ترتيب الأولويات مقياس مهم لنجاح الأعمال.. وفي قطاع التربية والتعليم في بلادنا يزج البعض بنا في متاهات غير ذات أولوية مثل: توفير الكتب والمعلمين وكفاءة الإدارات المدرسية، ووصول كتب المنهاج أو تأخيرها.. ناهيكم عن قضايا الفساد وضعف المستوى التعليمي والفشل في تعليم الطلاب! وقد اتضح مؤخراً أن هناك بالفعل لخبطة في ترتيب الأولويات.. والحمد لله أن إحدى الصحف الرسمية انتبهت لذلك،وكفتنا الهم، وأفردت صفحتين كاملتين لمناقشة أخطر قضايا التربية والتعليم في اليمن.. هذا التحقيق الصحفي المهم اكتسب أهمية تاريخية بمشاركة التربوي الأول معالي وزير التربية والتعليم بنفسه في جزء من المهمة فقد نزل إلى المدارس لتلمس المشكلة على الطبيعة! ويعلم الله أننا لا نسخر هنا من التركيز على هذه المشكلة العويصة.. ولكننا نرجو ألا يكون مصيرها كمصير بقية المشاكل:أي أن تترسخ و تتحول إلى إحدى الثوابت السلبية في مجتمعنا! ولكيلا تطول المقدمة.. فالمشكلة التي نتحدث عنها اليوم هي أن مدارس اليمن بلا حمامات.. وإذا وجدت الحمامات فهي تفتقد إلى الماء وحنفياتها مكسرة.. وإذا وجدت حمامات سليمة فهي قليلة جداً بعدد أصابع اليد الواحدة أو أقل، ويفترض أن يستخدمها آلاف الطلاب! هذا الوضع بائس في مدارس اليمن –الحكومية طبعاً- بأس ومقرف وغير صحي،و يجعل الطلاب يخرجون إلى الشوارع المحيطة بمدارسهم ليس للتفاعل مع الشعب ونشر المعرفة ولكن لنشر سمومهم في البيئة المجاورة.. و يصل الأمر ببعض الطلاب إلى الانتقال من مدرسة إلى أخرى ليس بسبب تميزها العلمي وجودة العملية التربوية والتعليمية فيها؛ ولكن وفقاً للمعيار اليمني الأهم: بو حمامات وإلا لا؟! إذن.. ليست القضية الأهم: الكتب أو المدرسون.. أو الإدارة.. قبل كل شيء وبعد كل شيء: شي حمامات في المدرسة أو لا؟ فإذا كان هناك حمامات فحيا ومرحباً.. والعلم نور.. ومن علمني حرفاً صرت له عبداً..وإذا لم تكن هناك دورات مياه فالشعارات تتحول إلى: العلم دورة مياه.. ودفع المفسدة مقدم على جلب العلم! وبناء على ما سبق؛ فإن على وزارة التربية والتعليم أن تهتم بوضع إستراتيجية سريعة لمواجهة مشكلة: مدارس بلا حمامات.. وليكن شعارها: الحمام النظيف حق دستوري لكل طالب وطالبة.. واطلبوا الحمامات ولو في.. الصين! على الإستراتيجية المفترضة أن تجعل تقييم الإدارات المدرسية مرتبطا بالمستوى الحضاري لوضع الحمامات في المدارس، ومدى قدرة كل إدارة على توفير الحمامات الصالحة لطلابها.. والمعلمين من باب أولى ؛و تمكين الطلاب من ممارسة حقوقهم الطبيعية دون أي معوقات أو عراقيل ،وعلى المسئولين في وزارة التربية والتعليم أن يعطوا هذا الأمر جل اهتمامهم؛ فإذا زاروا مدرسة أوصوا الإدارة بالحمامات وضرورة اللحاق بالعالم المتقدم في هذا المجال الحيوي! بناء الحمامات ونظافتها يجب أن يسبق التربية والتعليم.. هذه القاعدة يجب أن تكتب وتعلق في كل مدرسة.. والمدير الذي لايعلم كيف يقضي طلابه يومهم الدراسي بلا حمامات لا يعلم بالتأكيد هل تعلموا أم أنهم قضوا يومهم في الحوش أو في الشوارع المجاورة للمدرسة! الأستاذ أحمد النعمان – أحد رواد حركة المعارضين اليمنيين ضد الإمامة- عانى في سجن الإمام الحرمان من التمتع بإنسانيته وحريته؛ لكنه فيما بعد سجن في سجن مصري وعانى من حرمانه من الذهاب إلى دورة المياه إلا لدقائق قليلة مرة أو مرتين في اليوم؛ فأطلق صيحته الساخرة (كنا في أيام الإمام نطالب بحرية القول.. فصرنا اليوم نطالب بحرية البول).. ولو استمرت مشكلة الحمامات دون حل حاسم فقد يأتي يوم تظهر فيه تجارة جديدة لتوفير حمامات متنقلة لطلاب المدارس وتتخذ أماكنها بجوار عربيات الأيسكريم وبائعي البطاط وشعر البنات!
