ليس هناك جديد يستحق الدهشة في تأييد المخلوع اليمني وأنصاره للموقف الروسي في ضم شبه جزيرة القزم؛ فهو موقف طبيعي يشابه مواقفهم تجاه ثورة السوريين ضد نظام الأسد في سوريا، وتأييدهم للانقلاب العسكري في مصر، وتجاه كل حركة مؤامرة أو انقلاب لأمثالهم في تونس وليبيا! وصولا إلى تحريضهم ضد رئيس الوزراء التركي (رجب أردوغان) وحزبه الحاكم! وهو بالمناسبة يتطابق تماما مع مواقف أمثالهم الانقلابيين من فلول حسني مبارك في مصر: شبرا بشبر، وهو كذلك الموقف نفسه الذي انتظم أعضاء مجموعة المتضررين من ثورات الربيع العربي! موقف المخلوع اليمني والمخاليع العرب في المشكلة الأوكرانية يراد به خداع الناس بأنهم ضد التدخل والنفوذ الأمريكي والأوربي، وكراهية في الهيمنة الأجنبية؛ أي موقف نابع من حيثيات وطنية وقومية، ولولا الخوف من شبهة الأخونة لأعلنوها: (إسلامية.. إسلامية لا شرقية ولا غربية)! ويراد به أيضا مسايرة ما يشاع أن الموقف الروسي في أوكرانيا هو صحوة قومية روسية لمواجهة النفوذ الغربي وتحديه.. وسقى الله زمنا قريبا كانت زيارة البيت الأبيض في ميزان المخلوعين العرب بمثابة عيد الغدير عند الروافض، وكانت دقائق عشرين أو حتى عشر في حضرة ساكن البيت الأبيض تكفي تموينا سنويا لرفع الروح المعنوية لدى المخلوعين، وزادا لا ينضب لعدد من افتتاحيات الصحف الرسمية عن مكانة العلاقات اليمنية (أو المصرية والتونسية) مع الولاياتالمتحدة، ودليلا على المكانة العالية والثقة الغالية التي تحظى بها القيادة السياسية لدى المجتمع الدولي بقيادة ماما أمريكا! اليوم صارت أمريكا والاتحاد الأوربي في ميزان المخلوعين (خالة) من النوع القاسي، أو محب غدار خائن خان العشرة والملح والتحالف؛ ليس لأسباب أيديولوجية أو صحوة ضمير قومية أو توبة نصوح من الارتماء في أحضان الصليبيين والصهاينة؛ ولكن لأن ماما أمريكاوجدة أوربا تركت أصدقاءها في وقت الضيق أثناء ثورات شعوبهم ضدهم، ووافقت أو سكتت على استبدالهم وتغييرهم عندما حان وقت التخلص منهم، وصاروا عبئا عليهم وعلى مصالحهم بفسادهم وطغيانهم! [وفي هذه المسالة لا بأس من التذكير أن المخلوعين العرب لم يكونوا يصدقون عندما كان يقال لهم بأن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح وليس الملعنة، وحركات نص كم، والانبطاح أمامهم بدلا من الاستقواء بالشعوب الحرة.. أو الهيام بماما وجدة إلى درجة اعتماد سياسة تخويف الشعوب بهم: (دي أمريكا يا بني!) على رأي المخلوع المصري! المرُّ.. والأكثر مرارة! نعود إلى المشكلة الأوكرانية؛ والحق أنه ليس جميع من أيد الموقف الروسي فعل ذلك على طريقة المخلوعين وإعلامهم إلى درجة تأييد المخلوع اليمني لعودة الاتحاد السوفيتي السابق بلحمه وشحمه!؛ فمثلا الدكتور عبد العزيز المقالح معروف عنه منذ البداية أنه رافض للهيمنة الاستعمارية الغربية، ولذلك لم يكن غريبا أن يكتب ما يفهم منه تأييد للموقف الروسي، وإن كان يعتب عليه أنه أوحى بأن موقفه هو موقف (كل شرقي).. وفي التعميم يكمن الشيطان والعفاريت والمخلوعون العرب؛ وصحيح أن البعض يتخذ موقفه بين روسيا والغرب من باب( إيش حذفك على المر قال اللي أمر منه!) إلا أن هناك شرقيين ليسوا قليلين يبدون محايدين على أساس ألا ناقة لنا ولا جمل في الحدث الأوكراني، وغيرهم لا يقفون مع الجانب الروسي ليس كرها