ليس هناك من يجهل أهمية الجامعة في حياة المجتمع، وليس هناك من يغيب عن ذهنه الدور الذي تلعبه في مناحي الحياة كلها ، بوصفها مركز إشعاع، ومنارة معرفة، وحاضنة أجيال ترسو بهم في مرافئ العلم، لذا تظل الجامعة حلماً يراود الشعوب التي حرمت من ساحاتها ومختبراتها ومكتباتها، وغيرها من الروافد التي توفرها هذه الجامعة أو تلك في بيئتها المحيطة، فهناك الكثير من الجامعات التي عرفتها الشعوب العربية، وشكلت قوة علمية ومعرفية وقيمية ترتقي بحامل إجازتها العلمية إلى مرتبة كبير ة في مجتمعه الذي يعيش فيه، فيظل يشار إليه بالبنان حتى وإن لم يشغل مكانة في السلم الوظيفي الجامعي والإداري، ولكن الحافظة المجتمعية تضعه في مكانته التي يرى فيها تعويضاً عن غبن وقع عليه. ولأن الجامعة طريق المجتمع نحو التطور وإشاعة روح العلم، وجرأة المبادأة، وقوة الطرح، وفق رؤية علمية منهجية تفتقدها بقية شرائح المجتمع - كما يجب أن يكون - فإن نظرة مجتمع الجامعة المحيط تذهب في رؤيتها إلى ما وراء إمكانياتها المتاحة، وتأمل منها تحقيق المستحيل إذا ما قدمت الممكن، وهذه الرؤية المجتمعية الطموحة تزداد حضوراً حين يغدو الحضور الجامعي واضحاً وجلياً ومؤثراً في منافذ الثقافة والوعي، وعندما ترتقي المؤسسة الجامعية وكواكبها العلمية والأدبية إلى مستوى الدرجة العلمية التي بلغت إليها، بعد أن ضحّى المجتمع في سبيل وصولهم إلى هذه المكانة أو تلك بالغالي والنفيس، ولكن! أن يخبو دور الجامعة، ويتلاشى عطاء هيئة تدريسها إلى درجة الصفر أو ما دونه، ليبقى محصوراً في غرف الدرس وقاعات المختبرات، وهو من طبيعة الأشياء التي لا تؤثر في الحياة المجتمعية إلا بمقدار ما يقدمه عضو هيئة التدريس من معرفة لطلابه وطالباته، فإن أخفق في تقديم مادته العلمية - وكثيراً ما يحدث- فتلك مصيبة تضاف إلى مفارقة العزلة والغياب عن بقية الحراك الذي يشهده هذا المجتمع أو ذاك، وهو غياب يؤكد حزمة من الحقائق التي ما كنا لنعرض لها لولا تضخم هذه الظاهرة - الغياب الكلي - وبروزها بشكل فاضح لدى الهيئة التدريسية لجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا التي يقترب عدد أعضائها من الرقم (500)، وهو رقم كبير إذا تمعنا فيه جيداً، وجدنا أن هذه العقول العملية إذا ما وعت دورها الحياتي، ومكانتها المجتمعية، ونسجت تواصلاً حقيقياً معه، لاستطاعت أن تحدث نهضة حقيقية في حضرموت، وان تصل برسالتها إلى ميادين كثيرة هي من صميم دورها غير الأكاديمي اليومي، وحتى لا نبخس الناس أشياءهم ، فإننا نؤكد أن هناك حضوراً متميزاً لعدد محدود من الأساتذة المنتسبين ، خاصة في المنحى الثقافي، والعمل الطوعي لبعض الأطباء المنتسبين لهيئة تدريس جامعة حضرموت، مؤكدين أن دور هيئة التدريس بالجامعة يجب أن يرتقي إلى مستوى ملامسة الخلل الذي يعاني منه المجتمع كافة، وأن يعمد إلى تكريس ثقافة الوعي بالمشكلات أولا، ثم العمل على معالجتها وفق رؤى علمية صحيحة، لا تنعزل عن تاريخها وتراثها وإطارها المجتمعي المعيش، وأن تستقل هذه العقول العلمية بسلطة القرار العلمي البحثي، بعيداً عن المحاباة، واللعب على (الثلاث ورقات)، حتى لا تصطدم هذه النماذج بما تختزنه ذاكرة الناس البسطاء من هيبة ووقار لكل حاملي الألقاب العلمية، وتقديرها وتكريمها لكل من يتواضع معهم، وتنفر ممن يشوهون صورة الأستاذ (المتعلم العارف)، ببعض السلوكيات التي يرصدها المجتمع بعين ثاقبة، خاصة الإيغال في تعاطي القات في كل ساعة وحين، والإصرار على تبرير تعاطيه، وفي أماكن عامة، ومنتديات تحاول تثبيت ثقافة تلازم الوعي والحضور المجتمعي والثقافي بمثل هذه السلوكيات البعيدة تماماً عن النسق الحياتي والتاريخي والتراثي لمجتمعها، وهو ما يهز ثقة المجتمع ويتردد في الاحتفاء الجاد بهم حتى وإن لم تظهر ردة فعله واضحة في حينها إلا أنها - ولاشك - مترسبة في الوعي الباطن. وإذا كان من كلمة قبل الخاتمة فإننا نأمل أن نرى قيادة جامعة حضرموت، وهيئة تدريسها، وقد عاد إليها الوعي بدورها المجتمعي من خلال تفعيل أوجه النشاط الفني والمسرحي والرياضي والمعرفي والثقافي، والمشاركة الحقيقية الجادة في مناشط وفعاليات المجتمع والظهور القوي والمؤثر فيه، والتلاحم معه، والإتيان به إلى الجامعة من خلال تلك الفعاليات والمناشط وغيرها، وهي السبل الكفيلة بإدماجها في محيطها الذي تغرد خارجه منذ زمن التأسيس، فهل تفعل؟؟!!