يمكنك أن تأتي إلى ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء من أي الجهات الأربع شئت, واحضر بحوزتك أي شئ عدا السلاح أو آلة حادة. يتوجب عليك أن تخضع لإجراءات تفتيش عاديه احترازية لسلامتك أولا وللآخرين بالداخل ثانيا,ستقابل شبابا في مقتبل العمر يستقبلونك بالترحاب والابتسامة ,ينتظمون في صفوف متوالية ثلاثة,قبل أن تحط رحالك في إحدى الخيام, لتكون أول رسالة تعلمتها أن نظاما بديلا ومختلفا يتشكل من هنا,يمثل الخيار الأفضل لآخر قائم وآيل للسقوط. كما أن التواجد هنا لم يعد مقتصرا على التجمع وترديد الهتافات المطالبة برحيل النظام,وإنما تعداها إلى مهام أخرى. إقبال للمتطوعين وتكريم للمبدعين هناك من تتلخص وظيفته في حمل ميكرفون المتحدثين,وهناك من يقوم برسم ألوان العلم الوطني وكتابه العبارات على اللافتات والجدران المحيطة بالساحة. محمد الزمزمي, شاب قدم من مديرية النادرة بمحافظة إب,كغيرة من آلاف الشباب الذين توافدوا من مديريات ومحافظات عدة,ومع دخول يوم جديد من عمر ثورة التغيير, تنضم محافظات أخرى لتكتمل حلقاتها بمرور الأيام. يجلس محمد بداخل خيمة مخصصه للجنة الإعلامية, حيث يقوم بكتابه العبارات التي يريدها الشباب بأقلام الخط الكبيرة والملونة,كما يقوم برسم ألوان العلم الوطني على وجوه الأطفال الصغار والراغبين من الكبار أيضا. وبينما كنت اسأله عما يقوم به,كان اثنان من الأطفال الصغار يطلبان مني تصويرهما بعد أن فرغ محمد من رسم ألوان العلم الوطني على وجهيهما. كما يعمل آخرون يجيدون مهنه الخط والرسم برفقه محمد,وكلهم يقولون إنهم يساهمون بما يملكون في تشكيل معالم هذه الحركة التغييرية التي تدعو لرحيل النظام بعد أن قضى ثلاثة عقود في الحكم وآن له أن يرحل. وبجانب تلك الخيمة,يستقبل الدكتور فتح الله العماد, اختصاصي الطب التنفسي,بخيمة اللجنة الطبية حالات إغماء جراء تعرض أصحابها لحرارة الشمس,وعدد ممن يعانون من التهابات الحلق. ويقول العماد,وهو طبيب بالمستشفى الجمهوري انه يعمل هنا,لمسانده من يتعرضون لإصابات أو مشاكل صحية بالإسعافات الأولية المتاحة. والى جانبه يوجد أكثر من عشرة مابين طبيب وممرض وصيدلي يعملون بشكل تطوعي وكجزء من واجبهم تجاه مطالب الشباب,يحضرون بعد أن يفرغ كل واحد منهم من عمله الرسمي. ويقول الصيدلي محمد علي إنهم يتلقون دعما كبيرا سواء من المتظاهرين أو بعض الأطباء والجهات الأخرى,مشيرا إلى أن عددا من الأطباء أبلغوهم عن استعدادهم للمشاركة والحضور متى ما طلب منهم ذلك,حيث وضعوا أرقام هواتفهم لدى اللجنة للاتصال بهم حال الحاجة. ويتم توفير الأدوية والمستلزمات الطبية الأولية عن طريق جمع التبرعات من المعتصمين, بالإضافة إلى عدد من الجهات والصيدليات,كما أبدت عدد من المستشفيات الخاصة استعدادها لاستقبال ومعالجه أية حالة خطيرة. وأنت تتنقل بين المعتصمين ستجد خياما كثيرة تحت عناوين كثيرة أيضا, تنتظم إلى جوار بعضها,لكن سكانها ربما من أغلب محافظات البلاد,وكل يوم يصل ممثلون لقبائل ومناطق مختلفة, ينصبون الخيام ويعلنون الثورة سلميا تاركين أسلحتهم خلف ظهورهم والانضمام إلى حركه الشباب, ما يدحض أباطيل النظام التي تروج لحدوث حرب أهليه بسبب السلاح,ناهيك عن أن تواجد هؤلاء تحت مطلب واحد يتمثل في»إسقاط النظام»,بالتزامن مع تحركات مماثله في عموم البلاد,وتحت نفس المطلب جسد هو الآخر وحدة الوطن وأن لا خوف من فزاعة الانفصال التي تبثها أجهزة الزيف والدعاية للنظام المترنح تحت ثوره الشعب, وعما قريب سيسقط ويعم الخير والسلام والأمان والرفاه الكريمة. نشاط تجاري وحراك ثقافي تحولت ساحة التغيير إلى سوق تجاري نشيط,بعد أن أخذت تستقطب يوميا باعة متجولون وأصحاب عربيات يبيعون العصائر والآيسكريم والخيار,كما عاد الأمل مجددا لأصحاب أكشاك الصحف والمجلات في إمكانية تحقيق عوائد مادية خاصة بعد أن أكمل الطلاب اختبارات الفصل الأول الجامعي, وهم الذين كانوا يمثلون زبائن دائمين لشراء هذه المطبوعات. فقد دفع ازدياد أعداد المنضمين إلى صفوف المحتجين,نزوح وهجرة باعة متجولين كثيرين للقدوم من أنحاء متفرقة من العاصمة, وذلك بغيه تحقيق مكاسب مادية أفضل بسبب القوة الشرائية الهائلة التي يمثلها هؤلاء. ومن هؤلاء