في روسيا ولا حبا في الغرب ولكن لملابسات أخرى تتعلق ببعضها بكون القرم أرضا إسلامية محتلة، وشعبها الأصلي مسلما اضطهد مئات السنين على أيدي الروس الأرثوذكس والشيوعيين على حد سواء! وبعضها الآخر بكون الخلاف الأوكراني الداخلي انعكاسا في أحد أبعاده للصراع بين الحالمين بمجتمع حر وبين سلطة مستبدة فاسدة على النمط العربي المعروف! والموقف الروسي ليس بالضرورة أن يكون مبدئيا وإنسانيا لأن الغرب الاستعماري في الطرف الآخر؛ فما يحدث في أوكرانيا هو في البعد الخارجي منه استمرار للصراع القديم منذ عقود على الهيمنة على العالم ومناطق النفوذ بصورة جديدة تناسب عصر الديمقراطيات بعد انتهاء الحرب الباردة بهزيمة المعسكر الاشتراكي! وفي كل الأحوال فلا الغرب عاشق لحرية الشعوب ولا الروس أصحاب مشروع إنساني بدليل مواقف الطرفين الانتهازية حقا تجاه الأزمة المصرية الراهنة؛ فالموقف الروسي المؤيد للسلطة الانقلابية في مصر على السلطة الشرعية يتناقض مع حماسهم للسلطة السابقة في كييف، وتأييدهم للرئيس الأوكراني المخلوع بحجة أنه تأييد للشرعية الدستورية! حتى وصل الحماس للشرعية إلى درجة استيلائهم على شبه جزيرة القرم! وأما الغرب فقد اتبع أسلوبه المعروف في الدعممة في مصر معلنا تأييده لخارطة الطريق الانقلابية، مع شيء من إبداء القلق على حالة حقوق الإنسان المزرية لذر الرماد في العيون، ولإتاحة الفرصة للمغفلين ف الأرض أن يتحدثوا عن تأييد أمريكا وإسرائيل للإسلاميين! ما يهمنا في المشكلة الأوكرانية هو أن ثورة الأوكرانيين ضد الرئيس المخلوع تمت في إطار الدستور وليس بانقلاب عسكري فاضح ؛مثلما حدث في مصر ومع ذلك لم يتحمس كثيرون لإدانته؛ وهي مرحلة جديدة من استمرار ثورتهم البرتقالية قبل قرابة عشر سنوات ضد نفس الرئيس! والتي انتكست بسبب خلافات داخل صف الثورة مهدت لعودة المخلوع الموالي لروسيا.. ونظن أن موقفا سلبيا تتبناه طلائع الأمة العربية من هذا الموقف – فقط نكاية في الغرب- لن يكون موقفا حصيفا فضلا عن أن يكون موقفا مبدئيا.. فالأصل أن الموقف من ثورات الشعوب التواقة للحرية والانعتاق من الأنظمة الديكتاتورية يجب أن يكون واحدا في كل مكان، وفي أقل الأحوال الجنوح إلى الصمت الأخرس! القرم إسلامية.. لا روسية ولا أوكرانية! كذلك يهمنا أن القرم وشعبها جزء من التاريخ الإسلامي، وليس صحيحا ما قاله المخلوع اليمني لقناة روسيا اليوم أن القرم عادت إلى الأصل؛ فتاريخيا ليس لروسيا ولا لأوكرانيا حق في شبه جزيرة القرم؛ فهي أرض للمسلمين من تتار القرم قبل أن يحتلها الروس، وقد قاوم المسلمون الاحتلال الروسي قرابة مائة سنة، وكان آخر قادة المقاومة الإمام شامل المعروف في الذاكرة الإسلامية. ومنذ احتلال روسيا للمنطقة عام 1771 تمت عملية تدريجية لتهجير المسلمين من أراضيهم وإحلال قومية الروس وقوميات أخرى في وطنهم بدلا منهم، وغادر مئات الآلاف من التتار وطنهم إلى مناطق أخرى في الإمبراطورية العثمانية، وتحول البقية إلى أقلية تماما كما حدث في فلسطين 1948. وبعد الحرب العالمية الثانية صب ستالين غضبه الجنوني على مسلمي القرم، بسبب تعاون بعض منهم – مع أنهم كغيرهم كان منهم من قاوم الألمان ومنهم من كان همه الحفاظ على حياته- مع الاحتلال النازي لشبه جزيرة القرم، وهو تعاون حدث في عدة مناطق ومن أشخاص ينتمون لعدة قوميات