ودعنا عام 2014 بكل دمويته ومآسيه وودعنا معه آخر كتيبة قتل جماعي وهم ضحايا تفجير المركز الثقافي بمحافظة إب أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذين سفك دمائهم أحد المتقدمين لنيل الشهادة وصعد على أشلائهم إلى الفردوس الأعلى، وقبلها حادثة طالبات رداع المأساوية التي أودت بحياة طالبات في عمر الزهور، بالإضافة إلى حوادث الاغتيالات الفردية والتي يأتي أبطالها على متن دراجات الموت- كالأفلام الهندية- فيقتلون هذا وسيفكون دم ذاك، والعبوات الناسفة التي توضع تارةً في أكياس القمامة وتارة في جثث الكلاب وأخرى في علب ال (نيدو) حليب الأطفال وغيرها من الأساليب المبتكرة لقتلنا والتقرب بدمائنا زُلفى دون أدنى وازع من إنسانية أو قيم أو أخلاق أو دين. واستقبلنا عام 2015 بنفس المراسم والطقوس الذي ودعنا بها سابقه ألا وهي القتل الجماعي بالجملة، وهنا تقدم شخص آخر وتقرب إلى الله بإزهاق أرواح حوالي 41 شخصاً من عباده، وداس هو الآخر على أشلائهم وعلى أنين وآلام المصابين والجرحى صاعداً إلى جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وكان في انتظاره حور العين -حسب العرف لديهم وربما الفتوى- ولا أدري هل تأكد من حجزه بنفسه أم أن أحداً تكفل بالأمر وقطع له التذكرة إلى الجنة وجهته الأخيرة بعد قتل خلق الله بهذه الوحشية المقيتة، وهل تأكد قبل لف الحزام الناسف والمتفجرات على خصره من وضع التذكرة في جيبه!!؟ إنه حقاً شيءٌ مؤسف أن يقتل الأخ أخيه لمجرد اختلاف في الرؤى والأفكار أو حتى المعتقدات، أو يقتل إنساناً آخر للاختلاف في الدين أو العقيدة، فالدين المعاملة وكل إلى ربه راجع وسيحاسب على "مثقال ذرة" إن أحسن فلنفسه وإن أساء فعليها.. إن ديننا الحنيف هو دين الحياة، "ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً"، والله جميل يحب الجمال فلنتقرب إليه بالأفعال الجميلة والنافعة لخلقه، وبالتالي فهو جل وعلى لا يحب الدمار والخراب وبالتأكيد لا يحب قتل عبيده وتمزيقهم إلى أشلاء، إنه منظرٌ قبيح وفعلٌ أقبح ولن يرضِه أو يرضى عنه.. يا له من منظر يدمي القلوب ويبعث على الأسى والحزن في النفوس، فكل واحدٌ من هؤلاء الضحايا- الذين نحتسبهم شهداء عند ربهم- وراءه قصة إنسانية.. فمنهم من يعول أسرته، ومنهم من هو وحيد أبويه، وآخر ترك وراءه أطفالاً صغاراً لا عائل لهم، ومنهم من يعتني بأمه العجوز قعيدة الفراش... ومنهم، ومنهم.... حدثني أحد الأصدقاء عن صديقه الذي أتى من قريتهم وقد بات في بيته ليلتها ومع أذان الفجر ذهب للصلاة، ومن الجامع اتجه مباشرة إلى الطابور أمام كلية الشرطة في البرد القارس، أي أن المنية وافته والوضوء لم يجف بعد، ورائحة الصلاة لم تبارحه، فهل قاتله وقاتل أولئك المظلومين المغدورين سيدخل الجنة..؟!!! اللهم إنا نبرأ إليك ممن سفك ويسفك دماء عبادك، اللهم اشف الجرحى وعافهم، وتقبل الضحايا شهداء عندك، وألطف بأهاليهم أجبر مصابهم وعوضهم عنهم خيراً.. اللهم إنا نستودعك اليمن وأهلها فأنت الله خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين. الفاتحة إلى روح الشهداء