(العودة المحزنة) إلى الوطن ما كنا نتوقع أن العودة إلى الوطن ستكون محزنة بهذه الدرجة، سنوات طويلة من الحرث والحصاد والمحاولات الدائبة لكي نبلغ من الطول في بلد الاغتراب حداً يعكس علمية الباحث اليمني وتمكنه في مجالات المعرفة المختلفة، مما يحفظ له كرامته ويرتقي بهويته الوطنية.. هكذا هو حال الباحث اليمني في الخارج على الرغم من حركة التعطيل التي تلاحقه من الداخل وتستهدف نفسيته وذهنيته، وتمطر عليه أسئلة عنيفة تثير فيه هواجس القلق والخوف من العودة إلى وطن ذنوبه لا تغتفر، بفعل إفرازات هائلة من القبح والجنون والفساد تنتج عن سوء تقدير وضعف إرادة الدولة سياسياً واقتصاديا وثقافياً وعلمياً. ولكن في نهاية المطاف ينمو بداخل هذا الباحث شعور عميق تجاه الوطن وحبه والرغبة في خدمته، فإذا هو يخترع إجابات بيضاء ويؤمل النفس بكل جميل. وخاصة بعد إن ارتفعت مستويات التبشير بغد أفضل في أثناء أحداث 2011م، وما حملته من شعارات ظاهرها يبعث الطمأنينة والسعادة، وباطنها العذاب. لقد عدنا تحت تأثير مخدر تلك الشعارات الزائفة، وبين أحضاننا شهادات الدكتوراه وفي أفواهنا تسابيح تقدس الوطن والإنسان، وفي عقولنا معرفة حقيقة وأصيلة تراكمت لسنوات من البحث والتحقيق والتأمل ترفض ثقافة الظلام وعادات وأعراف الجاهلية الأولى الطاغية على السائد، والغاية استغلال هذه المعرفة والكفاءة للمشاركة في تحقيق ما أمكن من حلم الإنسان اليمني المظلوم والمحروم دائماً. ولكن ما أن عدنا إلى أرض الوطن حتى فجعنا بواقع تحفه المخاطر والمشاكل والحروب من كل حدب وصوب، وشعرنا بأنها عودة محزنة حقاً، فلا الطريق آمن ولا الأجواء صالحة للحياة بعزة وكرامة، ولا أحدٌ يرغب في عودتك مطلقاً. هكذا منذ أكثر من عام من العودة، ومئات من الأكاديميين الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه من أرقى جامعات العالم يعيشون حياة التسكع والفاقة، أورثتهم الضغط والسكر والبواسير وغيرها من الأمراض المزمنة، وذلك بفعل حكومة الفواجع والنوازل بإجماع الأمة وما تتمتع به من مهارات تقدم العربة على الحصان وتقارب بين الإغواء والإفساد. وخاصة وزارة المالية المقززة بغلظتها وعجزها أو تخاذلها عن تسوية أوضاع الأكاديميين العائدين من الخارج، مع أنهم معينون في جامعات رسمية وتم ابتعاثهم على نفقة هذه الجامعات والحكومة اليمنية. لا أدري كيف في إمكانك أن تتصور أكاديمياً يعود بنشاط ورغبة جامحة تحضه على التغيير والإبداع وخدمة الوطن، ولكنه يقابل بالتثبيط والإهمال وتحريك جرثومة الفساد لحرمانه من حقوقه المادية والمعنوية، مع أنه قد باشر عمله رسمياً وتم ترقيته إلى درجة أستاذ مساعد بقرار من رئيس الجامعة، وقرار من وزير الخدمة المدنية يلزمان وزير المالية بتسوية وضعه من تاريخ المباشرة . ومن هنا نخاطب وزير المالية لا تربصاً به ولا استهدفاً لشخصه، وإنما مطالبة بحق مشروع إن لم يكن هو السبب في منع هذا الحق، فعليه أن يدرك أن ثمة من يقف وراءه لتشويه سمعته وإثبات فشله. يا سعادة وزير المالية إنك لا تبدو ذكياً ولا حريصاً على المال العام حين تقف في وجه لوائح وأنظمة نافذة بالقانون، فماذا تستفيد من رفضك التوجيه بتسوية أوضاع أكاديمي الجامعات العائدين من الخارج؟!!، إلا إن كنت تتلذذ بمعاناتهم وفظاعة ظروفهم المعيشية. يا سعادة وزير المالية لقد تفرغت الجامعات اليمنية تحت سمعك وبصرك من الكوادر الوطنية المؤهلة لعدم قدرتك وقدرة حكومتك توفير أدنى حياة كريمة تحفظ لهم ماء وجوههم من الفقر والذل، فهل ترغب أيضاً وتهدف من عدم تسوية الأكاديميين الجدد إنزال اليأس بهم ليلحقوا ركب المهاجرين والفارين من جحيم وطن أدمته مخالب السياسية العفنة. يا سعادة الوزير نحن لا نطالب زيادة عن حقوقنا المكفولة بالقانون، فالمبلغ المخصص للتسويات مرصود في موازنة الدولة في كل عام، ولا يحتاج سوى توافر النية لإبلاغ موظفيك بالوزارة باستلام ملفات الأكاديميين من مختلف الجامعات، فقد أُرهقنا بالتسكع في وزارة يحتفل أربابها بلكنات مرعبة في القول. يا سعادة الوزير ربما أبدو سخيفاً في نظرك إلى حد لا يطاق لأني أطالب بحقوق مشروعة، ومن هو المجنون الذي يجرؤ على النطق أو التأوه في العهد الجديد الميمون، لكن صدقني إن هذه السخافة هي بدافع الغيرة على أهم مؤسسات الدولة على الإطلاق وهي الجامعات أس التطور والتحضر، فهي في الرمق الأخير إن لم تداركوها. سعادة الوزير كم أشعر بالملل وليس بوسعي أن أفعله كأكاديمي سوى التعبير عما يعتمل في صدور هذه الفئة الهامة من ضجر وقلق وبؤس بسبب حرمانها من نيل حقوقها، فأرجوك لا تدعنا نؤمن بنظرية العرب اللغوية في أن لكلٍ حظاً ونصيباً مفروضاً من اسمه.