الشهيد قوة روح ومتانة إيمان بقضية الشهادة وتوقد شعور وصلابة عزيمة وتدفق حماس وعمق إيمان بقضاء الله الذي لا يرده الخوف والتقهقر عن ميدان النضال وحومة النزال وساح مقارعة زيف الباطل و بهتان الطغيان. الشهيد الدماء الطاهرة المُطهرة للأحياء من ذل و مسخ واستسلام و تعاسة وهوان ،الروح الزاكية البهية الوضاءة الهادية المُقدمة على طبق من عشق وحب من اجل سواد عيون الوطن المُفدى..المبدأ الرفيع . الشهيد ليس بهياب ولا متردد ولا متخاذل ، الشهيد امتطى صهوة الشجاعة الأدبية فرددها كلمة حق في أذن سلطان جائر وظلم جاثم ،رددها مدوية هادرة في سمع الزمان والمكان . انه شجاع نال عملياً وسام الشجاعة وقلادة البسالة و نياط البطولة . الشهيد منتصر في معركة المبدأ والمصير بمعايير الشهادة فلم ينكص ولم يتراجع ولم يتقهقر بل مضى في صموده وتصديه حتى بلغ الذروة فعانقت روحه النصر من وراء سُدف الغيب وحُجب الفجر الآت ،واطمأنت روحه غائلة النهاية المعتادة العادية للإنسان ..أن يموت ، فالشهيد قد حاز خلود الحياة ،خلود البقاء فتجاوز عتبة الموت ، فلا موت حتى بمعناه المعنوي ،فالميت يموت بموته ذكره وذكراه إلا ما ندر، أما الشهيد ، لهفي عليه وتحناني وفيض وجداني وتيار مودتي و وفائي فتُخلد ذكراه ويُحتفل بها عيداُ للفخار الوطني ونبراساً للتضحية من اجل المبدأ ، ويُخلد اسمه في سجل الخالدين لا تزال تذكره وتتذكره الأجيال المتعاقبة تحكي حكاية بطولته وإخوانه ..إقدامه و رفاقه ، تقتبس منها الضياء وتسكب في روحها الإباء ومع هذا فإنّ الشهيد قد يخبو اسمه كفرد في بعض الفترات والأماكن لكن الملحمة ،الصنعة، التي ساهم في اجتراحها و صنعها خير إسهام لا ينساها بني قومه والتاريخ الإنساني في صفحاته البيضاء وبمداده الذهبي المُشع . وتبقى روحه الطهور تُحلق في سماوات الوطن والمبدأ الرفيع ، تفرح بوطن يزدهر و تبتهج بمبدأ يسود . الشهيد يمهر محبوبه روحه ودمه فيستحق أغلى زفاف ويستحق الخلود في القلوب وعلى الشفاه . الشهيد هو اصدق الناس وأحب الناس إلى كل الناس ،إنه قدّم روحه لتعش روحك وتسعد ،إنه ضحى بدمائه ليسلم دمك وينبض فؤادك بحب الوطن المفدى والمبدأ الموطد وتُتبع أنت و أنا الفعل النبض . والشهيد فوق هذا هو حبيب الله ، ويا له من ارتقاء،فالله هو الحق العدل والشهيد مضى ليعلو الحق ويتحقق وينهزم الباطل ويزهق ويسود العدل ويعم وينكنس الظلم و ينهدم. الشهيد ..الراحل الحي..الغائب الطاغي الحضور.. إنّه الأب يضحي بفلذة كبده ليحيا وطنه ويستعيد مجده وعزه وكرامته المُهدرة على مذبح الطغاة. إنّه الأم تقدم ضناها و مهجة فؤادها لينتصر الوطن ويسود على ثراه بنيه ويعود لهم حقهم المختطف في الثروة والسلطة . إنّه الأسرة المكلومة في سبيل الوطن أن يعود من غيابه وتغييبه ويصحا من سُباته فيثور على ناهبيه ليبني مجده ويستعيد سؤدده. الشهيد ..انه كل أولئك: الأب ، الأم ،الأسرة.. المنتظرين من الحق خير نوال وجزاء في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إلا بنون شهداء. الشهيد شهد ساحات الفداء وارتقت روحه تشهد بفضله وتفضيله الشاخص الباسق أن يمضي ليحيا الوطن ويحيا المبدأ الأسمى ،الشهيد شهدت جسارته ميادين الفداء وشرفت بخطواته الواثقة وإرادته الصلبة الشامخة وهمّته المتسامية على الدنايا والمخاوف و المتالف ، الشهيد شهد له الشهود وقع خُطاه الواثقة على درب الفداء.. وقائع الشمم والإباء ..