ومنهم: الروس والأوكرانيون كراهية في النظام الحاكم، وتم حل جمهورية التتار وإلحاقها بجمهورية روسيا وقد سبق ذلك تهجير قرابة 300 ألف مسلم من بلادهم إلى سيبيريا وكازاخستان عقوبة لهم بمن فيهم من شارك في الجيش السوفيتي في الحرب ضد النازية! وكالعادة تم شطب التاريخ الإسلامي للمنطقة، وتدفقت إليها جماعات المستوطنين الروس والأوكرانيين لتحل محل شعبها المطرود من وطنه! وعام 1954 ألحقت شبه جزيرة القرم بأوكرانيا في عهد خروتشوف الذي كان ينحدر من مقاطعة كورسك الحدودية بين روسياوأوكرانيا، وعاش في أوكرانيا جزءا من شبابه، وتزوج امرأة منها، وتولى مسؤولية السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوكراني مرتين. [عندما قام النظام السوفيتي ؛بعد الانقلاب على حقبة ستالين أيام خروتشوف؛ بإعادة الاعتبار إلى القوميات غير الروسية وإلغاء القرارات المتخذة ضدها تم استثناء قوميتين هما: تتار القرم وألمان الفولجا من ذلك!]. خلاصة الكلام أن الصراع الأوكراني- الروسي على شبه جزيرة القرم (معناها القلعة بلغتهم) هو صراع غرباء على أرض ليست ملكهم أصلا، ومعظم أهلها ما يزالون منفيين عنها حتى اليوم.. ولعل هذا يفسر ما يبدو أنه استعداد أوكراني للتخلي عن القرم بعد أن بسطت عليها روسيا سيطرتها من جديد. السفارة ما تزال في العمارة! أما عن مشكلتنا نحن العرب بين الغرب والروس فتستحق كلمة سريعة.. فقد لا يكون لنا ناقة ولا جمل في الصراع بينهما في أوكرانيا؛ إلا أن لنا أخوة في الإسلام والإنسانية ضاعت حقوقهم كبشر ونحن مشغولون بتحديد الموقف بين الصقر الأمريكي والدب الروسي! ولكن كالعادة يتخذ البعض ما مواقفه بناء على محددات عاطفية ؛وهؤلاء الأكثر نقاء.. أما أمثال المخلوعين العرب وأتباعهم فهم يؤيدون الموقف الروسي نوعا من مما يظنونه انتقاما مشروعا من الغرب الذي سمح بإسقاطهم رغم كل ما قدموه له من خدمات.. حتى ضد الروس أنفسهم في زمان مضى! وهو موقف مضحك عندما نجد رجال امريكا إن لم نقل عملاءها في الوطن العرب يكثرون هذه الأيام من شتم أمريكا والغرب والحديث عن مؤامرات أمريكية أوربية ضد الوطن العربي بغرض تفكيكه من خلال تشجيع ثورات الربيع العربي؛ كما هو ملحوظ مثلا في القنوات المصرية ووسائل إعلام المخلوع اليمني التي أظهرت غيرة إعلامية على الاستقلال الوطني وكراهية لأمريكا والإمبريالية ترفع مستوى الخجل إلى درجة عند أعتى بقايا الثوريين العرب! ولا ينافس هذه النكتة في سماجتها إلا هذه الهجمة الإعلامية (فقط!) في الإعلام المصري عن المؤامرة الصهيونية الإخوانية المشتركة ضد مصر.. لكن في الوقت نفسه تستعيد العلاقات المصرية الإسرائيلية عافيتها منذ الانقلاب المصري، ولا تتعرض لأي منغصات أو سحب سفراء أو غفراء؛ رغم كل تهم التآمر على أم الدنيا والجيش المصري التي يكيلها الإعلام المصري ليل نهار للصهاينة، وفي المقابل تتوتر علاقات مصر مع تركيا وقطر لنفس التهمة! ويتم سحب السفراء المصريين، والتهديد بخطوات أشد.. فضلا عن استمرار المذابح التي تقيمها السلطة الانقلابية المصرية لعملاء إسرائيل المفترضين.. رغم أن السفارة ما تزال.. في العمارة! [المعلومات التاريخية الواردة في المقال مأخوذة من كتاب (المسلمون والروس يحددون مصير العالم) للأستاذ محمد جلال كشك نقلا عن كتاب (التهديد الإسلامي على الدولة السوفيتية)].