التغيير د.عبدالله الفقيه : يعامل موظفو الإعلام الرسمي في اليمن معاملة غير إنسانية. فلا حقوق لهم في مواجهة الوزير أو في مواجهة من هو دون الوزير من عناصر الدولة الأمنية. لا حق لهم في التفكير أو الابتكار أو في الموضوعية أو الاستقلال الذاتي أو في تطوير مهارات مهنية أو اعتناق آراء أو تطوير قيم احترام الذات والآخر. وعندما يرتكب أحدهم خطيئة إعمال العقل وتفعيل الضمير فإنه يواجه من قبل الجهاز الأمني الذي يتربع على قمته وزير الإعلام بالتنكيل. وإذا كان الصحفيون الحزبيون والمستقلون قادرين على الاحتجاج وعلى الخروج بمظالمهم إلى نقابتهم وعبرها إلى المجتمع والعالم، فإن العاملين في وسائل الإعلام الرسمية وخصوصا الإذاعة والتلفزيون غالبا ما ينكفئون على ذواتهم وهم يواجهون أبشع أساليب القهر والتعذيب النفسي. لقد كانت ندوة تحرير الإعلام في اليمن التي نظمها ملتقى المرأة للدراسات والتدريب بالشراكة مع موقع التغيير نت أواخر الشهر الماضي في صنعاء وبثت وقائعها قناة الجزيرة مباشر مليئة بالمكاشفات. فهاهو أحد الصحافيين يسرد العجب العجاب عن الطريقة التي يدار بها الإعلام اليمني. فالوزير يتصل ليغير موضوع برنامج معين ثم يتصل بعد ذلك ليغير موعده وبما يتناسب مع الوقت الذي يشاهد فيه الرئيس التلفزيون. ثم يتصل الوزير ليحدد الشخصيات التي سيتم استضافتها. وما دام البرنامج موجهاً إلى مشاهد واحد هو الرئيس، فإن الوزير يقرر وكإستراتيجية للبقاء، أن يكون أحد الضيوف.
وكانت الاستقالات التي قدمتها بعض القيادات الإعلامية عبارة عن صرخة كبيرة في وجه تخلف إعلامي شامل تشهده البلاد ويصر وزير الإعلام على فرضه على اليمنيين بالصوت والصورة. وجاءت المقابلة التي أجرتها صحيفة الميثاق الناطقة باسم الحزب الحاكم مع الأستاذ/ عبد الغني الشميري رئيس قطاع القناة الأولى المستقيل لتعكس معاناة الإعلاميين اليمنيين مع وزير يعمل على حظر الظهور على القناة الفضائية ليس فقط على الشخصيات المعارضة ولكن أيضا على كبار القيادات المؤتمرية في الحزب والدولة، ويلغي البرامج حتى أثناء بثها، ويصاب بالذعر من أي تجديد أو ابتكار ولا يستطيع التفريق بين الجمهورية العربية اليمنية التي انتهت في عام 1990م وبين الجمهورية اليمنية التي ولدت بعد اندثار الأولى.
ويرسم الشميري لوزير إعلام الجمهورية اليمنية وفي صحيفة الحزب الحاكم صورة تذكر الإنسان بأشهر وزير دعاية عرفه التاريخ. فهذا وزير، كما يقول الشميري «يدعي امتلاكه للحقيقة المطلقة واحتكار صدق المواطنة في ذاته ومنح صكوك المواطنة بحسب أهوائه...أي باختصار تخوين الكل في نظره واحتكار الإخلاص في ذاته.» وهذا وزير يتشدد في «بث أغاني محددة لبعض الفنانين وتهميش مجموعة كبيرة من الفنانين الذين لا يروقون له والتركيز على بعض الأعمال الفنية والأغاني التي هو صاحب كلماتها.» ولولا ثقة كاتب هذه السطور بصدق الشميري وحسن أخلاقه لشكك كثيرا في أن يكون هناك وزير إعلام في القرن الواحد والعشرين يردد على مسامع مرؤوسيه «أنا أمتلك المشاهد» ويصدر التوجيهات كما يقول الشميري بإيقاف فلان وحبس فلان وفصل فلان.
ليس من العدالة تحميل اللوزي كل آثام الإعلام اليمني ومساوئه. لكن من الواضح أن اللوزي قد ارتضى لنفسه القيام بالدور الخطأ في الوقت الخطأ وأنه لم يدع لمرؤوسيه وغيرهم من نقاده أي خيار سوى تناوله بالنقد ليس انتصارا لذواتهم ولكن انتصارا لحرية الإعلام والإعلاميين...ورمضان كريم وكل عام والجميع بخير. نقلا عن صحيفة الأهالي