القادمين إلى هنا, إبراهيم محمد, صاحب عربيه لبيع العصائر,الذي قال انه قدم من الحصبة بعد أن علم بازدياد أعداد المتظاهرين وتأكيدهم البقاء لمده طويلة,ما يعني ضمانا لموسم وفير ودخل كبير له. كانت الشمس بالغة الأذى والحرارة تكاد تكون مرتفعه في الظهيرة, وذلك أمر جيد بالنسبة لهذا الشاب القادم من ذمار لكي»يطلب الله». وتصبح الحاجة ضرورية التحقيق, خاصة عندما يتعلق الأمر بالحصول على سوائل تحت حرارة الشمس,حتى لو كان «القلص» الواحد بخمسين ريالا. لم يكن يحصل إبراهيم في الحصبة سوى مبلغ800ريال, أما اليوم فقد كان دخله بالامس2000ريال, وهو مبلغ مرتفع من وجهه نظرة, ويمنحه فرصة كبيرة لتحسين ظروف حياته. وذات الحال مع أحد بائعي الآيسكريم, الذي ارتفع دخله,كون مثل هذه المنتجات تلقى إقبالا للحصول عليها أثناء أوقات الظهيرة وارتفاع درجه الحرارة, من أجل تعويض نسبة السوائل التي يحتاجها جسم الإنسان وإمداده بالطاقة الحيوية. وأبدى عامل بمطعم الحطامي المجاور للساحة ارتياحه من سيطرة الشباب وطرد البلاطجة منها,لأنها أدرت له دخلا كبيرا بعد أن كان العمل ضعيفا وأحيانا يغلق أبواب المطعم عندما كان البلاطجة يمارسون الفوضى ويطلقون الرصاص على الفوضى. وقال لنا أثناء تناولنا لوجبة العشاء هناك,أن هؤلاء الشباب وفروا له الأمان من الاعتداء وأعمال الفوضى,كما أنهم يمثلون مصدر دخل كبير بأعدادهم الهائلة. ولان هؤلاء الشباب أصبحوا مقصدا لوسائل الإعلام المحلية والخارجية التي يقبل صحفيوها لإجراء مقابلات والتقاط صور للمعتصمين ونشرها,فقد ازداد الإقبال على شراء الصحف لمعرفه كيف تتناول أنشطتهم وفعالياتهم, ناهيك عن كون هؤلاء ينتمون لطبقه متعلمة ومثقفه تمثل قوة شرائية كبيرة. ويقول محمد الشرعبي, صاحب كشك لبيع الصحف بجولة الجامعة,أن هناك إقبالا كبيرا على شراء الصحف,وبالذات الصحف اليومية التي تتناول أخبار اعتصام الشباب.وأكد للصحوة أن العمل لم يتأثر بنصب الخيام كما كان من قبل,وإنما على العكس تحسن بشكل كبير وزاد الطلب على الصحف حيث بيعت كامل النسخ الموجودة بحوزته, حتى أنه طلب من الموزعين تزويده لتلبية الطلب المتنامي. إذا هنا على امتداد جولة الجامعة والشوارع المتفرعة عنها في الدائري والحرية والعدل, يمارس أصحاب المحلات التجارية نشاطهم التجاري بشكل طبيعي واعتيادي, ولا يوجد ما يدفعهم لإغلاق أبوابها أمام الزبائن. وبعكس ما يحدث في ميدان التحرير حيث يمارس بلاطجة الحزب الحاكم إرهابا وتخويفا للتجار,الذين أعلنوا عن تكبدهم خسائر مادية كبيرة جراء أعمال هؤلاء,غير أن هذا الأمر لا يحدث في ساحة الجامعة,بسبب الوعي العالي الذي يتمتع به الشباب وحرصهم على إظهار نبل مطالبهم,فقد شكلوا لجانا لحماية الناس ومنع حدوث أي أعمال تتنافى ونضالهم السلمي,بما في ذلك منع أي شخص من الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. وتظهر هذه الصورة الجميلة, الوجه الحقيقي والحضاري لهؤلاء الشباب, ناهيك عن فكرهم الناضج التواق للتغيير والتطوير والبناء, وبقية الجملة معروفه عن ميدان التحرير. وكانت الجمعية العمومية للغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة قد دعت في اجتماعها الموسع الأسبوع الماضي, إلى سرعة رفع الضرر عن التجار في نطاق ميدان التحرير بصنعاء، والذين تعرضوا للضرر البالغ جراء توقف الحركة التجارية بسبب التجمعات الموجودة في ميدان التحرير وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم. وقدرت الخسائر للتجار هناك بأكثر من 70مليون ريال جراء حدوث كساد وتعطل العمل والنشاط التجاري منذ أن حل البلاطجة على الميدان. يسود الساحة نقاش جاد وواسع في أوساط الشباب المعتصمين,الذين يتبادلون مع بعضهم البعض كيفيه إنجاح الثورة,واستشراف مستقبلها بعد رحيل صالح عن السلطة. وانتشرت المنتديات الحوارية التي يشارك فيها نقابيون وأساتذة جامعات وشباب,حيث يطلعون على صفحات الجرائد لمعرفة ما يكتب عن ثورتهم,كما يطرحون خيارات النظام في مواجهة التحركات الاحتجاجية التي تضرب محافظات البلاد. غير أن شباب الثورة لم يكتفوا بما تقوله وسائل الإعلام عنهم, وإنما شرعوا في إصدار نشرات ورقيه لتغطية نشاطاتهم وفعالياتهم وتزويد المعتصمين بها.