رفض السكون والانزواء في انتظار تحقيق الحلم وانتصار المبدأ دون تعب ولا مسار مضاء على درب الشهادة والشهداء النبل والنبلاء. والشهيد لعنة تحيق مذ لحظتها المتفردة بحاضر ومستقبل ، دنيا وأخرى، المجرم الأرعن وجلاوزته التي ماتت الإنسانية في قلوبهم إن كانت لهم قلوب ،إن هي إلا جلاميد صخر نفقت في محراب عبادة الذات الفاجرة وعبادة الفرد الصنم المعتوه المتكلس ، ماتت و تعفنت في محراب عبادة الشهوة الحقيرة والمال المُدنس ، تجري الخيانة مع دمائهم وان جاهدوا لإخفائها وإبقائها مستترة تحت شفاف من الفضيلة و السمو واللقب الزائف المزيف،تحدث عن خستهم ووضاعتهم وحقارتهم ما شئت أن تتحدث .. تحدث ولا حرج ايها الشريف الأبي الحر، إنّ الشهيد إيذان بفضيحة مؤجلة وانفضاح مُحتّم وبجحيم حياة وكوابيس ليل وذل نهار ينحشر فيه أولئك الأنذال أعداء الإنسان والأوطان والإنسانية والنبل والشهامة في لحظة جنون وبهيمية كاسرة قبيحة دموية سفاحة ، تُصبح معها أسماءهم التي ربما زهو بها حين من الدهر مسبة ومنقصة وشارة للجُرم والإجرام والحقارة والاحتقار عند أصحاب الشرف والنبل و الإنصاف المقدّر المهيب. الشهادة هي النهاية المختلفة ، النقلة العبقة بالدهشة والمسرة من حياة إلى حياة ، لا من حياة إلى موت، انه الإفلات من مما منه الناس يفروا ويهربوا ويتحاشوا : الموت . الشهادة شهادة يتشرف بها صاحبها بعد رحيله : الشهيد فلان ابن فلان الفلاني ،ويتشرف بها أبيه وأمه وأسرته ومنطقته و وطنه الذي سكب بنيه دمائهم لينال العزة القعساء والمجد الأسمى ، وترفرف رايته في سماوات الشرف الرفيع . الشهادة شرف لا يناله إلا مستحقيه ،الشهادة قمة البطولة والفداء والتضحية والإباء،إنها طاقة ثبات خلاقة تسري في قلوب الأحياء بان يمضوا ولا يترددوا: متوقعين لها متقبلين لها بل ومُقبلين إليها وعليها . الشهادة ينبوع العطاء الأسمى من اجل مروج الوطن الخضراء الموشاة بأزاهير الأقحوان وأغصان السوسن النضير ،الفواحة بالياسمين ،المُضمخة بالأحمر القاني ،المتوجة بأكاليل الغار. الشهادة منحة تتهادى تقرع الأبواب فيفتح لها عشاقها لتأخذهم إلى عالمها الفريد ، إلى حياتها السرمدية و رزقها غير الممنون و فرحها الخالص و بشارتها اللاهبة لشعور من لم ينالوا شرفها . الشهادة بيرق لاح لطلاب المجد الرفيع في الدنيا والآخرة فتنادوا وتسابقوا : ان هيا إلى بُغيتكم ، أن هيا إلى أمنيتكم ، ان هيا إلى ما حدثتم أنفسكم به وسألتموها الله الجليل بصدق ويقين. الشهداء هم مُلهمي الثورات و وقودها ونجوم سناها وسرجها وقناديلها والهاتفين للمتخلفين عن ركابها باللحاق والالتحاق وللملتحقين بالثبات والإقدام فلا تراجع ولا انهزام . الشهداء هم قرار الشعب النهائي ان يمضي على درب الثورة المنتصرة تقتلع الاستبداد والمستبدين ،الطغاة والطغيان وتحقيق الكبرياء الوطني. والوفاء للشهداء سجية النبلاء وديدن الشرفاء يلفهم حزن وفرح حزن لفراق حبيب وأيُ حبيب رائع وأيّ رائع ، وفرح بختام عبقري ومدخل لخلود ابدي ، وفاء تُجسده لمسات وفاء لأسرة فقدت حبيبها ليسعد المجموع ، وفاء يُسطره الشعراء أبيات قصيد ..منارات هادية جاذبة للأحياء لاجتراح ملحمة الشهادة ، وفاءً يدبجه البلغاء ، وكلٌ منتهل عضات وصور باذخات ،لا حد لهنّ ولا مُنتهى، من درس الشهيد البليغ وجامعة الشهادة المفتوحة . إنّ لكل منا حلمه الفردي في الحياة ، ولو تردد كل منا عن مضان الشهادة ومواطنها حتى يتسنى له تحقيق ذاك الحلم لما تحقق للأمة حلمها الجمعي . وفي الماضي لو أنّ الشهداء الميامين فكروا في أمنياتهم العائلية لما كان للأمة انتصاراتها وانجازاتها التي ابتنت وتحصلت وأسعدت من بعد النصر المدفوع الثمن . انه لابد من تضحية بالحلم الفردي في سبيل الحلم الجمعي بل إنّ من يضحون بحلمهم الفردي والعائلي يسهمون في تحقيق كل الأحلام للأفراد وللعائلات، كما أنهم يسهمون في تحقيق الحلم الجمعي . ومتى ما كانت الشهادة في حد ذاتها حلماً شخصياً فان صاحبها يحوز أعلى مراتب النبل والشرف والفخار وإلى الأبد . الشهيد والشهادة هما التجسيد العملي الأروع و الأصدق للشعار الذي تصدح به الآلاف الملتفة حول الوطن والمبدأ النبيل ،المتآزرة المتعاضدة المتلاحمة في الميادين والساحات (( بالروح والدم نفديك يا وطن )) .