[email protected] كان بإمكانه أن يختصر معاناته, وألا يبالغ في الإفتضاح, كان في وسعه أن يحرمنا من هذه الفرجة, مشاهدة عروضه الأخيرة المسفه الغبية, كان بمقدوره أن يخفف عنه وطأة الشماتة. خسر صالح إمتيازات الرحيل المبكر, أهدر فرصة السقوط دفعة واحدة وبأقل خزي ممكن, رؤيته يتلوى لأطول فترة ممكنة أمر منصف, بعد هذا العمر المديد من الإنتفاش, أن تراه مستجدياً ضحاياه, متسولاً إشفاقهم, مشترياً ساعة إحتشاد تكفي لإلتقاط بعض الصور من كاميرا واحدة وإلقاء خطاب بائس. لم يعد لديه من يؤدي المهام الحقيرة, لذا يقوم بها بنفسه, هذا رجلٌ خطر, الإقتراب منه فضيحة يكلف مخدوميه الآن إقتراف خيانات لا يمكن تبريرها, جرائم لا يمكن مكافأتهم عنها. حوله الأن حفنة من قتلة وبلطجة وأوغاد من أكلة الجيف. يختار صالح الرحيل مثقلاً بكل المخزيات, أتصور نهايته « باغبو « آخر وحيد, بملابسه الداخلية يحدق ببلاهة في وجه العالم. في صراعه اليأس من أجل البقاء، إستنفذ صاحب «النهدين» حيله كاملة. خبراته الشائخة في الكيد, ألاعيبه المستهلكة, خدائعه الصغيرة, خطاباته البلهاء, صفاقاته كلها, والخزينة العامة بالطبع, لكن بلا طائل. سقطت ورقة القاعدة كمشروع إبتزاز داخلي وخارجي, وبدا السفير الأمريكي أخيراً في الإعلام الرسمي «وسيطاً لدى المشترك من أجل الأفراج عن دبب الغاز المنزلي», بإمكان السفير الأمريكي شخصياً أن يوضح سبب إسناد هذه المهمة إليه في هذا الوقت بالذات. « قاعدة القصر» رعبٌ يطل في خطابات الرئيس, كلما أمسكت بخناقه الأزمات. دائماً هو من يعلن عنه, رعبٌ في أعلى الجراب, في متناول اليد, في سقطاته الخطابية المنصرمة أكتشف الإمريكان أنهم يدفعون المال للرجل مقابل مزيد من التأليب ضدهم, قالها صراحة أن ساحات التغيير تدار من تل أبيب ومن غرفة بالبيت الأبيض, وهو مالم يستطع إستدراكه بإعتذار هاتفي لاحق. حرب صالح و القاعدة في حقيقتها صراع على إمارة التنظيم في المنطقة العربية هذا ما تقول به الوقائع والوثائق, كانت حرب إحتواء وإستقطاب, سياسة توظيف وإستثمار, مازالت القاعدة مصدر فرح لصالح, مشروع تكسب, يدر الدخل ويعين على مشكلاته الداخلية. صالح عبءٌ كبير على اليمن وعلى المجتمع العربي والدولي, يقين عام إنحسم أخيراً على نحو واضح, لا يمكن لأحد أن يشارك في إطالة أمد هذه الخطيئة. عاقبت اليمن نفسها بما يكفي بطول الصبر عليه, وهي الآن تعتذر لذاتها أجمل إعتذار, لا شئ في اليمن سوى الثورة, لا أحد سوى الثوار, تمزقت الصورة الشائهه سقطت عقود الهوان, إستعاد شعبنا العظيم روحه كاملة, إستعاد صوته, صورته, نبله الخالد, أغانيه, أمانيه أحلامه البيضاء المجنحة, أشواقه الرفرافة, أستعاد وحدته, دفئه, حميميته, حسه الغامر بالحياة, أشواقه الفتية حضوره الكريم, عنفوان العصور وأمجاد الحقب التليده. تتدفق اليمن كل يوم مسيرات هادرة, بحماس ثوري متصاعد تنطلق في أي وقت دون أي عناء, مليونية, تحسم أمر رحيل صالح, تكنس ما تبقى من قلق الشوارع ومخاوف الأحياء, تنزع ما يسكن القلوب و الجدران من محاذرة وتردد. هي اليمن الحي الآن في مواجهة ماضيها الميت, الوطن الغض الفتي الشاب في مواجهة أمسه الشائخ المهترئ, هي اليمن المتعطشة لأنسام الحرية, في مواجهة حاكمٍ برائحة الغاز السام ومياه الرش القذرة.