فعالية لمؤسسة موانئ البحر الأحمر والهيئة العامة للشؤون البحرية بالذكرى السنوية للشهيد    المهندسة لجين الوزير ل 26 سبتمبر: نجاح الأوطان يبدأ من الحقل والمزرعة    خلال وقفات جماهيرية وفاء لدماء الشهداء.. اليمنيون يجددون العهد والوعد بالاستمرار في نصرة غزة والأقصى    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    السعودية تدعم قوات غير نظامية في حضرموت بآليات عسكرية    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    نجح في كسر العقدة الكتالونية.. الريال يبتعد بصدارة الليغا بعد فوزه على البرسا    بعد 3 أيام من إيقاف التعامل معها.. جمعية الصرافين تعمِّم بإعادة التعامل مع شركة صرافة    اتفاق مبدئي بين واشنطن وبكين لتجنّب رفع الرسوم الجمركية    التكتل الوطني يدعو إلى معالجات عاجلة تعيد الاعتبار للدولة ويدين جرائم التهجير الحوثية    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    المنتخب الأولمبي يبدأ معسكره الداخلي استعدادًا لكأس الخليج    فوضى موانئ الحديدة تكشف صراع أجنحة الحوثي على تجارة القمح وابتزاز التجار    تكريم الصحفي بن سميط تقديراً لمسيرته الإعلامية والوطنية في حضرموت    تقرير خاص : انتقادات لاذعة للعليمي... واتهامات بإقصاء الجنوب وتغذية الفوضى..    الرئيس الزُبيدي يُعزّي خادم الحرمين الشريفين بوفاة الأميرة نوف بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود    دوري ابطال افريقيا: تعادل بيراميدز امام التأمين الاثيوبي    الدوري الانجليزي:مانشستر سيتي يسقط أمام أستون فيلا وآرسنال يبتعد بالصدارة    مثقفون وحقوقيون يطالبون سلطة صنعاء بتوفير الرعاية الصحية وأسباب العيش للفنانة انتصار الحمادي وأسرتها    معاريف الصهيونية: انهيار "إسرائيل" مسألة وقت إذا توقف الدعم الأمريكي    التعليم العالي واليونسكو يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لتعزيز جودة التعليم    وفاة أربعة مواطنين من أسرة واحدة بحادث سير شمال غرب تعز    وقفة قبلية في القناوص بالحديدة تأكيدا على الجهوزية والنفير    قراءة تحليلية لنص "أنتم العظماء لا هم" ل"أحمد سيف حاشد"    تشكيل مجاميع إنتاجية وتنمية سلاسل القيمة في المنصورية بالحديدة    نصف مليار ريال شهرياً لكل عضو مجلس القيادة.. في بلد جائع بلا مرتبات!    فعالية خطابية لقوات النجدة في الضالع بالذكرى السنوية للشهيد    رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان يبحث مع المنسق العام لهيئة التنسيق للمنظمات اليمنية سُبل تعزيز حقوق الطفل وآليات التعاون المشترك    بدء منافسات البطولة التأسيسية الأولى للدارتس المفتوحة بعدن    مناقشة المشروع النهائي لخطة أولويات وزارة العدل وحقوق الانسان والمحاكم للعام 1447ه    أزمة الكهرباء عنوانًا لمعاناة الناس المعيشية والخدمية    الكثيري يؤكد اهتمام القيادة السياسية بالأوضاع في محافظة أبين    تجاوزات عمر عصر تهز سمعة بطل مصر في تنس الطاولة    انعقاد المؤتمر العلمي الثالث للرعاية التنفسية بصنعاء    مستشفى الثورة بإب يرفض استقبال مريض بحالة حرجة وعنصر حوثي يعتدي على نجل مريض آخر    ايران تطور إسفنجة