هي روحنا التي ولدت مجددا هناك.. في ساحة التغيير، لن تموت. هو حلم وطن يتمدد غضبه كل يوم، يرتفع صراخ البسطاء فيه بأن ما قبل فبراير لن يعود، فقبل فبراير ليس كما بعده.. وما بعده ليس أقل من الحرية التي لا تجسد عبودية الفرد، وصورة الفرد، وعذاب الفرد، ونهب الفرد، وسياسته وتكرار مآسيه. هي عذابات وطن، لا تحتمل انتظار جروح أخرى لتفتح، هي روح شباب ولدوا ليعيشوا عهدا جديدا، لا تحبطهم فيه صور رجل وابنه في كل الميادين.. فقط صورة العلم ثلاثي اللون، وخارطة تتسع آفاقها لتكون خيراتها للجميع. يعلم الرئيس ويعلم الجميع، أن ساعة التغيير دارت، وإن العودة للوراء هو ضرب من الوهم، وأن الألاعيب التي يبتكرها الحاكم ويعبث فيها بأرواح الناس ليست سوى محاولة لتأجيل حلم انتظره الناس طويلا. يستطيع النظام أن يؤجل الحلم، لكنه لا يستطيع أن يمنعه.. الأحلام تكبر، وتكبر، فتصير إما نخلة يستظل تحتها الجميع، أو قنبلة في وجوه من يمنعها أن تكبر.. شباب اليمن كبروا اليوم، وصارت أحلامهم يانعة، باسمة، وقوية. لا أحد يمكنه أن يقول لأولئك الذين كسروا مهابة الصنم أن يعودوا بأحلامهم إلى مخادعهم، أصبح الأمر ضربا من المستحيل، هم يعلمون أن الثورات تولد لتعيش، وثورتهم الآن تكبر بكبر الوطن، ومن يرى غير ذلك فهو إما أعمى أو يحاول أن لا يرى. أولئك الذين اندفعوا في وجوه الرصاص لم يعد أمامهم حاجز من خوف، أو خيط من وهم، أمامهم فقط صورة وطن، لا شخص.. أمامهم علم واحد، لا وريث.. أمامهم دماء سالت، لا أموال نهبت.. أمامهم طموح دولة مدنية، لا دولة تغتصبها عائلة ل 32 عام. الأوطان لا تحتكر، والشعوب لا تداس، ولت تلك الأزمان، نحن الآن في زمن ثورات 2011، نحن في زمن تغيرت ملامحه كليا، وعلى الجميع أن يتهيأ لترك ماضيه، فالماضي سقط في تونس، لنعيش الآن حاضرا ليس فيه لصورة الديكتاتور مكان على جدران أرواحنا الحرة. يعتقدون أن الثورات للمساومات، والأمر ليس بهذه الدرجة من السخف.. الثورة عشق يأسر الأرواح لحرية افتقدها البسطاء أزمانا خلف جدران القهر والجوع، في حين تمر أمام أعينهم مواكب الخيرات إلى جيوب تلتهم الأوطان كالحرائق. تربى القهر فينا وكبر، وتربت رغبة الثورة فينا وكبرت، وتربت صورة الفرد فاحترقت في أعيننا الآن.. يقتلون 53 هنا، و150هناك، بألاعيب قذرة.. يعلن الحاكم هنا النتائج قبل التحقيق، ثم يقول حققوا، ويعلن هناك قبل أن ينتهي الحريق بأنها القاعدة، والقاعدة نائمة، لعن الله من أيقظها. يستغبون عقولنا ويعتقدون أنهم الأذكى. ينقلون للعالم سخفهم ليقول العالم أننا سخفاء.. دولة و رئيسها سخرت أجهزتها الإعلامية وشغلوا العالم بأن شابا انتحر في عمران لأنه سمع أن الرئيس سيتنحى. يا للسخف.. لم يفكروا بالمسرحية جيدا، فقد انتحر الشاب بعد يومين من ظهور الدكتور القربي مصرحا أن انتقال السلطة سيتم السبت.. والأسخف من كل هذا أنهم يتهمون الجزيرة وكأنها الوحيدة التي نقلت خبر القربي. كم نحن بحاجة لنظام آخر يحترمنا كبشر، لا أن يتعامل معنا كأطفال.. لقد كبر الوطن ولم يعد طفلا يستخف به رجل كلما ازداد هرمه ترهلت معه أوراقه وألاعيبه. الآن أصبحنا نفهمه، وكبرنا على الخوف، وكبر الوطن في أعيننا، وأنهار جدار الهيبة.. واحترقت الصورة الزرقاء الكاذبة.