الحرية هبة الله لبني الإنسان، بها يشعر بالكرامة والعزة، يعيش رافع الرأس، مستقل القرار، لا يخضع لمستبد، ولا يضعف أمام طاغية، ولا يرضى بالدون من العيش، ولا يقبل أن يستغله بشر، أو يمتن عليه أحد بأنه الذي يسمح له بالقول أو العمل، أو يدعي بأنه لولاه ما نعم بالأمن والسلام.. الإنسان مخلوق كريم، له هدف ورسالة سامية في الحياة، وهو ليس كالحيوان الذي يعيش ليأكل، بل هو حر لا يقبل أن يصادر حريته فرد ولا نظام، ولا أن يأتي من يقسره على ما يكره، وكلما تمتع الإنسان بحريته أنتج وأبدع، وشيد البنيان، وأقام العمران، وعبر عن أشواقه وكرامته وآماله وآلامه، وهل صنع الحضارات غير الأحرار؟! وهل اكتشف الاختراعات، ونشر العلوم إلا أولئك الذين توفرت لهم بيئات الحرية؟! وهل وجد الإنسان السعادة والرفاهية والازدهار إلا حين عاش عزيزا كريما عالي الهامة؟! أما حالات الظلم والاستبداد، ومصادرة الحريات فتمثل مراحل الإرتكاس والانحطاط في حياة الأمم والشعوب، تصيب الإنسان في مقتل، حين تكتم أنفاسه، وتقطع أشواقه، وتحوله إلى ترس في آلة، وتجعل من المستبد إلها يعبد، هو الذي يفكر للناس، ويعطيهم، ويمنحهم، ويحرمهم، ويدافع عنهم، ويرى لهم ما يراه صوابا، ويظن أن يهديهم إلى سبيل الرشاد، تلك حالة الاستثناء التي تميت البشر وتصادر حرياتهم وعقولهم، وإذا لم يثوروا عليها وينتفضوا للتخلص منها يدفعون الثمن غاليا من كرامتهم وعزتهم. إن الأنظمة الديكتاتورية أودت بشعوبها في موارد الهلاك، وحولت تلك الشعوب إلى الذلة والمهانة، عبثت بثرواتها، ونهبت خيراتها، وسخرت من رجالها ونسائها، ولو أن هذه الأمم قاومت الظلم وقدمت التضحيات لوفرت على نفسها المعاناة وأنقذت نفسها من براثن الذل والطغيان وانتقلت إلى حياة تليق بكرامتها، ولم تخسر ما تدفعه مضاعفا تحت ظل الاستبداد!! الفرق اليوم بين دول العالم الإسلامي التي تعيش تحت وطأة الاستبداد، والدول الأخرى التي تنعم بالرخاء والنماء والتقدم، أن هذه الأخيرة رفضت الاستبداد، ولم تقبل أن يتسلط عليها حاكم أو نظام ظالم، فانعكس ذلك على حياتها ومكانتها، بينما لا تزال شعوب عربية وإسلامية في تخلف وتدهور وضعف وهوان.. ها نحن اليوم نشهد عودة الوعي في عالمنا العربي من جديد، وأدرك الإنسان الغربي الداء الذي قعد به عن مواكبة طموحاته وأشواقه، واكتشفنا خلال الثورتين التونسية والمصرية، كم هي إمكانات وقدرات شعوبنا العظيمة التي كتم أنفاسها الاستبداد، وبدد إمكاناتها الطغاة!! وفي ليبيا ثورة جاءت متأخرة جدا، حيث عاش هذا الشعب أكثر من أربعين سنة تحت ظل حكم مستبد بدد ثورة أمته، وأصبح مصدرا للشر والعدوان، ومضرب مثل في السفه والعبث بخيرات شعبه، الذي فرض عليه حياة الفقر والعوز والحاجة، مع أنه يرقد على بحيرة من النفط ورقعة واسعة من الأرض وعدد محدود من السكان، لكن المستبد ظن أنه قد ملك الأرض والإنسان، وصار يتصرف بها مع أسرته وأولاده كأملاك خاصة، وكان لابد أن ينتهي هذا الاستبداد ويستعيد الليبيون حريتهم، ولن يتم ذلك بغير تضحيات، ويجب عدم الندم عليها أو الخوف منها فتلك أثمان الحرية. وللحرية الحمراء باب... بكل يد مضرجة يدق..