تجمّع الآلاف من المصريين السبت وسط القاهرة لمواصلة الاحتجاج، في حين اندلعت صدامات عنيفة في مدينة الإسماعيلية بين قوات الأمن وآلاف المتظاهرين المطالبين برحيل الرئيس مبارك. يأتي ذلك في وقت دعا فيه المعارض محمد البرادعي الرئيس مبارك إلى الرحيل. وتمركز الجيش المصري الذي دعي الجمعة الى مساندة الشرطة التي عجزت عن احتواء التظاهرات التي تهز البلاد منذ الثلاثاء، عند تقاطعات الطرق الرئيسية وقرب المباني الرسمية. وكان مبارك اعلن في خطاب ليل الجمعة السبت اقالة حكومة احمد نظيف وتعهد بخطوات جديدة على طريق الإصلاح من دون أن يحددها. وأسفرت هذه التظاهرات غير المسبوقة في عهد مبارك، عن سقوط 27 قتيلا على الأقل ومئات الجرحى منذ الثلاثاء.صرح المعارض المصري محمد البرادعي في مقابلة مع محطة "فرانس 24" السبت ان الرئيس المصري حسني مبارك "يجب ان يرحل". وقال المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية "سانزل اليوم لأشارك مع زملائي في تحقيق طفرة" نحو الإصلاح "ولنؤكد للرئيس مبارك انه يجب ان يرحل". وكان البرادعي الذي عاد مساء الثلاثاء إلى مصر، نزل إلى الشارع أمس تلبية لدعوة الحركات الشبابية وأدى صلاة الجمعة في ساحة أمام مسجد الاستقامة بميدان الجيزة (جنوب العاصمة). وقال البرادعي يوم عودته إلى مصر انه مستعد لقيادة "المرحلة الانتقالية" في مصر. ورأى البرادعي في المقابلة السبت أن "الحكومة الأميركية ما زالت متمسكة بالرئيس مبارك ويجب ان يدركوا أن مصداقيتهم تتضاءل في الشارع المصري والعالم العربي". وأدت التظاهرات يوم الجمعة الى مقتل 20 شخصا، وقالت المصادر ان 13 شخصا على الأقل قتلوا في السويس فيما قتل خمسة في القاهرة واثنان في المنصورة (دلتا النيل). ومنذ بدء التظاهرات الثلاثاء الماضي قتل 27 شخصا على الأقل، إذ توفي سبعة أشخاص متأثرين بجراحهم خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.وأصيب في تظاهرات الجمعة مئات الأشخاص، وفقا للمصادر نفسها. وبلغت الاحتجاجات المستمرة منذ أربعة أيام ذروتها الجمعة ما دفع الرئيس الأميركي إلى عقد اجتماع خصص لمتابعة الوضع في مصر طالبا اطلاعه على المستجدات أولا بأول، حسب ما أفاد البيت الأبيض. إلى ذلك دعا اليوم قادة عدد من دول العالم السلطات المصرية إلى الإصغاء لمطالب المحتجين وحثوا جميع الأطراف على ضبط النفس. ففي اتصال هاتفي استغرق ثلاثين دقيقة، دعا الرئيس الأميركي باراك اوباما نظيره المصري حسني مبارك الى اتخاذ خطوات "ملموسة" للإصلاح السياسي والامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين المعارضين لنظامه. وقال اوباما ان "الشعب المصري لديه حقوق يتشارك بها الجميع بما فيها الحق في التجمع سلميا وفي حرية التعبير وإمكانية تقرير المصير". واكد انه طلب من مبارك ان يفي بالتعهدات التي قطعها في خطابه للمصريين الجمعة. وكان مبارك اعلن في خطاب مساء الجمعة اقالة الحكومة وتعهد ب"خطوات جديدة" على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقال اوباما "قلت له أن لديه مسؤولية إعطاء معنى لهذه الكلمات (...) وعليه اتخاذ خطوات ملموسة للإيفاء بتعهداته". وقبيل تصريحات اوباما، دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الحكومة المصرية إلى "السماح بالتظاهرات السلمية والعودة عن الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها بقطع خطوط الاتصالات". كما طالبتها "بالبدء فورا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية". وكان مسئول أميركي صرح أن واشنطن قد تعيد النظر في سياستها بشان المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات التي تقدمها إلى مصر في ضوء الرد الحكومي على التظاهرات. وقد رأى السناتور الأميركي جون كيري أن على مصر أن تختار رئيسا جديدا لها عام 2011 عبر انتخابات "حرة ونزيهة وديمقراطية". وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي "لدى الرئيس مبارك فرصة لتهدئة الوضع عبر ضمان قيام عملية انتخابية حرة ونزيهة وديمقراطية عندما يحين وقت اختيار رئيس جديد للبلاد في وقت لاحق من هذه السنة". وفي نيويورك تسببت الازمة في مصر باكبر تراجع لبورصة نيويوك منذ تشرين الثاني/نوفمبر اذ تراجع مؤشر داو جونز 1,39 بالمئة ومؤشر ناسداك 2,48 بالمئة. وأغلق داو جونز على 11823,70 نقطة بعد خسارته 166,13 نقطة بينما تراجع ناسداك 68,39 نقطة ليقفل على 2686,89 