمنا لقمة سائغة لإيران، وآخر يقول ما تزال شوارع الإسكندرية تغرق في البلاليع ولم يقم مرسي بإصلاحها، والمتأني منهم يقول علينا أن نترك له مائة يوم لنرى هل سيتمكن من حل مشكلات مصر المتراكمة من عشرات السنين!؟ ثم الضخ الإعلامي غير المهني وغير الموضوعي - الموجه ضد الإخوان وضد الرئيس - الذي لم يبقِ للود مساحة، ولا للتعايش فرصة، ولا لحسن الظن مجال ومندوحة!! ومع ذلك فلابد من تقويم صحيح للماضي حتى لا تتكرر الأخطاء، فالنيات الحسنة وحدها لا تكفي لإرساء قواعد الدولة، وكانت ثورات الربيع العربي قد طالبت بتحرير المؤسسة العسكرية والأمنية من التبعية لفرد أو حزب أو جماعة لتصبح حامية للشعب لا سوطاً عليه، كان الواجب البدء بإعادة هيكلة هاتين المؤسستين على أساس مهني، وأن يُختار لوزارتي الدفاع والداخلية وزيران مدنيان يتم اختيارهما من خيرة أساتذة الجامعات من الشخصيات المستقلة المشهود لها بالنزاهة والكفاءة والصرامة، وكان الواجب عدم ترك أجهزة المخابرات على تربيتها وعقيدتها المكرسة ضد المواطن والتجسس عليه، بحيث تغير ثقافتها وتربيتها إلى حمايته وحراسة مصالحه وملاحقة المجرمين وقطاع الطرق واللصوص ومن يعيثون فساداً في الأرض، ومن يتآمر على أمن مصر واستقرارها، وكان الواجب أن يوضع على هرم أجهزة المخابرات قاضٍ حصيفٌ عادلٌ وحازمٌ، لا يأخذ الناس بالشك والريبة، ولا يظلم ولا يعاقب إلا بحكم قضائي. حوادث الفوضى وقطع الطرق وافتعال أزمات المرور والوقود وما شابهها كانت بحاجة إلى شدة وحزم، وتوقيع عقوبات رادعة ضد كل من يثبت تورطه في مثل هذه الحوادث، فهنا لا تكفي الموعظة ولا لفت النظر، ولا مجال للرأفة أو حسن الظن... وأعود للانقلاب العسكري ومواقف الدول منه، فباستثناء موقف تركيا وتونس وجنوب أفريقيا، جاءت مواقف الدول محل استغراب لأنها لا تنسجم مع ما تدّعيه وتدعو إليه من احترام إرادة الشعوب، والموقف الوحيد المنسجم مع طبيعتها هو موقف دولة الكيان الصهيوني الذي عبر عن فرحته وسروره بالانقلاب، فوجود دولة عربية ديموقراطية جواره تمثل خطراً كبيراً عليه؛ فكيف إذا كان الإسلاميون على رأس هذه الدولة! المواقف الأوروبية جاءت دون المستوى المأمول، أما موقف أمريكا فإنه لا ينسجم مع ما تدّعيه من إيمانها بحرية الشعوب وحرصها على إقامة أنظمة ديموقراطية، لكنه الموقف المتوقع منها في ظل تبعيتها العمياء لإسرائيل، فهي لاتزال تدرس فيما إذا كان عزل الرئيس المنتخب وتعطيل الدستور الذي صوت عليه أغلبية الشعب هل هذا انقلابٌ؟ أم ممارسة ديموقراطية؟! وهل الاعتقالات السياسية وإغلاق القنوات الفضائية تصرفات قمعية أم محافظة على الحريات العامة؟! أما دول الخليج التي ضخت مليارات الدولارات لدعم الانقلاب فواضح أنها قد جانبت الصواب، ولم تضع حساباً للعواقب، وليس في صالحها أن تدخل في صراع مع شعب مصر، بل إنها أشعرت المواطن المصري بالمهانة؛ لأنه يفضل الموت جوعاً ولا يقبل أن تذبح كرامته بالمال، وذاكرة الشعوب حادّة لا تنسى من يسيء إليها أو يستغل حاجتها، وما تزال المخاطر التي تحيط بدول الخليج كثيرة، وسترى أنها لن تستغني عن عمقها العربي والمصري بالذات. كل يوم يمضي يؤكد أن قسر الشعوب على ما تكره، وإجبارها لتتنازل عن حريتها وإرادتها دونه خرط القتاد، وهاهو الشعب المصري يخرج سلمياً يقاوم الطغيان والاستبداد والاستلاب، ويقدم التضحيات؛ دماً زكياً طاهراً من خيرة أبنائه ويُثبِت أمام العالم أنه لن ينهزم ولن يستسلم؛ رغم الزيف الإعلامي، والتآمر الإقليمي، والرضا الدولي، وحتى الوجبات الغذائية الفاخرة التي تقدم في ميدان التحرير لدعم وتزيين صورة الانقلاب لكنها لن تغير من الحقيقة على الأرض شيئا. أتمنى على الثوار في ساحات مصر، أن لا يدخلوا في ملاومات مع شيخ الأزهر أو بابا الأقباط، ولا حتى مع أولئك الذين يحضرون لتزيين المجالس، وأن يركزوا على أئمة الانقلاب الذين يتولون كبْر الجرائم التي ترتكب كل يوم. يا أحرار مصر عليكم بالصبر والثبات والله معكم ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم. اللهم احفظ مصر وأهلها، اللهم احقن دماءهم وصن أعراضهم واحفظ ديارهم وأموالهم، وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، ووفقهم لجمع الكلمة وتوحيد الصف... [email protected]