تسير خطوات دولتنا نحو نظام دولة جديد أكثر تعقيداً من نظامنا الحالي الأكثر بساطة والأسهل علاقة بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وذلك دون شعور ممن هم في الحكم لتبعات ذلك التوجه وتبعاته. ومن خلال الإجماع الذي تم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل حول شكل الدولة القادم وهو (الاتحادي) فإن كثيراً من الأمور الإدارية والمالية لم تتضح – وهذا ليس بالضرورة أن يكون ضمن الدستور الاتحادي الجديد واذا ذكر فإنه سيكون بصورة عامة – ومن يطلع على مخرجات الحوار الوطني يجد عدم التناغم فيها لشكل الدولة القادم بصورة (إدارية ومالية وفنية) بعيداً عن الشكل السياسي المتفق عليه. فلا محددات على الورق وضعت وفق خطة زمنية معدة سلفاً توضح كيفية الانتقال التدريجي من نظام إداري (مركزي) الى نظام اداري (فيدرالي) لجميع وزرات وهيئات وشركات ومؤسسات الدولة وقبل الاستفتاء على الدستور الذي سيأتي وقد تم تمهيد الأرضية (الإدارية) ومن ثم (المالية) ليأتي تطبيق ذلك الدستور مباشرة بعد التعرف على العقبات والصعوبات التي ستواجه مؤسسات الدولة (مسبقاً) قبل البدء بمرحلة الاستفتاء على الدستور والذي يأتي تتويجاً نهائياً للمرحلة الانتقالية نحو الدولة الاتحادية. ولذلك أرى أن الوقت يداهمنا شيئاً فشيء ،وأرى أنه من الواجب الإسراع في تكوين لجنة خبراء من الماليين والإداريين تعتمد على صياغة وإعداد الأمور الفنية المالية والإدارية لفك طلاسم التعقيدات المستقبلية واعداد رؤى عامة لكيفية عمل الدولة في ظل نظام اتحادي (قبل اقرار الدستور) وتستند على مخرجات الحوار ولعلوم المال والأعمال الحديث والاستناد لنصوص مشروع الدستور الجديد ،ويعود على عاتق تلك اللجنة التواصل مع وزارات وهيئات ومؤسسات ومصالح وشركات وكل جهات الدولة بتحديد الخطوط العريضة لهم في (إعادة شكل) تلك الجهات وبالرجوع لمخرجات الحوار وخصوصيات كل جهة ذلك وفق رؤية (اتحادية) ،ومن ثم تتلقى اللجنة من تلك الجهات الرؤى لتراجعها من الناحية الادارية والمالية ومدى تطبيق مخرجات الحوار مع مراعاة الخصوصيات ونصوص الدستور الجديد وتبييضها وفق قوالب ومصفوفة زمنية عقب اعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد وبصورة تدريجية وسلسة لا تسبب شلل لمؤسسات الدولة المختلفة والاعتماد على التغذية الراجعة باستمرار لتصحيح الاخطاء والخلل أولاً بأول ولفترة زمنية تمتد لخمس سنوات تتابع وبرقابة دقيقة العقبات وتقدم النصائح والاستشارات الادارية والمالية والفنية في حل سوء الفهم او التطبيق وتقوم بالمعالجات الفورية وحتى استقرار الوضع المالي والإداري لمؤسسات الدولة الاتحادية. كما ولابد للجنة المالية والادارية الاستعانة بخبرات الدول الاتحادية في ذلك المجال ولكل جهة على حدة، لنتعلم من المشاكل التي واجهوها لأننا بالتأكيد سنواجها ،مع الأخذ في عين الاعتبار خصوصياتنا للعنصر البشري والتعليمي والجغرافي والتاريخي والمناطقي والمذهبي وكافة التحديات والصعوبات التي نواجها الأن وفي ظل دولة مركزية. فأكبر فشل قد تواجه الدولة ومؤسساتها يكمن حال الانتهاء من الاستفتاء على الدستور فيكون ذلك الدستور الاتحادي قد دخل حيز التنفيذ فترى التخبط الاداري والمالي حول التطبيق والتنفيذ ،وتحدث الفوضى الادارية والمالية والاجتهادات وفرض سياسة أرض الواقع التي ستصيب عملية انتقال الدولة الى النظام الاتحادي بالفشل الذريع بل وقد يصل الأمر للانهيار وخصوصاً في ظل التحديات والمشاكل التي تواجها الدولة ومؤسساتها حالياً. وأرجع سبب فشل مشروع (هيكلة القوات المسلحة) الى الاعلان عن ذلك المشروع دون (رؤية) مستقبلية وفي ظل انهيار الدولة وتفكك الجيش وانقسامه وهي أسوء حالة يمكن أن يتم فيها اعادة الهيكلة لأقوى وأهم مؤسسة للدولة ولهذا رأينا التخبط يميناً وشمالاً لعدم وجود (رؤية) إدارية ومالية وفنية تسبق عملية (الإعلان) عن الهيكلة فصار الفشل الذريع الذي رأيناه يصيب المؤسسة العسكرية. وكذا يعود سبب نجاح تجربة ألمانيا في اتحادها هو قيامها بإعداد رؤية مستقبلية لمؤسسات الدولة ولشكلها المالي والاداري قبل الاعلان على الوحدة وذلك ما فشلنا فيه لاتكالنا على مبدأ (ما بدا بدينا عليه)! أخيراً .. لابد من التأني في عملية الانتقال للنظام القادم ليكون وفق رؤى واضحة ودقيقة ووفق مصفوفة زمنية معدة سلفاً وإلا ستنهار الدولة ومؤسساتها ،وسنرى مالا يحمد عقباه بسبب الهرولة السياسية دون ترجمة تلك الهرولة لخطط فنية ومالية وإدارية ،ولابد من تهيئ الأرض الثابتة كي لا تنهار الدولة بسبب الأساس الهش كما رأينا ذلك يتحقق بسبب أساس دولة الوحدة تنهار لأن الأساس لم يكن متين رغم أن الأرض كانت ثابته جماهيراً وهذا ما لا نراه حالياً .