نقطة. كما دفعت الاضطرابات في مصر اسعار النفط الى الارتفاع. ففي نيويورك اغلق سعر برميل النفط الخفيف (لايت سويت كرود) على 89,34 دولارا، بارتفاع قدره 3,70 دولارات او 4,32 بالمئة. اما في لندن، فارتفع سعر برميل البرنت نفط بحر الشمال الى 99,74 دولارا مقتربا من عتبة المئة دولار التي لم يتجاوزها منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر 2008. من جهة اخرى، نصحت الحكومة الاميركية رعاياها "بتأجيل اي سفر غير ضروري" الى مصر كما دعت الأميركيين الموجودين فيها الى تجنب التنقل والتزام الحيطة والحذر. واثار قطع السلطات المصرية الانترنت لمنع المتظاهرين من التواصل انتقادات في الولاياتالمتحدة. وقال المتحدث باسم البيت الابيض روبرت غيبس ان "الحكومة (المصرية) يجب ان تحترم حقوق المصريين واعادة امكانية الدخول الى المواقع الاجتماعية وشبكة الانترنت". من جهتها، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ان "الاستخدام المتواصل للقوة ضد المتظاهرين (...) امر مقلق للغاية". ودعت السلطات المصرية الى "العمل بسرعة على ايجاد وسيلة بناءة وسلمية للتجاوب مع التطلعات المشروعة للمواطنين المصريين لاقرار إصلاحات ديموقراطية واجتماعية اقتصادية". كما طلبت من السلطات المصرية اطلاق سراح كل المتظاهرين الذين اعتقلوا خلال التظاهرات "على الفور ومن دون شروط". ورأى رئيس البرلمان الاوروبي البولندي جيرزي بوزيك من جهته ان "القوة ليست الرد على المخاوف المشروعة والتطلعات الديموقراطية للشعب المصري"، ودعا السلطات المصرية الى اعادة تشغيل خدمات الاتصالات في البلاد. ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الى تطبيق "اصلاحات" في مصر. وقال "علينا ان ندعم الاصلاحات واحداث تقدم في تعزيز الديموقراطية والحقوق المدنية وحكم القانون في مصر". وفي باريس، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل اليو ماري ان بلادها تدعو الى "ضبط النفس والحوار" في مصر وعبرت عن "قلقها العميق" حيال الاحداث الاخيرة التي شهدها هذا البلد. وقالت ان "الحوار بين كل الاطراف من شانه وحده ان يسمح بتطور ملحوظ وايجابي للوضع بهدف اخذ التطلعات نحو مزيد من الحرية والديموقراطية في الاعتبار". وتظاهر مئات الاشخاص الجمعة في باريس دعما للتحركات الاحتجاجية ضد نظام مبارك ورددوا هتافات بينها "مبارك ارحل". وردد المتظاهرون الذين تجمعوا تلبية لدعوة من رابطة حقوق الانسان ولجنة التضامن مع نضال الشعب المصري "مبارك ارحل" و"ليسقط مبارك" و"الشعب يريد حل الحكومة". وعلقت كل وكالات السفر الفرنسية مساء الجمعة كل رحلاتها الى مصر بينما دعت فرنسا رعاياها الى"الحد" من تنقلاتهم في مصر. وفي روما، دعت وزارة الخارجية الايطالية الى "الوقف الفوري لاعمال العنف" في مصر و"احترام الحريات المدنية وحرية التعبير والتواصل بما في ذلك التظاهر سلميا"، معبرة عن "اسفها العميق للضحايا المدنيين". اما الامين العام للامم المتحدة بان كي مون فقد اكد ضرورة "احترام" حرية التعبير "بشكل كامل" في مصر، واعتبر ان الوضع "فرصة لالتزام السبل الكفيلة تلبية التطلعات المشروعة لشعوبها". وفي جنيف، طالبت المفوضة العليا لحقوق الانسان في الاممالمتحدة نافي بيلاي برفع حال الطوارىء المفروضة في مصر منذ ثلاثين عاما. وقالت "اعتقد ان رفع حال الطوارىء منتظر منذ فترة طويلة وهو مصدر قسم كبير من الاحباط والغضب الذي يسود الشوارع حاليا". وفي كوبنهاغن، دانت وزيرة الخارجية الدنماركية "استخدام العنف" ضد المتظاهرين ودعت الحكومة المصرية الى "بدء حوار" مع المحتجين لتجنب استمرار العنف. وفي ستوكهولم، قال وزير الخارجية السويدي كارل بيلت ان "مصر تحتاج الى مبادرة سياسية تقود الى انتخابات رئاسية مفتوحة وديمقراطية هذا العام". وقال ان "مصر هي ثاني اكبر البلدان في جوار الاتحاد الاوروبي من حيث عدد السكان بعد روسيا، وما يحصل فيها يرتدي اهمية كبرى بالنسبة الينا"، معتبرا ان قرار السلطات المصرية منع الدخول الى شبكة الانترنت "خطير". وفي سيدني، اعلنت الحكومة الاسترالية انها رفعت درجة التحذير من السفر الى مصر نظرا "للوضع الامني الصعب" فيها. وفي مونتريال تظاهر اكثر من مئة شخص معظمهم من أصول مصرية وتونسية ولبنانية امام القنصلية المصرية تعبيرا عن تضامنهم مع المتظاهرين المعارضين لمبارك. وقد رفعوا أعلاما مصرية وتونسية ورددوا هتافات مستوحاة من حوادث تونس.