الطبيب الفيلسوف، والمفكّر الاجتماعي، وعالم النفس والتاريخ «جوستاف لوبون» يستحق الاستعادة في مثل هذه الأحوال التي يمر بها العالم المعاصر. فقد كان هذا العلَّامة أول من تصدّى لمعنى التحوُّلات العاصفة وآثارها على الشعوب ومصائرها التراجيدية، وتناقض خطابها الألفي الجميل مع ما يحدث على الأرض من مفارقات وويلات. كان مدخله إلى ذلك تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية والميدانية التي ترافقت مع الثورة الفرنسية الكبرى، وملاحظاته الحاذقة المبكّرة حولها، فقد تحوّل قطاع من حملة مشروع التغيير إلى قتلة اعتياديين بزعامة السفاح «روبسبيير» واكتشف الذين هاجموا قلعة سجن الباستيل العتيد؛ أن السجن خلا من المعتقلين، لكن الاندفاعة لم تقف، والدماء لم تجف إلا بعد مرور سنين من التطاحن العدمي بين الأعداء النابتين من تضاعيف الحالة ومعطياتها التراجيدية. كتب «جوستاف لوبون» عن هذا الموضوع الحيوي في كتابه الأشهر بعنوان «سيكولوجيا الجماهير» ذلك الكتاب الذي تجاوز فيه ميكيافليللي والفارابي وابن خلدون لجهة التحليل التشخيصي النبَّاش للعلاقة بين النُخب والجماهير، وكيف أن النُخبة الشريرة بوسعها قيادة الجماهير إلى حتفها كما يُقاد القطيع، وكيف أن النُخب البنّاءة يمكنها تحقيق النماء والتطوُّر عبر الجماهير ذاتها. «جوستاف لوبون» من القلائل الذين أدركوا المغزى الحقيقي للتطوُّر، والأثمان الباهظة للتحوّلات، ودور النُخب في صناعة المعطيات على الأرض،وكيف تتحوّل الجماهير العفوية إلى تنّين اسطوري يصعب السيطرة عليه. [email protected] "الجمهورية"