يُدافعُ صالح عن القتلة والمجرمين بذاتِ الحماس الذي يدافعُ فيه عن الشرعية. يبدو الرجل مشفقاً على "الشِّيُوبَة" الذين "يُدَسِّعوهُم" بحسبِ كلامِه. تفجيرُ رؤوس شباب الثورة برصاص قنَّاصته وهراوات أنصاره ، سقوطُ المئات ، شهداء وجرحى: هذا مشهدٌ لا يعنيه ،أقدامُ شباب الثورة أكثرُ إشفاقاً ،القاتلُ لا يُهمُّهُ قَتيلُهُ بأيةِ حال ،كما لا يَعني القتيلُ إشفاقُه . يُعسكرُ أنصارُ صالح داخلَ مدينة الثورة الرياضيَّة حيث يَتمرَّنون على حماية مرمى الرَّئيس و يأخذون دورات تدريبية مكثَّفة في القنص واصطياد المطالبين برحيله ، يَومَها كانوا في تطبيق عملي على أهداف سلمية بريئة . وَجدت الجريمةُ في اليمن على مدى عقود حاضناً يمدها بأسباب القوة والبقاء ، ولم يكن سوى صالح ونظامِهِ . لم نظفر به مرةً مدافعاً عن حقِّ مستباحٍ،عن دم مسفوحٍ ، عن كرامةٍ مهانةٍ ، عن عرضٍ مصانٍ ، عن مواطنٍ ذبيحٍ بيدِ أتباع القصرِ وأعوانِهِ . لم ينتصرْ يوماً لمظلوم . هو دوماً في صفِّ الظَّالمِ منتصراً للفساد ،منافحاُ عن الفاسدين ، مبرراً الجريمة ، متهماً الأبرياء ، مشيراً إلى مسئول ومساءلٍ سواهُ . كانت الجريمةُ مع ذاتها على طولِ خطٍّ الحكمِ ، وهي اليومُ في واجب الوفاء الأخيرِ ؛لهذا لا يفجعنا الخلقُ الرئاسيّ إذْ يواصل اختلاق الأكاذيب رفقةَ الفانين من غشَّاشِيِّ الخطيئةِ . في كتابِه " هُروبي إلى الحرية " يُشير الرئيس البُوسنيّ الراحل عَلِي عِزَّتْ بِيجُوفِيتش إلى " رجلين كانَا يَتقامَران على سطح سفينة التّيتَانِيك وهي تغرقُ أحدهما يغشُّ في اللعبِ ، وعلَّق :الكثيرُ من الناسِ يُشبهون هذينِ الاثنين". هذا الرجل فوضى عقلية ، ولغوية ، وسلوكية ، محفل اضطراب وتجمع متناقضات . في حديثه لتليفزيون "روسيا اليوم" يشن هجوما كاسحا على دولة قطر وقناة الجزيرة والتي استأثرت بنصيب فادح من سقطاته ، جردها من المهنية ، والمصداقية مدللا باستقالة العديد من مذيعيها ، كنت لحظتها أتأمل قائمة المستقيلين من قيادات الفضائية اليمنية ومؤسسات إعلامية رسمية أخرى لم يذكرهم ؛ لأنهم رفضوا قتل الحقيقة والعمل تحت إدارة قاتل محترف . ما أستغرب له أنه لم يحمل قطر والجزيرة أزمة الغاز على الأقل ، سيبدو معقولا الإدعاء أنهم أخفوهُ لاستخدامه في إشعال الثورة وطبخ المزيد من المؤامرات . تغرقُ سفينةُ صالحُ في بحرِ الثورةِ ، بينما يواصلُ المقامرةَ والغشُّ واستدعاء الغشُّاشين ، ولا عاصمَ اليوم من أمرِ الله ،الوطن ليس سفينةً يقودها ربًّانٌ مجنونٌ. الوطن اليوم هو البحرُ والبرُّ ، الربان والقائد ، الدليل والمشيرُ ، الذراعُ والشراعُ ، الموجةُ الآملةُ ، المرافئُ والشُّطآن ، كلنا فيه مدٌ لا يعرفُ الجزرَ . كمْ قطعنا من المسافةِ في طريقِ النَّصرِ ؟ كمْ سرنا نحو الخلاص ؟ المسافاتُ داخل الروح ، وقد قطعنا منها الكثير ، عبرنا الخوفَ ، المحاذرة ، التردد والارتعاش ، الهواجس والظنون ، عبرنا هذه الغابة ، تجاوزنا الشكِّ بيقين يزدادُ صلابةً ، قفزنا فوق المستحيل ، تعدينا الأشراك والفخاخ ، المكائد والمصائد ، تخطينا الأهواءَ والأدواءَ والعراقيلَ ، غادرنا الوَهنَ والخَوَرَ ، الجُبْنَ والعجزَ ، رمَّمنا الكثيرَ من شروخ وتمزُّقات الزمن الدميم . الثورات الكبرى أسرارٌ وقوى مربية تنجزُ الخوارقَ والمعجزات ، تحدثُ هزاتها الكبرى على مستوى الروح والعقل والسلوك ، تعيدُ تشكيلَ الحياةَ والأحياءَ ، تعيدُ صياغةَ الإنسانَ والأوطانَ من جديد. صالحُ اليوم حالةٌ قديمةٌ على هامشِ الوطن الجديد الذي يتشكّلُ داخل ساحات الحريَّة ، يدركُ أن الوطنَ قد تخطاهُ ، وأنَّ الزمنَ قد تعداهُ ، وأنَّ استمرارهُ في العدوان لن يعيدَ العجلةَ نحو الوراء. هو يلعبُ الآنَ بأكثرِ الأوراقِ تدميراً وإحراقاً له ، ورقة الدماء ، يستسهلُ إراقةَ دمِ شباب اليمن ورجالهِ في الشوارعِ والأحياءِ ، يبدي جُرْأَةً في القتلِ ، يحشدُ آلياته التي دفع فيها شعبنا ثمن " الكسرة والدواء" لمحاصرةِ وقمعِ مدائننا الثائرة في الجنوبِ والشمالِ ، يقود معركة بقاء مستحيل بأسلوبه الخاص والمعهود ، استخدام القوة والإكثار من القتل كما فعل ذلك قبل في الجنوب وصعدة . ينسى صالحُ أنه يدفع اليوم ثمن جرائمه بحق الوطن كاملة مع فارق أن شعبنا الآنَ أكثر منه قوةً وقدرةً على الملاحقة والمقاضاة ، وتقرير العقاب.