فساد.. مغضوب عليه! على ذمة صحيفة (الميثاق) أن رئيس (هيئة) قام بنقل أثاث مكتبه من الدور الأول إلى الدور الثاني بمبلغ سبعمائة ألف ريال قبل أن يخفضها إلى قرابة 400 ألف ريال فقط! كذلك قام الرئيس المشار إليه ببناء مظلة لوقاية سيارته من أشعة الشمس بمبلغ ألف دولار بعد أن جفت الأشجار في حوش المؤسسة التي كانت توفر الظلال مجاناً! المشكلة أن(الميثاق) لم تقل لنا: ما هو الجديد في ذلك؟ ألم تسمع عن الأستاذ الرياضي الذي تكلف إعادة تأهيله من أجل خليجي أضعاف تكلفة بنائه؟ ألم تسمع عن عشرات ومئات المشاريع التي بنيت ثم انهارت قبل أن يحتفل المؤتمريون بعيد ميلادها الأول ويغنون لها: سنة وسخة.. ياجميل! ألم تسمع أن وزراء سابقين عندما علموا بإعفائهم من مناصبهم؛ قاموا بنهب أجهزة الكمبيوتر والسيارات التي تبلغ قيمتها أضعاف تكاليف النقل؟ ما هذا؟ حتى الفساد فيه: كوسة.. وابن الجارية وابن الحرة؟
كلام في الصميم! انتقاد الزعماء وإسماعهم كلاماً صريحاً جريئاً لا يحدث عادة إلا في المجتمعات التي تعيش حياة ديمقراطية حقيقية أو في المجتمعات التي لا تزال أقرب إلى البداوة.. ومن النوع الأول ما هو معروف ومسموع في المجتمعات الأوروبية والغربية بشكل عام حتى يصل الأمر إلى حدود يخشى الشرقيون مجرد التفكير فيها.. فرئيس الوزراء البريطاني السابق (توني بلير) صورته الصحافة البريطانية في رسوم كاريكاتيرية بصورة (كلب) وفي للرئيس السابق جورج بوش نتيجة تأييد الأول لسياسات الثاني دون احترام لمكانة بريطانيا العظمى! وربما كان الرئيس الأمريكي السابق (رونالد ريجان) هو أكثر رئيس أمريكي سخرت منه الصحافة وشاعت النكت عنه بسبب خلفيته السينمائية التي جاء منها إلى الوسط السياسي.. وايضاً بسبب كبر سنه فقد تولى الرئاسة بعد أن تجاوز السبعين وعرف أمراض الشيخوخة حتى راجت نكتة أمريكية عنه أنه شكا للطبيب بأنه يقضي حاجته في الصباح في الساعة السابعة والنصف يومياً.. فلما سأله الطبيب عن المشكلة في ذلك! قال ريجان: إن المشكلة أنه يستيقظ الساعة الثامنة صباحاً! وفي المجتمعات البدوية، يتعرض الملوك والأمراء إلى مواقف محرجة من رعاياهم الذين لا يعرفون آداب السلوك في التعامل مع الملوك.. وكان الملك عبدالعزيز آل سعود يواجه كثيراً من هذه المواقف في بداية حكمه.. حتى أن أحد رعاياه قفز يوماً ينتقد ما وصفه بأنه تطويل للثوب الذي يلبسه الملك إلى درجة مخالفة السنة، وسمح الملك للشاب أن يقص الزيادة أمام الناس دون حرج! أما الإمام يحيى حميد الدين فقد واجه مواقف شديدة على الطريقة اليمنية.. ويقال إن أول من أسمعه كلاماً جريئاً كان شيخ همدان (علي مطلق) الذي قال له الإمام يوماً ما: من جعبلك وفعلك شيخ؟ فرد عليه: الذي جعبلك وفعلك إمام وأنت.. فقيه! أما عامة الرعية فقد كان تسخر من الإمام يحيى باستخدام التورية والتلاعب على التشابه اللفظي بين كلمتي (يحيى) و(يحيا) ؛فعندما يتحادث صديقان يقول الأول: يموت الحمار وإلا يحيا (قصده يحيى). فيرد الثاني: يحيا طبعاً (أي: يحيى)!