نانوية مبتكرة لجراحات الأسنان    الأرصاد ينبه من الأجواء الباردة والباردة نسبياً على المرتفعات    الرئيس الزُبيدي يعزي في وفاة الفريق الركن علي قائد صالح    مصر تتسلم من روسيا وعاء ضغط المفاعل النووي الأول بمحطة الضبعة    السلفية وخطر تقسيم المجتم.. صلاتان وامامان في أحد مساجد المهرة    عدن في ظلام الفساد: سرقة وقود الكهرباء تُجوع المدينة وتسرق نوم أبنائها    #حتى_عري    برشلونة مثقل بالغيابات.. وهجوم الريال كامل العدد في الكلاسيكو اليوم    الصحة العالمية تعلن عن ضحايا جدد لفيروس شلل الاطفال وتؤكد انه يشكل تهديدا حقيقيا في اليمن    قراءة تحليلية لنص "سيل حميد" ل"أحمد سيف حاشد"    برشلونة في ورطة الكلاسيكو: غياب المدرب يُضاف لخسارة رافينيا    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    عدن: بين سل الفساد ومناطقية الجرب    سجن "الأسد" وظلال "شريان": جدلية السلطة والقيمة في متاهة الاعتقال    معظمها في مناطق المليشيا.. الصحة العالمية تسجل 29 إصابة بشلل الأطفال منذ بداية العام    الخائن معمر الإرياني يختلس 500 مليون ريال شهرياً    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين : النقابة جاهزة لتقديم كل طاقاتها لحماية عدن وبيئتها    عهد تحلم ب«نوماس» نجمة ميشلان    الأحرار يقفون على أرضية مشتركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجائعات اليمنية
نشر في اليمن اليوم يوم 18 - 06 - 2014


لا سبيل إلى النجاة من التخلف السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي- الذي يغرز أنيابه في صميم بنيتي المجتمع اليمني الشكلية والعميقة- ومراكز المعرفة والبحث والعلم خاوية على عروشها، ومصابة بالآفات الرهيبة، وغارقة في الجدل العقيم؛ لوقوعها تحت تأثيرات الثقافة الشعبية السائدة، كالخرافات والأعراف والعادات والتقاليد.. ومن المعلوم أن أهم مراكز البحث والمعرفة في العصر الحديث هي الجامعات، إذ تُعدُّ في الغرب ودول العالم المتحضر القبلة والمحراب، ومرآة الذكاء والعبقرية واحترام العقل والنفس، فمنها تولد الأفكار والنظريات، وفيها تُخاض التجارب والإجراءات والممارسات العلمية، وعلى ما تقرره أو تنتجه من أبحاث علمية بحتة يعتمدون في حل مشاكلهم وقضاياهم بثقة واطمئنان. ولعل من الهزل، بل من الملهاة أن نجري مقارنة بين واقع جامعتنا العربية بشكل عام وواقع جامعتنا اليمنية بوجه خاص مع واقع جامعات دول العالم المتحضر، فبيئة العلم الجامعية هناك باختصار بيئة إجلال وإعزاز وصدق وتقدير، والبيئة هنا بيئة إذلال وهوان وتزوير وتضليل. ولعل من المهم أيضاً بيان الدافع للحديث عن هذا الموضوع، فهو يأتي تعليقاً على اجتماع نقابات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية في رحاب جامعة ذمار، منتصف الأسبوع الماضي. ومع أنه اجتماع تشاوري دوري إلَّا أنه ينعقد في ظل ظروف استثنائية يعيشها الوطن في مختلف مجالات الحياة، يأتي في مقدمتها تراجع وتدهور مستوى التعليم الجامعي والعام على نحو ينذر بحدوث كارثة حقيقية في المستقبل القريب. خاصة وأن هذه النقابات صورية وهامشية، شأنها كغيرها من النقابات المهنية في اليمن. لقد تحدَّث