دموع حلمي ما بين بداية اعتصام حلمي، وجمعة الكرامة بضعة أسابيع. وعودته لزيارة أهله، الأولى بعد جمعة الكرامة.كان قبلها يعود للراحة استعداداً لمواصلة الاعتصام من أجل إسقاط النظام. وانضمام الآخر، وأصحابه ،في رأي البعض إضعاف للنظام، ودعم للمعتصمين. والبعض الآخر قال: إطالة عمر النظام، وربما بقائه. وحلمي من البعض الآخر..يقول في قرارة نفسه: بدلاً من أن تكون جمعة الكرامة الفرصة التاريخية لمنح المعتصمين السيادة، والوسيلة لإسقاط النظام، كانت الفرصة لمنح الآخر والأول الآخر الفرصة التاريخية للإطاحة بالأول، والانتصار على الثاني الآخر.كان يعود قبل جمعة الكرامة عودة المحارب لالتقاط أنفاسه، وعاد بعدها، المستعد للدفاع عن الساحة. سيحارب حربه السلمية حتى النهاية، لن يستسلم لظنونه. وكانت أم حلمي تنتظره بقلق قبل جمعة الكرامة، وتنتظره غير مصدقه بعدها. تفرك عينيها، ثم ترتمي عليه: تقبله، وتتحسس وجهه وأطرافه..تجهش بالبكاء، ثم تقول: - قلبي عليك..وقلبك يا حلمي. - عليك، وأبي، وأخوتي. - علينا، ولم تزرنا إلا بعد أيام من الجمعة..كأنها سنين. - كنت أتواصل معاكم يومياً. - صوت..ولم أكن أصدق. قبلها على جبهتها، ثم قال: - وهل صدقتي الآن؟ - بعد أيش. بادر خالد بالقول: - بعد أن أحتل المنشقون عن النظام الساحة. رمقه بعين الأمل: - بل المنضمين، أم صدقت إعلان النظام. - أي نظام، كان أنظمه، وبعد المنشقين المتبقي من النظام. - المنشقين..المنشقين معنا لإسقاط المتبقي. - وإذا سقط سرقوها..قلت لك، وأنا في هذه السن الصغيرة كنت أفهم منك. - اعترفت أنك في سن صغيرة..لن تفهم أكثر مني. - بل سرقوها. - لن يسرقوها، ثورتنا، وقد وعدونا. - بل سرقوها. قال حلمي (بغيظ مكتوم): - زرتكم لأرتاح... بادرت لميس بالقول: - لا تصدقه يا أخي، وثورتكم ستنتصر. وقالت سندس: - مالك اليوم زعلان. جثا..احتضنها، أشرورغت عيناه بالدموع..وهو يقول: - أزعل وأنا معك..أبداً يا أختي..أبداً. قالت أمه: - زعلته يا خالد، الله يسامحك. رد (وهو يكاد يجهش بالبكاء): - بل تسامحيني يا أمي..تأخرت في زيارتكم. جثت أمامه، إلا أن سندسا كانت حائلاً بينها وبينه..أزالت الحائل بقلب الأم الملتاع على ابنها المصاب..ثم قالت: - الدموع على خدك. ارتمى على حضنها، وذهب في نوبة بكاء حارقة، كان أضعف من أن يرحم أمه. وفي اليوم التالي لم تجده في غرفته..ترك لهم ورقة كتب عليها: (سامحوني، هربت من خوفك يا أمي عليّ..ولا تفزعك دموعي، سكبها شعوري بالذنب، تأخرت عن زيارتكم..) صدق، ولم يصدق..لم يسكبها شعوره بالذنب، لكنه شعور لا يريد أن يصدقه. * ستصدر قريبا.