[email protected] كثيرا ما كنت أقف متطوعا مدافعا ومستنكرا وذلك عندما اسمع البعض يتحدث عن حجم الفساد في الدولة وخاصة ما يتعلق بالمال العام وبموازنة الدولة تحديدا، وسبب دفاعي واستنكاري لا يرجع بالطبع إلى ثقتي بالقائمين على الموازنة، أو باطلاعي المباشر أو حصولي على معلومات مؤكدة عن عدم التلاعب بها وصرفها في مصارفها المحددة لها، فأنا لا أعرف المسئولين عن الموازنة معرفة شخصية تجعلني اجزم بنزاهتهم وعدم تلاعبهم بها، كما انه ليس لدي مصادر موثوقة تنفي حدوث أي تجاوزات، إنما يرجع سبب دفاعي واستنكاري إلى أن العقل والمنطق يقودنا إلى أن موازنة الدولة لا تحتمل كم الفساد والقصص التي يتم تداولها، بل تولدت لدي قناعة ذاتية بذلك، ووصولي إلى هذه القناعة لم يكن بسبب عمل غسيل لمخي لا سمح الله أو بسبب تعرضي لجرعات مكثفة من برامج وسائل الإعلام الرسمية ومن بينها برنامج قضايا وأحداث الإذاعي المتفنن في الدفاع عن الدولة وسياساتها بالحق وبالباطل، بل هذه القناعة كانت بسبب تشغيل بسيط للعقل والتفكير المنطقي في هذه المسألة، العقل الذي من المهم احترامه دائما ومخاطبته بالمنطق السليم والحجة المقنعة. و الأمر ببساطة أن الموازنة لو غطت فقط مرتبات الموظفين والجيش والخدمات الأساسية مثل التعليم والكهربا والصحة والطرق فكثر الله خيرهم، وذلك لأنه لن يتبقى منها الكثير الذي يفسدون فيه وبالحجم الذي نسمع عنه، وبخاصة إذا علمنا إن حجم موازنتنا يقل كثيرا عن موازنة شركة من الشركات العالمية الكبيرة، وأنا هنا أؤكد أني أتحدث عن الموازنة فقط، لأن هناك صور فساد أخرى من صور الفساد، ففي مجال البسط على الأراضي العامة مثلا أو مجال العمولات والرشاوى لبعض المسئولين بسبب منح بعض الامتيازات والتسهيلات للبعض فحدث ولا حرج، ولكن الصور هذه و الكثير غيرها تتم خارج إطار الموازنة. إلا انه أحيانا تمر بي بعض المواقف أو التصريحات التي لا أتمكن من فهمها أو استيعابها، وتحتاج إلى توضيح من الجهات الرسمية المعنية لتجيب على العديد من التساؤلات وتبين بعض الحقائق والملابسات، وذلك حتى لا نسيء الفهم ولا تأخذنا التأويلات إلى مدى بعيد بسبب هذه المواقف أو التصرفات أو التصريحات - التي تصدر ممن هم في موقع رسمي - وقد تحرج ولاة الأمر، وهناك موقفين من هذا النوع من المواقف، الأول كان قبل رمضان بأيام عندما أعلن الأخ/ نائب رئيس الجمهورية عن (تبرع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بمبلغ 100 مليون ريال لدعم مرضى السرطان) والثاني كان في بداية رمضان عندما كنت اذهب لصلاة التراويح في مسجد الصالح، وكانت الصلاة تختم دائما بالدعاء لمن بنى هذا المسجد (اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد)، وقد يستغرب البعض لماذا اخترت هذين الأمرين بالذات للتفكير فيهما والبحث عن تفسير منطقي أو توضيح مقنع لبعض التساؤلات التي تدور في الذهن حولهما على الرغم انه لا يختلف اثنان بأن التبرع لمرضي السرطان مندوب هذا إذا لم يكن واجبا والدعاء لمن يبني المساجد مشروع بل ولكل من يفعل الخير من المسلمين، فهي أعمال صالحة ولا يقوم بها في الغالب إلا الصالحون. وبصراحة لن أجيب عن هذا التساؤل في هذا المقال - إن كان هناك من سيتساءل – وسأرجئ الإجابة لمقال قادم، بشرط أن أجد من يتفاعل مع هذه التساؤلات سواء بتقديم توقع لماهيتها أو بالاستفسار عنها شفاهة أو كتابة أو حتى بالتعليق عليها، وممكن اعتبار هذه فزوره من فوازير رمضان ولكن جاءت متأخرة شوية وجائزتها ستكون قيمة جدا. أما إذا لم أجد أي تفاعل فأعدكم أني لن أتحدث عن هذا الأمر ثانية أو اشر إليه، لأن ذلك معناه انه أما أن الكل فاهم ولا يحتاج الأمر إلى تكرار ولن اكرر، أو أن احد لا يعنيه هذا الآمر أو انه ليس هناك من قرأ المقال من أساسه، وبالتالي فلن يكون هناك من سيقرأ المقال الذي بعده. واعدكم كذلك انه لو كفاني احدهم سواء أكان رسميا أو شعبيا وذكر سبب التساؤلات التي تدور حول أمر التبرع والدعاء وأوضح طبيعتها وقدم تبريرا منطقيا ومقنعا لها، فلن أعود للكتابة عنها وسأكتفي بالإشارة إلى المكان الذي نشر فيه هذا التوضيح حيث وان الغرض قد تحقق من المقال، أما عن الجائزة التي تحدثت عنها فهي قائمة في جميع الأحوال واكرر منحها لكل من توصل لإجابة شافية عن ماهية التساؤلات وقدم تفسيرا منطقيا لها، وحتى يشتد الحماس والتنافس فلن أتكتم عن الجائزة لذكرها في المقال القادم - لأنه احتمال أن لا يكون هناك مقال قادم - وبخاصة إذا وجد من يقدم لنا التوضيح الكافي والوافي، ولذلك يسعدني أن أعلن للجميع بأن الجائزة قيمة جدا وسيستفيد منها جميع أبناء هذا الشعب وهي عبارة عن (خطوة في طريق بناء هذا الوطن) نهديها لأرواح شهداء سبتمبر وأكتوبر.