تحدثت في مقالي السابق (تساؤلات مشروعة في مقام الصالح والصالحين )عن بعض التساؤلات التي تبادرت إلى ذهني عند سماعي للدعاء في مسجد الصالح (اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد) وسماعي عبر وسائل الإعلام لعبارة (تبرع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بمبلغ 100 مليون ريال لدعم مرضى السرطان) وقد أرجأت الحديث عن ماهية هذه التساؤلات وسببها؛ رغبة في مشاركة القراء واستطلاع آراء المهتمين، واشكر الإخوة الذين تكرموا وشاركوا برسائلهم أو اتصالاتهم للتعليق على هذا الموضوع، ونزولا عند رغبة البعض منهم نواصل استكمال الحديث في هذا الموضوع، وان كنت أرى أن الأمر لا يحتاج إلى المزيد من التوضيح لان ذكر الموقفين وما شابههما يكفي للدلالة على استنكارهما وعدم قبولهما. وقبل الدخول في موضوعنا الرئيسي من المهم أن أشير إلى حقيقتين هامتين أولهما أن مسجد الصالح يعد مكسب ومفخرة لليمن واليمنيين ويشكر كل من كان له الفضل في إخراج هذا الصرح الشامخ إلى الوجود وعلى رأسهم الأخ الرئيس/ علي عبدالله صالح فهو صاحب الفكرة وتولى متابعتها والحث على إتمامها بأحسن صورة، والثانية هي الجهود العظيمة والدور الكبير الذي تقوم به جمعية السرطان في رعاية المرضى وتوفير العلاج المجاني لهم وأظنها لم تكن قادرة على القيام بهذا الدور وبهذه الصورة بدون تشجيع ورعاية ودعم رئيس الجمهورية ونائبه لها. أقول ذلك حتى لا يفسر مقالي على انه دعوة للانصراف عن دعم المشاريع الخيرية. بعد هذه المقدمة نبدأ بمسالة الدعاء (اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد) فمن بنى مسجد الصالح؟؟ هل هو الرئيس صاحب الفكرة وراعيها أم هم الناس الذين تنازلوا طواعية عن أرضيهم - بعشر ثمنها تقريبا - طمعا في ثواب الله أم هم المهندسون والعمال الذين اخلصوا في بنائه أم هم التجار والأثرياء الذين شاركوا بأموالهم في تكاليف بنائه أم هم هؤلاء جميعا؟؟ وبصراحة أنا أرجح الأخيرة فكل من ساهم بشيء ولو يسير في بناء هذا المسجد الأصل أن يشمله هذا الدعاء وان يكون في نية من يدعو. والمشكلة هنا إن الذين كانوا يدعون بهذا الدعاء لم يقفوا عند عبارة (اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد) حيث إن السامع سيفسرها على من يعتقد انه ساهم في بنائه، وإنما المشكلة أنهم كانوا يقصرونه على الرئيس فقط لأنهم يتبعون الدعاء بقولهم ( وارزقه البطانة الصالحة)، وفي هذا غمط لكل من ساهم في بناء هذا المسجد، حيث لا يمكن قصر الدعاء على سيادة الرئيس الصالح إلا إذا كان قد تكفل بجميع نفقات وتكاليف البناء والتجهيزات من الألف إلى الياء من ماله الخاص. وأيضا موضوع (تبرع رئيس الجمهورية لمرضى السرطان بمائة مليون ريال) فمن المتبرع ولمن تبرع؟ وما هو مصدر المال المتبرع به؟ فهل هي أموال الشعب وصرفت على لشعب أم هي أموال خاصة تفضل صاحبها وتصدق بها عليهم؟؟ في تصوري أن هذان الأمران (بناء المسجد والتبرع) محال عقلا ونقلا أن تكون من أموال الرئيس الخاصة وذلك للاعتبارات التالية: - يكفي للجزم بالاستحالة معرفتنا إن تكاليف بناء المسجد تجاوزت المائة مليون دولار، فكم هي ثروة الرئيس حتى ينفق منها (مائة مليون دولار للمسجد) و(ومائة مليون ريال لمرضى السرطان) ؟؟ - ونلمس ذلك بوضوح من خلال رواية الرئيس عن نفسه ورواية الكثير ممن عاصروه انه كان من أسرة ريفية بسيطة مثل عامة الشعب، لم تعرف بأي نوع من الثراء أو الإقطاع. - كما تتأكد الاستحالة عندما نستعرض تاريخ الرئيس الصالح حيث تدرج في السلك العسكري من أول السلم حتى وصل إلى منصب قائد لواء ثم رئيس جمهورية- وهذا الأمر يحسب له- وبنظرة بسيطة إلى الكشوف الرسمية لمرتبات كبار قادة الجيش والقوات المسلحة سيتأكد لنا استحالة توفير أي مبلغ لمواجهة أساسيات الحياة فما بالك بالتبرع والإنفاق على مشاريع كبيرة!! أما بعد توليه الرئاسة نجد أن منصب الرئيس وما يتعلق بالتصرف بالأموال والأنشطة الاستثمارية مقيد بنصوص دستورية، حيث تنص المادة (117) من دستور الجمهورية اليمنية على انه ( يحدد القانون مرتبات ومخصصات رئيس الجمهورية ولا يجوز له أن يتقاضى أي مرتب أو مكافأة أخرى.) وجاء في المادة (118) ما نصه (لا يجوز لرئيس الجمهورية أثناء مدته أن يزاول ولو بطريقة غير مباشرة مهنة حرة أو عملا تجارياً أو مالياً أو صناعياً، كما لا يجوز له أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة ولو بطريقة المزاد العلني أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو يقايضها عليه.) فإذا استحال على الرئيس تحقيق الثروات الطائلة وتوفير الأموال الكبيرة قبل تولي الرئاسة وبعدها، فلم يبقى أمامنا إلا اللجوء إلى حسن الفطن لأننا مأمورون بحسن الظن، وخاصة مع ولاة الأمر، فنقول إن الموقفين - والكثير مما شابههما - كانا نتيجة تزيد وتطوع من أصحابها لم يطلبها الرئيس ولم ينسبها لنفسه في يوم من الأيام - على حدود علمي- ولم يدرك أصحابها إن أثرها سيكون عكسي على عامة الناس، حيث إن أول سؤال مشروع يتبادر إلى الذهن (من أين له كل هذه الأموال وكم حجم مخصصاته حتى ينفق ويتبرع بهذا الشكل؟؟) واعتقد أن المسؤولية في المقام الأول تقع على مؤسسة الرئاسة والدوائر والأجهزة العديدة التابعة لها الإعلامية والسياسية والمستشارين الأمناء، حيث يجب أن ينظروا في كل ما يتعلق برئيس الدولة من مواقف أو تصريحات ويقيموا المناسب منها وغير المناسب حتى لا يحدث بعضها آثار عكسية وتفتح مجال للتأويل وسوء الظن. والخلاصة: قل (اللهم اغفر لكل من ساهم في بناء هذا المسجد) ولا تقصر الدعاء على الرئيس فقط، وإذا أردت أن تجامل الرئيس وحده وتميزه عن غيره فقل (اللهم اغفر لمن حث على بناء هذا المسجد) وأيضا عليك أن تقل (وجه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بتخصيص مبلغ 100 مليون ريال من ميزانية الدولة لدعم مرضى السرطان) ولا تقل (تبرع .........) فيكفي الشعب ما يعانيه من غلا وفقر ومرض فلا نزيد عليها المن والأذى. أرجوكم تابعوا معي الأدعية والتصريحات القادمة هل ستتغير وتتعدل أم أن الأجهزة المعنية ستظل نائمة لا تقوم بدورها ولا يعنيها تذكير المذكرين ولا نصح الناصحين.