دخلت بالصدفة إلى محل ( إنترنت ) في العاصمة صنعاء هذا اليوم الخميس الموافق 18 ديسمبر 2014 م ، وقد شاهدت في القاعة مجموعة من الأطفال يزيد عددهم عن العشرين ، وتتراوح أعمارهم مابين العاشرة والسادسة عشرة ، وجميعهم منهمكون بشكل كامل على شاشات الكمبيوتر ؛ تطفلت عليهم فوجدت أن غالبية البرامج المفتوحة أمامهم تعرض ألعاب عنف بالسلاح ، وأنماط أخرى من العنف . لم أجد فرداً واحداً منهم يشاهد برنامجاً علمياً أو رياضياً أو عن الطبيعة والطيور والحيوانات ، أو ما شابه ذلك . هؤلاء الأطفال يرتدي غالبيتهم الزي المدرسي ، ما يوحي أنهم خرجوا من منازلهم ولم يذهبوا إلى المدرسة وإنما إلى مواقع اللهو والعنف، وتسأ لت مع نفسي أمام هذا الموقف المخيف : كم عدد محلات الإنترنت في اليمن ؟!، وكم عدد الأطفال الذين يرتادونها لنفس هذا الغرض، والتي ترسخ في عقولهم الغضة ثقافة العنف وليس غير العنف ؟؛ ثم أي مستقبل ينتظر هؤلاء التلاميذ ؟! أسئلة كثيرة تتوارد على الخاطر وتثير الحزن والشجن على براءة يقتلها العنف . يدهش المرء فعلاً مما يشاهد ، وتزيد دهشته وحيرته عندما يجد في الجانب الثاني من الصورة مئات الأطفال يتجولون في شوارع العاصمة بالسلاح وبعضهم أقل سناً من أولئك الغارقين في عنف الإنترنت ، وهم أحوج أن يكونوا في المدارس يحملون كتبهم وأقلامهم ليكتسبوا المعارف النافعة ، ويدونون في دفاترهم أغاني الحب للوطن بدلاً عن القتال وحمل السلاح . ويجدر بنا هنا أن نلوم الآباء قبل الأبناء ؛ فهم الذين أضاعوهم بهذه الطريقة التي لا تعبر بأية صورة عن الأبوة التي اعتادها الإنسان اليمني عبر تاريخه من الحنان والرعاية لأبنائه حتى في ظل أسوأ الظروف وأشدها قساوة ؛ فأين حنان الأب ورعايته اليوم يا ترى ؟! ؛ فإذا كان السياسيون قد تشربوا العنف من منابع ليس فيها شفقة ولا رحمة ؛ فنحن نعول الآن على الآباء لعلهم يكونون أرحم مع فلذات أكبادهم ؛ بمنعهم من هذا الإهدار لأرواحهم وأرواح غيرهم من أقرانهم في حروب عبثية ليس من وراءها أي طائل . وفي هذه الأجواء المشحونة بثقافة العنف والسلاح ينشأ سؤال مهم : ما هو مستقبل الوطن إذا نشأ هذا الجيل وهو غارق في هذا الوحل النظري والعملي من العنف ؟!، والإجابة تكمن في أن القادم لا محالة سيكون أكثر سواءً وأكبر خطراً على الأجيال القادمة؛ لأن حروب اليوم ربما لا يزال يحكم جانب منها قواعد التراث التي فيها شيء من الإنسانية ؛ لكنها في المستقبل ستكون على غرار لعب ( البلاستيشن ) مسخ وهمجية ؛ لا أحد يعرف ماذا يفعل ومن يقتل من ؟! ، سوى أن القتل هواية عدمية، وليس له هدف ؛ سيحدث هذا دون شك إذا سارت الأمور على هذا المنوال المنفلت وبما لا يتوقعه عاقل. أيها السياسيون اتقوا الله في فلذات الأكباد ، واعلموا أنكم ستحاسبون أمام الله سبحانه وتعالى الحاكم العادل يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا أتباع . أيها السياسيون والمثقفون القائمون على شؤون هذا البلد المكلوم ارحموا الأطفال واصنعوا لهم ألعاباً من الورود والعصافير التي تحلق في السماء، ووفروا لهم الحليب والدواء؛ لا تسلموا لهم سلاحاً يقتل ولا تشحنوهم بالحقد الأسود الذي يدمر الحاضر والمستقبل ؛ افتحوا لهم الحدائق وعلموهم أغاني السلام . وفي الأخير أعلم أن العقول اليوم غافلة ,وأن الطيش في هذا البلد صار هو السائد ، والكلمة لم تعد في هذا الحال تفيد كثيراً ؛ لكني لم أقل هذا ولم أنشره إلا راحة للضمير ، وحباً لأولئك الأبرياء من الأطفال المساكين الذين يقعون في يد لا ترحم .