على هامش اللقاء الدكتور عبدالله العزعزي، رئيس نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، وأحسن الحديث حول مأساة حقيقية تهدد أمن اليمن القومي، وهي هجرة العقول والكفاءات الوطنية من الجامعات الحكومية، وتحدَّث عن ضرورة العيش بكرامة في الوطن بدلاً من التسوُّل في الخارج، وأشار إلى أن الأكاديمي لا يستحق لقبه العلمي ما لم يساهم في التغيير وإصلاح الوضع والحفاظ على الوطن. وكذلك تحدَّث غيره، محتفين جميعاً بسعادة لا نراها، ومنتشين بفراغ وموت وجنون ليس إلَّا. إنه كلام تنظيري جميل، ولكنه في الواقع لا يسمن ولا يغني من جوع، ألم تعلم هذه النقابات- المحاطة بالآفات والفراغات السياسية والاجتماعية والثقافية إلى ما لا نهاية- أن لها سنوات تتفرج على ما تدَّعي أنها قضية تهدد الأمن القومي. وهي قضية هجرة العقول الأكاديمية إلى الخارج على نحو مستفز وغير معقول ولم تحرك ساكناً.. إذ لم نسمع بياناً مشتركاً يصدر عنها وينذر الحكومة بخطورة الموضوع، وعاقبة غياب أو رحيل العقول. وكذا لم نسمع أنها عقدت أية ورشة عمل لمناقشة هذه الظاهرة الخطيرة فعلاً. فخلال ثلاث سنوات فرَّ المئات من الأكاديميين مخلِّفين وراءهم مأساة حقيقية تعاني منها جميع الجامعات الحكومية. إن تلك النقابات تعرف، حق المعرفة، ما هي الأسباب التي تقف وراء ظاهرة فرار الأكاديميين، منها تدني مستوى الأجور، وعدم تكافؤ الفرص في الترقيات والمسئوليات، أو عدم تمكين سياسة التدوير الوظيفي. بالإضافة إلى تعرُّض الأستاذ الأكاديمي في الجامعات اليمنية للمضايقات والإهانات بصفة مستمرة. بل إن هذه النقابات تعلم، علم اليقين، أن هذه المؤسسات التعليمية ليست جامعات ولا يطمئن أحد أن تكون كذلك، وإنما هي جائعات حقيقية، يطغى عليها الحرمان والكآبة والغباء والتحقير والتجهيل. ومع كل هذا وأكثر تغضُّ الطرف وتؤثر الصمت، وكأن الموضوع لا يعنيها من قريب أو بعيد. نعم، إننا نؤكد أنها جائعات وليست جامعات، بدليل أنها منظومة مجهولة وحقيرة لا يُلتفت إليها، ولا يُلقى لها أي اعتبار أو احترام في موازنة الدولة. فالبنية التحتية للجامعات لا تزيد عن بنية مدارس أهلية في أفقر دول العالم، والمبالغ المرصودة في الموازنة للبحث العلمي لكلِّ الجامعات لا تبلغ قيمة مصفحة واحدة تُمنح لفاسد كبير في البلاد، ربما لم يحصل على مؤهل الثانوية. إنها جائعات، حقيقةً لا مجازاً، يتعلم فيها أبناؤنا الجهل والحزبية والمذهبية والعنصرية والتطرف بكل أشكاله، وتؤسِّس للتزوير والفساد والتضليل؛ لوجود خلل كبير في وعي كثير من الأكاديميين الذين تم تعيينهم خارج شروط قانون الجامعات اليمنية. زد على ذلك تسرُّب الإحباط واليأس في نفوس وأذهان الأكاديميين الجُدد، لسوداوية الواقع وعدم الالتفات إليهم. فها هم اليوم المئات من أعضاء هيئة التدريس العائدين من الخارج بعد حصولهم على درجة الدكتوراه يذوقون مرارة الفقر والذل والهوان لمدة سنة وأكثر، لعدم تسوية أوضاعهم مادياً، والتحجُّج بأعذار واهية من قبل وزير المالية/ الصخرة السابق. وعلى الرغم من ملامسة النقابات الحالة المأساوية لهؤلاء الأكاديميين وشكواهم إليها والتضرُّع، ولكنها لم تحرك ساكناً وهي الناطقة بأسمائهم والمعبِّرة