حزب حاكم.. بطران! لا يوجد نظام عربي يحب المعارضة في بلاده.. وكل أحزاب المعارضة في ميزان الأنظمة: عميلة وخائنة أو انتهازية تتكسب من معاناة الناس! وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في بلادنا هو الحزب الوحيد الذي تتحمس صحافته لمدح أحزاب المعارضة ولكن في البلدان. الأخرى، والإشادة بها وبوطنيتها مقارنة بأحزاب المعارضة في اليمن التي لا تحمد الله ولا تشكره.. وتطالب بانتخابات حرة وإصلاح النظام الانتخابي قبل كل شيء! الحل الآن بين أمرين: -إما أن ترحل السلطة المؤتمرية إلى الخارج حيث أحزاب المعارضة التي تحبها وتمدحها كل حين وآخر! وإما أن ترحل المعارضة اليمنية ويستورد المؤتمر معارضة على مزاجه من أي بلد عربي! ما تتجاهله صحافة المؤتمر أن ليس كل الأنظمة العربية سعيدة بأحزاب المعارضة فيها.. ولو قيل في اليمن 10% مما تقوله المعارضة المصرية أو اللبنانية في حق الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية وعائلته وأبنائه لأعلنت حالة الطوارئ في بلادنا ونزلت الدبابات والمصفحات إلى الشوارع وأعدم المعارضون قريباً من شعارات الديمقراطية والرأي والرأي الآخر.
ابدأوا بأنفسكم! مقال ظريف في إحدى الصحف المؤتمرية دعا كاتبه فيه الجميع إلى التوقف عن كل ما يسيء إلى خليج 20! الكاتب دعا المؤتمر والمعارضة إلى إيقاف أو تأجيل خلافاتهما.. وكذلك دعا القاعدة إلى إيقاف عملياتها والحراك إلى إيقاف فعاليته.. والحوثيين إلى إيقاف استفزازاتهم! ولأن الحلو ما يكملش.. فقد نسي أن يدعو الفساد إلى إيقاف عبثه بأموال الشعب ولو في الدور الأول من البطولة! ونسي أن يطالب المسئولين في الدولة بإيقاف التصريحات الكاذبة وممارسة الصدق خلال البطولة لنعطي للأشقاء الخليجيين فكرة طيبة عن البلاد! هناك أشياء مرتبطة بالسلطة وحزبها الحاكم كانت تستحق أن يدعوهما المقال إلى الالتزام بها أثناء خليجي 20.. ليس من أجل الأشقاء ولكن من أجل المواطنين المساكين الذين يعانون من قبل ومن بعد البطولة.. وسيكون مناسباً أن يشعروا أنهم بشر وليس (...)! اعرف نفسك أولاً..
قيل إن الشاعر المشهور (الطرماح بن حكيم الطائي) قعد للناس وقال: اسألوني عن الغريب –أي غريب اللغة- فقد أحكمته كله. وكان في ذلك صادقاً.. فقال له رجل: ما معنى الطرماح؟ فلم يعرفه! أحلى الكلام..