عنهم فقط في أيام السلم والفراغ. مع أن الأمر لا يحتاج سوى بيان جماعي يهدد بالإضراب في حال عدم تسوية زملائهم ممن يعانون الأمرين. إنها جائعات فعلاً، ليس على المستوى المادي فحسب، بل على المستوى الأخلاقي والمعرفي أيضاً، إذ كان من المعوَّل على أساتذة الجامعات الارتقاء بالعلم وتحريك بوصلته نحو التجديدِ والإبداع، بحكم تعرُّضِ نسقهم الذهني لاتجاهات معرفية مختلفة، ولكن للأسف الشديد لم يفلحوا على مستوى العمل والإنجاز. وكذا لم يستطيعوا تأسيس أية حالة فكرية أو معرفية أو عملية قابلة للنمو والتأثير في سياق فعل جماعي ومؤسسي يبني جسور الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة، والعمل على تحديد استراتيجية يمكن التوافقُ عليها لحمل أمل التغيير. وفوق ذلك كله لم تستطعْ هذه الشريحةُ التجاوبَ مع روح العصر وحاجاته، وهذا ما انعكس سلباً على تركيبة البيئة اليمنية اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. إن على الحكومة والدولة أن تعي حقيقة هامة، وهي أن أساتذة الجامعات قد أصابهم اليأس والجمود والقلق، وهو ما ينعكس من حالات فرارهم غير المنطقية إلى الخارج، وكذا من ارتفاع حدَّة الصراع البيني حول مسائل ثانوية وتافهة، أما القضايا الأساسية والجوهرية فلا مكان لها بينهم، فأين دورهم في بناء أو تأسيس المؤسسات العلمية والإبداعية التي تسهم في النهوض بالوطن، وأين مشاركاتهم في القضايا المصيرية الوطنية، قياساً بمشايخ القبائل وقادة الميليشيات والعصابات؟!! كما أنه من المؤسف جداً أن نرى نقابات أعضاء هيئة التدريس بالجائعات اليمنية تعكس حالة الجمود العلمي والبحثي، وكذلك التكلُّس الذهني، فليس لها أيُّ دور يُذكر في تحريك بنية الواقع العلمي المأساوي، أو أية محاولة لإعادة ثقة الأكاديمي بنفسه من خلال الضغط على الحكومة وإجبارها على توفير الحياة الكريمة والآمنة له، بدلاً من مضايقته وإحساسه بشعور القهر والذل والإقصاء. وذلك من خلال وضعه ضمن نطاقات مهيأة له سلفاً، بحيث لا يمكن له أن يحيد عنها مطلقاً، ومن هذه النطاقات، نطاق الولاء والتسبيح باسم الحاكم، أو الكتابة والإبداع على وفق ما يملي عليه. وكذا نطاق المؤلفة قلوبهم، وهم من لا يحق لهم الالتفات ذات يمنة أو يسرة، بسبب الدفع المسبق لهم باستمرار. ونطاق ثالث هو نطاق الصامتين والعميان. ومن يخرج عن حدود هذه النطاقات يكون نصيبه البطش والعنف والإقصاء والتجويع، وتهمة الخيانة الوطنية والزندقة والإرهاب.. وهو ما أدى إلى فقدان الأكاديمي قيمته الحقيقية والتشكيك في قدراته وإمكاناته العلمية والمعرفية، وما انعزاله عن المجتمع أو اغترابه وفراره إلى الخارج إلَّا دليل واضح على حيرته وعجزه وعدم رضاه على الحياة في الداخل. لقد ضاعت كرامة الأكاديميين اليمنيين في الجائعات الحكومية، ولو لم يكن فقط إلا تحكُّم الموظف الإداري في مصائرهم وعرقلة معاملاتهم وابتزازهم، بمباركة رؤساء الجامعات ونوابهم، وربما هذا الإداري لا يحسن القراءة والكتابة. فضلاً عن توافر عوامل كثيرة تشوه سمعة الأكاديمي وتحد من ذكائه وتسقط كبرياءه، ليبدو في الواقع مهمشاً وكئيباً وممزقاً ومرعوباً.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.